بيروت 2002، مؤتمر القمة العربية يتبنى ما أُطلق عليه اسم مبادرة السلام العربية التي اقترحها عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية.
يومها، كان ياسر عرفات محاصراً من الجيش الإسرائيلي في المقاطعة، وكان من المقرر أن يلقي خطاباً في القمة يُبث من سجنه الإسرائيلي عبر الأقمار الصناعية، لكن الخطاب لم يُبث، ثم رشحت معلومات أن الرئيس اللبناني إميل لحود الذي كان دمية في يد الرئيس السوري بشار الأسد منع بث خطاب الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني.
لكن الموضوع ليس هنا، رغم أهمية التواطؤ العربي على حجب الفلسطينيين، وهم يخوضون انتفاضتهم الثانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والغطرسة الشارونية.
الموضوع نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بقلم معلقها الصهيوني «الليبرالي» توماس فريدمان، الذي نصح الأمير السعودي بتقديم مبادرته.
وللتذكير، فإن هذه المبادرة حصلت بين حربين مدمرتين، حرب تحرير الكويت، وحرب احتلال العراق. يومها كان ما يسمى «النظام الإقليمي العربي» موجوداً، وكان عماده مثلث الاستبداد- النفط، المؤلف من مصر والسعودية وسوريا.
سرعان ما تفكك هذا النظام وتشظى المثلث بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، لكن مبادرة السلام العربية بقيت على الطاولة، وتعامل معها الإسرائيليون والأمريكان بازدراء تستحقه، لأنها كانت مبادرة كلامية بلا مضمون.
فالذي يريد سلاماً يحفظ الحد الأدنى من كرامته وحقوقه، يجب أن يكون قادراً على التهديد بالحرب، وكان الإسرائيليون يعلمون أن العرب لا يريدون الحرب وليسوا قادرين على خوضها.
الأرض مقابل السلام
هذه هي فكرة المبادرة، أعطونا الأرض الفلسطينية والسورية المحتلة، ووافقوا على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وخذوا السلام والتطبيع مع جميع الدول العربية.
الدولة الصهيونية هي من يستطيع أن يعطي السلام أو يحجبه عن عرب لا يريدون القتال، لأن مشكلة أنظمتهم المستبدة والفاقدة للشرعية لم تكن يوماً مع إسرائيل، بل كانت في كيفية بقاء الأنظمة.
لكن إسرائيل لم تكن في حاجة إلى سلام فرضته بقوتها العسكرية.
واللافت أن هذه المبادرة قُدمت عندما كان المشروع الوطني الفلسطيني يُذبح على أيدي الإسرائيليين، وسط صمت عربي مريب، اشترك فيه معسكرا الممانعة والاعتدال، أي سوريا الأسد والسعودية.
ماذا جرى لاقتراح الأرض مقابل السلام؟
لا شيء سوى أنه كان لغواً لا معنى له.
السلام مقابل السلام؟
هذا هو الجواب الإسرائيلي على مبادرة السلام العربية.
أي أن الدولة الصهيونية هي من يستطيع أن يعطي السلام أو يحجبه عن عرب لا يريدون القتال، لأن مشكلة أنظمتهم المستبدة والفاقدة للشرعية لم تكن يوماً مع إسرائيل، بل كانت في كيفية بقاء الأنظمة. ولقد تجسدت هذه اللعبة عبر التنظير المروّع الذي اجترحته الآلة الأيديولوجية التابعة لنظام الأسد الأب، كي تبرّر عدم دفاع وزير الدفاع عن الجولان بأن هدف العدوان الإسرائيلي عام 1967 كان إسقاط الأنظمة «التقدمية» العربية!
يبقى النظام وتُحتل الأرض، ويسمون هذا نصراً، أو يخجلون قليلاً فيطلقون عليه اسم «نكسة».
هكذا تحولت أكبر هزيمة في التاريخ العربي المعاصر إلى ملهاة دموية صنعت «بطولات» الاستبداد الوحشي ضد وجود المواطن العربي وحقه في الكرامة والحرية والحياة.
لاحظوا معي التدرج الانحداري، من الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام.
ارتاح النظام العربي إلى السلام مقابل السلام، معتقداً أنه تأبيد لوقف إطلاق النار، يسمح له بمتابعة حربه الكلامية ضد إسرائيل بينما يخوض في الواقع حربه الدائمة ضد شعبه.
لكن التاريخ لا يعرف الجمود، وكان منعطفه الكبير هو اعتقاد النظام العربي بأجنحته المختلفة أنه نجح في وأد الربيع العربي بالدم والتهجير والقمع الوحشي مستعيناً بالقوى الخارجية.
غير أن هذا النظام البائس وجد نفسه يرتجف هلعاً في غمرة حماقة الصراع السني- الشيعي وجنونه، الذي أوصل ممالك النفط ومشيخاته إلى حافة الرعب من إيران، والبحث عن حبل نجاة قدمته إسرائيل.
إسرائيل اليمينية العنصرية تلعب الآن لعبة مزدوجة.
توحي لأنظمة الخليج أنها قادرة على حمايتها من إيران، فتفرض عليها سلاماً مستسلماً عنوانه التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي مع بعض الدول العربية.
كما تلعب مع الدب الروسي لعبة منحه النفوذ في سوريا ليس لقاء رفات جندي إسرائيلي قُتل في حرب 1982، أو لقاء بقايا الجاسوس ايلي كوهين فقط، بل لقاء بقاء النظام السوري بشروط إسرائيلية، أي عبر ابتلاع ضم الجولان.
كانت هذه التحولات تمهيداً لما يعرف بـ «صفقة القرن»، التي برز أول ملامحها في الاعتراف الأمريكي بضم القدس والجولان، تمهيداً لخطوتين إسرائيليتين متوازيتين، الأولى هي الفصل النهائي بين الضفة وغزة، والثانية هي ضم ستين بالمئة من الضفة الغربية.
إسرائيل وأمريكا تضحكان على نظام عربي متهالك عبر وعده بالكراسي مقابل السلام، أما الهدف الإسرائيلي الحقيقي فهو تمرير الضم وتحقيق الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني.
في اقتراحات السلام التي بدأت بكامب ديفيد المصري- الإسرائيلي، وصولاً إلى أوسلو ووادي عربة، لم يكن السلام مطروحاً إلا كاسم موارب للاستسلام.
الكراسي مقابل السلام
هذه هي حقيقة لعبة السلام والصفقات التي تدور اليوم.
في اقتراحات السلام التي بدأت بكامب ديفيد المصري- الإسرائيلي، وصولاً إلى أوسلو ووادي عربة، لم يكن السلام مطروحاً إلا كاسم موارب للاستسلام.
والمفارقة أن إسرائيل انقلبت على استسلام الفلسطينيين ورفضته، لأنها كانت تريد إبادتهم السياسية وابتلاع ما تبقى من أرضهم.
نتنياهو يفتخر بعلاقاته مع العرب. والحق يقال إن الناخب الخارجي الثالث الذي صبّ في مصلحة نتنياهو بعد الناخبين الأمريكي والروسي هو الأنظمة العربية، فأنظمة زمن الكراسي المهتزة رأت في اليمين الفاشي الإسرائيلي حليفاً طبيعياً للاستبداد الذي لا يتقن سوى لغة «المنشار».
منشار محمد بن سلمان الذي اغتال الصحافي جمال الخاشقجي لم يكن سوى أحد مؤشرات هذا الزمن العربي الذي وصل إلى الحضيض.
وكما انهارت كل صيغ السلام مع إسرائيل، لأن الدولة الصهيونية ليست معنية سوى بتفوقها العنصري، سوف يكتشف المستسلمون أنهم ليسوا أكثر من مطية سيتم الاستغناء عنها عندما تنتهي صلاحيتها.
وسيكون للحضيض العربي اسم جديد: الكراسي مقابل السلام.
بل الكراسي مقابل التبعية و البقاء تحت السيطرة و التوجيه و هذه هي المعادلة منذ سايكس بيكو
الانظمة المصطنعة و الكيان الاصطناعي بنيان يشد بعضه بعضا لولا احدهم ما كان الثاني
لا يوجد اي نظام عربي يستطيع القيام بذاته حتى مصر اكبر الدول العربية لم تكن ذات شأن الا بوحدتها مع سوريا و سيطرتها على الحجاز
حكام مزروعين من الصهاينه . لذلك لآ يتحدثون عن فلسطين وشعبها المكلوم مجرد حديث لآ .. ما يهمهم السلطة وجمع الأموال وتهريبها لسويسرآ وغيرها .
تحية للسيد الكاتب وللجميع
اعتقد ان الامر فيه سوء فهم لان الكراسي بالاساس من صنع بريطانيا وفرنسا وتحولت ملكيتها الى امريكا فكل تلك الممالك والمشايخ من صنع الاسياد بالاضافة الى كراسي الجمهوريات ومن يجلس على الكرسي يعرف ذلك جيدا ومن يريد ان يحيد او يتمرد كما فعل صدام والقذافي فمصيره معروف وهذا ما كان يعرفه او لايعرفه الرئيس عرفات او من اتى بعده
/كانت هذه التحولات تمهيداً لما يعرف بـ «صفقة القرن»، التي برز أول ملامحها في الاعتراف الأمريكي بضم القدس والجولان/..
بعد التحية والشكر للأخ إلياس على هذا المقال.. حقيقة أول ملامح ما يعرف بـ «صفقة القرن» هو الاعتراف الأمريكي العلني والصارخ بكون القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هذه /العاصمة/ بناء على هذا الاعتراف.. كل ما تبقى من ملامح عبارة عن مجرد اقتضاءات تجارية دبلوماسية وإدارية ميكانيكية تجر بعضها البعض أمام التعاون والتعاضد بين أمريكا وربيبتها إسرائيل من جهة.. وأمام التواطؤ والتخاذل من طرف أنظمة الاستبداد المصطنَعة التي فُرضت على كواهل الشعوب العربية رغم أنوفها من جهة أخرى.. !!