في حوار مع الروائي السريلانكي الذي يحمل الجنسية الكندية، مايكل أونداتجي، ذكر بأنه كذاب بالفطرة، وهذا ما ساعده على كتابة الروايات، والحقيقة أن الكاتب الذي ألفّ منذ أكثر من عشرين عاما، رواية «المريض الإنكليزي» المهمة التي حصلت على جائزة مان بوكر في تسعينيات القرن الماضي، وتحولت إلى فيلم سينمائي، وأظنها توجت أيضا كأفضل رواية حصلت على بوكر، هذا الكاتب لا شك عرف طريقه منذ بداياته، وكتب روايات جميلة ومميزة وظليلة أيضا، من حيث الفن والمعنى، وتكفي «المريض الإنكليزي» فقط، لتجعله من الروائيين الخالدين، وإن كنت شخصيا قرأت له مرة عملا لا أذكر اسمه، لم أستطع إكماله، وهذا قد يكون بسبب عيب في مزاجي أو سعة صدر تذوقي أثناء قراءتي للعمل، أو لعل الموضوع لم يكن يهمني كثيرا.
المهم أن مايكل تحدث عن الكذب كأداة فاعلة من أدوات صناعة الرواية عنده، وذكر أيضا شيئا آخر، أو لنقل طقسا شبيها بالذي أملكه شخصيا، وهو أنه لا يتعمد الكتابة، والتخطيط ورص الشخصيات، وتفصيل أدوارها أبدا، وإنما يترك كل شيء يمضي بنفسه، أي يترك الأحداث تقوده والشخصيات تتلمس طريقها في فضاء النص حتى تصل.
وقد ذكر في حديثه عن إحدى رواياته، أنه خطر له أن هناك شخصية الأم بجانب الشخصيتين الرئيسيتين، لكنه لم يعرف لماذا فكر أصلا في وجود شخصية أم، وحين كتب، وجد الأم حاضرة بنفسها وتلعب دورا لم يرسمه لها، وإنما رسمته هي بنفسها.
هو قال الكذب، وأنا أسميه سعة الخيال، لأن الكذب ككلمة، دائما ما تشير إلى خطب ما، والذي يكذب إنما يخفي صدقا في ذنب مرتكب: أن تكذب على معلمك بخصوص إهمالك للواجب المدرسي، تكذب على أبيك بخصوص تغيبك عن البيت، على أصدقائك، باختلاق أشياء ليست صحيحة، من أجل الخروج من مأزق وقعت فيه، في حين أن كتابة القصة أو الرواية، لكز عنيف للخيال ليتمدد، ويركض بعيدا ويجمع ما يستطيع تجميعه، بغرض المتعة والمعرفة، وكل تلك الإيجابيات المعروفة عن الرواية، وإن كان تمدد الخيال أكثر من اللازم، شبيه بشحه، يقود كلاهما إلى الملل، ولا يستطيع القارئ الاستمرار في القراءة، لأنه لا يجد متعة، أو إرهاصات دهشة.
هو قال الكذب، وأنا أسميه سعة الخيال، لأن الكذب ككلمة، دائما ما تشير إلى خطب ما، والذي يكذب إنما يخفي صدقا في ذنب مرتكب.
كنت في عدد من مقالاتي، تحدثت عن الرواة الشفاهيين، وهؤلاء لا يستطيعون كتابة رواية كاملة، وأصلا ليس في أذهانهم أدنى طموح لكتابتها، كما أن أغلبهم أو جميعهم تقريبا أميون، يستمعون إلى نتف من الأخبار في الراديو، ويشاهدون بعض الحوادث في التلفزيون، ويضعون أنفسهم في قلب تلك الأخبار والحوادث بوصفها حوادثهم هم، وقصصهم هم، وتصبح قصص الحب البعيدة، هي نتاج خفقان قلوبهم، وبطولات الغابرين، والمعاصرين هي بطولاتهم، ومنذ أيام التقيت رجلا مسنا ربما بلغ الثمانين، يضع على أذنه اليمنى سماعة بسبب ضعف السمع، حكى لي بكل جدية، أنه من الذين اعتصموا في ميدان القيادة العسكرية العامة في الخرطوم، هتف مع الذين هتفوا بسقوط النظام، وتحدث عن مواضيع مهمة تهم السودان كثيرا، وصام عدة أيام، وأفطر هناك قبل أن يسافر عائدا إلى حيث يقيم، ولأن الرجل ليس من السودان، ولا يبدو أن لديه مصلحة هناك تجعله يحمل كل تلك السنين والعلل ويسافر، ويعتصم مع شباب يمكنهم التحمل، استنتجت أنه من أولئك الشفاهيين الرائعين، واخترع لي قصة من وحي أحداث الساعة، ورواها لي بمجرد أن عرف أنني من السودان، وبالطبع لن أقول له أي شيء، عن شكوكي، وسأشكره على مؤازرته لثورة الشباب السوداني، فقط لن أترك لخياله أن يتمدد أكثر، خاصة حين أراد أن يحكي لي عن مناجم الذهب السودانية التي عمل فيها منذ أعوام.
نعود إلى الكذب المكتوب، بوصف مايكل أونداتجي، والخيال المكتوب بوصفي ووصف معظم الكتاب الروائيين، هنا قد تجد الروائي صامتا معظم الوقت، ولا يدلي بأي دلو في حديث أو نقاش يدور أمامه، ولدرجة أن يظنه من لا يعرفه، مجرد شخص بسيط وأمي، ولكن حين يكتب، تأتي كل الأشياء المختزنة، وتتصارع على أوراقه، وتشكل نصا ربما يكون متميزا بحسب تميز الكاتب نفسه. هنا الحكاء لن يكون شفاهيا وإنما شخص يوثق الحكي، وقد يستفيد من الحكائين الشفاهيين في ذكر أحداث سمعها منهم، حيث يقوم بتطويرها وتحويلها إلى فن، لذلك أنا لا أقلل من الشفاهيين أبدا، ولا أتهمهم بالكذب حتى حين يتجاوز خيالهم تلك الخطوط الحمر، مثل أن يقول أحدهم إنه رفض أن يكون وزيرا في حكومة ما، أو يدعي أنه التقى بيل كلينتون، وحكى له كلينتون قصته كاملة، مع تلك الفتاة الشابة التي فضحته، أكتفي هنا بالموافقة على ما يقول، وقد أسأله أسئلة سطحية، لا تربك الرواية الشفاهية.
وبالطبع الفانتازيا، هي قمة الخيال الواعي، تلك التي يمكن أن يبتكر داخل نصوصها كل ما لذ وطاب من القصص والحكايات، ويمكنك فعلا اختراع أشجار غير موجودة، وأدوات حياتية غير موجودة، وحتى أمراض وأدوية، وشخصيات توهم القارئ بأنها من صميم مجتمعه وتحيا معه، إنها كتابة أحبها، وقطعا مايكل أونداتجي يحبها وكثيرون يحبونها وبالقدر نفسه، هناك من لا يطيق التعامل معها.
ولعل جزء من نصائحي التي أرددها دائمل للذين يتعلقون بالكتابة ويودون أن يكتبوا، وقد يلتحقوا بالورش الإبداعية لهذا الغرض، أن يجالسوا الكذابين الرائعين، أقصد الرواة الشفاهيين، هؤلاء مدارس في تعليم الكتابة، وسند راق للخيال أن يتمدد.
٭ كاتب سوداني
لم أفهم كيف أن يكون المبدع مبدعا بمعاشرة الكذابين ؛ ليتعلّم فنّ الكتابة ؟ ياسيدي المحترم : الأدب إذا لم يكن يقوم على الصدق في
المحتوى واللفظ والرسالة يتحوّل إلى معول لهدم القيم.خذ نماذجا من الأدب العربي لعقد الخمسينات والستينات ، كمثال لطه حسين والعقاد وأمثالهما ، عجنت كتاباتهم بالصدق الذاتي والموضوعي ؛ لهذا باقية حتى اليوم.ومن قبلهم قبائل من الشعراء والكتّاب العرب من العصرالجاهلي وما تلاه..تقوم على الصدق بمعناه الاجتماعي وبمعناه الفني ( سعة الخيال ).لا أعرف كيف يجتمع
الأدب المبدع والكذب المقذع ؟ وليس صحيحا مقولة إنّ أعذب الشعر أكذبه.خذ معلقة عمرو بن كلثوم لا تزال تبعث في القاريء نشوة
الأدب وسمو الفن وإبداع اللفظ والمعنى وروح التحدي وعبقرية السبك والحبك.الكذب هو الكذب بضاعة الفاشلين وسحرة القول.
أن تترك لخيالك العنان و تروي قصصا قد تكون حدثت أو لا تكون بقصد امتاع المستمع أو القارئ شيء و أن تكذب لتضلل الآخر شيء آخر ، اعتقد أن من الضروري تبيان الغرض من الرواية و لم نجد في العديد من الروايات ، الافلام في بدايتها توضيح بأن شخوص الرواية قد تتشابه مع اشخاص حقيقيين الا أنها ليست حقيقية إلا وسيلة لمنع الالتباس و احتمال الأذى الناتج عنه . انا مع سعة الخيال و ليس مع الكذب لأنهما مختلفان
نشأنا وتكون وعينا وتذوقنا الأدبي على ان الصدق هو أحد مداميك الإبداع الانساني طبعاً هو عامل الى جانب عوامل مهمة أخرى. لكن ان تنصح انت وتروّج للكذب بصفته خيالا وابداعا فهذا لم يحدث من قبل، ثمّ ان هناك فرقاً هائلاً بين الكتابة كفن وبين الكذب كصفة مذمومة ومرذولة أما هؤلاء الذين تسميهم الرواة الشفاهيين فليس الأمر كذلك أبداً الراوي الشفاهي كما عرفته آداب العالم ومنها الأدب العربي، هو غير ذلك “المريض” الذي يخترع حكايات بطولية خارقة وينسبها الى نفسه، هؤلاء موجودون في كل مجتمع لكن يُنظر اليهم بوصفهم منكّتين بالدرجة الأساس وكذابين، لا مبدعين، وإذا كانوا قد حصدوا الضحك في مكان ما ففي نفس الوقت نصيبهم الأكبر هو السخرية.ودعك من الورش الابداعية ـ البدعة التي خربت الأدب مثلما البوكر من قبل والآن.
من وجهة نظري ما كتبه الزول (أمير تاج السر) تحت عنوان (الكذب الإبداعي) في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني،
يلخص مفهوم تدوين المنتج اللغوي، بغض النظر كان ثقافياً أم سياسياً طالما كانت ذات عائد اقتصادي مربح،
ولكن السؤال المنطقي والموضوعي وبالتالي علميا هو لماذا تدوين الإنتاج اللغوي الأمريكي في أجواء العولمة (بعد 1945) والإقتصاد الإلكتروني (بعد 1992) هو الأكثر عائدات إقتصادية،
بينما تدوين منتجات أفريقيا اللغوية، في هذا المجال هي الأقل عائدات إقتصادية، والدليل ما حصل في السودان والجزائر في عام 2019.??
??????
ليس بالضرورة ان يكون أونداتجي، مقياساً.. هنا المئات من الكتاب الناجحين، لا ينتهجون نهجه.
احبائي
المبدع أولا وأخير انسان
الصحفي في نقل الأحداث يلتزم بالموضوع والعنوان
المبدع الروائي والمسرحي والشاعر يطلق لخياله العنان
و نجاح الروائي في تجسيده للشخصيات هو الفيصل والبيان
والصدق الفني يتمثل في السرد والحوار والوصف والتفاعل مع الزمان والمكان
أما الجانب الخلقي فقد صادفنا بعض المبدعين السيئين في الخلق ويرتدون ثياب الرهبان
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن التعليق وآدابه…واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات….رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة
تعم سيدي نعم…لخصت الامر في بضع عبارات أستاذنا الاديب الكبير جمال بركات
استاذنا الأديب الكبير جمال بركات….لقد طرحنا في الندوات وعلى الورق كثيرا سؤالا وهو….لماذا نكتب؟؟؟ هل لمجرد المتعة ام لرسالة ما…وهل الإنسان الكاذب بطبعه يمكن أن يوصل رسالة؟؟؟؟