إنه الحلم اللذيذ لعدد من جماعات الجهاد العالمي في سيناء، وهو انقضاض سيارات ودراجات نارية على حدود اسرائيل، مع اطلاق نار رشاشات ثقيلة وقذائف آر.بي.جي وصواريخ مضادة للدبابات، واختراق الأسلاك الشائكة وتنفيذ مذبحة جماعية. وقد يظهر في هامش هذا الحلم عملية صرف انتباه باطلاق قذائف مائلة المسار من غزة أو اطلاق نار من سيناء على بلدة اسرائيلية. إن الجهة التي حطمت في يوم الجمعة هذا الحلم اللذيذ سواء أكانت اسرائيلية أو مصرية وخلفت اربع جثث أو خمسا على ارض سيناء، أنقذت علاقات اسرائيل بمصر، وأنقذت الهدوء الهش على حدود سيناء، وأنقذت حياة اسرائيليين ومصريين كثيرين، وأنقذت الغزيين في الأساس من انتقام اسرائيلي. في السنة الماضية، في ايام نهاية رمضان نفسها اخترقت خلية من الجهاد العالمي الحدود بين اسرائيل ومصر، بعد ان ذبحت 16 شرطيا مصريا اثناء تناول وجبة الافطار. ودخلت مركبة مصرية مدرعة سُرقت من الجدار الحدودي انطلقت مسرعة نحو كيرم شالوم بغرض تنفيذ مذبحة جماعية اخرى. وقد قضى الجيش الاسرائيلي على المخربين بعد مطاردة طويلة داخل ارض اسرائيل. وكان من المتوقع ان يحاول الجهاد العالمي أن يكرر ذلك الانجاز في هذه السنة ايضا. وقد عرف المصريون، ويجوز لنا ان نفرض ان جهات استخبارية اخرى قد عرفت ايضا، بالاعداد لعملية من هذا النوع منذ زمن طويل. وقد زاد منذ سقوط نظام مرسي في واقع الامر عدد الانذارات بعمليات موجهة على اسرائيل من داخل سيناء اربعة أضعاف. وفكر بعض الخلايا في سيناريوهات طموحة، كاسقاط طائرة ركاب واطلاق قذائف على مدينة ايلات. وليس بعيدا ان تكون لأخريات خطط أضخم. ولهذا رفعت في آخر اسبوع من رمضان درجة الانذار في اسرائيل ازاء جميع الجبهات حتى في الضفة. لزعيم القاعدة أيمن الظواهري صلة قريبة وكثيفة بأنصاره الثلاثة آلاف الموجودين في سيناء، فهو يراهم الذراع التي ستنشئ حينما يحين الوقت الامارة الاسلامية في شبه الجزيرة. وتوجيهاته الى أنصاره هي ان يهاجموا بلا توقف الجيش المصري لابعاده عن سيناء. وتظهر اسرائيل ايضا في قائمة الأهداف وليس ذلك في أسفلها. ويرأس أخوه محمد الظواهري الجناح المصري من الجهاد العالمي، بحيث ان الحديث هو عن نشاط داخل العائلة. يجوز لنا ان نفرض ان الانذارات أصبحت في المدة الاخيرة أكثر سخونة، بحيث إنه حينما نضجت العملية كانت قد أصبحت ‘قنبلة متكتكة’ يجب إبطال عملها فورا، ولا يهم من يقوم بذلك: مصر أم اسرائيل. وإن من يصد العملية في هذه المرحلة ينقذ الجانبين من ازمة عويصة. إن زعم ان خلية الجهاد العالمي التي قُضي عليها من الجو أرادت ان تنفذ اطلاق قذائف صاروخية على اسرائيل غير داحض، لأن العملية الكبيرة في السنة الماضية ايضا كانت تصاحبها عملية صرف انتباه على صورة اطلاق قذائف مائلة المسار من قطاع غزة على اسرائيل. في فترة الرئيس مرسي خاصة توثق التعاون العسكري بين اسرائيل ومصر بشأن سيناء. إن قتل الـ 16 شرطيا مصريا في السنة الماضية جعل الدولتين ترتبطان بمصلحة مشتركة، وتم تحت الرادار العالمي في المستويين الاستخباري والعسكري على الارض حوار اشتمل على زيارات وتبادل معلومات. بيد أن التعاون الذي ازداد قوة مع قادة اجهزة الامن في القاهرة لم يحل لاسرائيل المعضلة التي كانت تصاحبها منذ بضع سنوات، وهي ماذا تفعل بمعلومة عن عملية ارهابية منظمة موجهة على اسرائيل توشك ان تخرج من سيناء. وتزداد المعضلة حدة حينما يكون الحديث عن قنبلة متكتكة، أي ان العملية أصبحت في الطريق ولا وقت للحوار مع المصريين. كان جواب المعضلة الوحيد، الى الآونة الاخيرة، هو التعاون مع المصريين بنقل معلومات اليهم ويعالجون هم الامور. وفي فترة مرسي نقلت اسرائيل الى مصر رسائل أكثر من مرة بواسطة مبعوثيها الدائمين الى الاذرع الامنية المصرية، رئيس شعبة التخطيط اللواء نمرود إيشل ورئيس القسم السياسي الامني اللواء (احتياط) عاموس جلعاد أنه ستكون حالات لن يكون لها مفر سوى ان تواجه قنبلة متكتكة بقواها الذاتية، بتنسيق مع المصريين بالطبع. ونقول بالمناسبة إن اسرائيل لا يجب عليها ان تخترق الحدود المصرية كي تضرب في داخل سيناء من الجو. وتستمر بعد مرسي ايضا العلاقات تحت الارض بالجيش المصري، لكن كل علامة معلنة صغيرة على تعاون مع اسرائيل في هذا الوقت خاصة أصبحت أكثر اشكالية، لأن آخر شيء يحتاج اليه النظام المصري الحالي اليوم هو مس اسرائيلي بالسيادة المصرية. إن نظام جنرالات السيسي يواجه شارعا منقسما لا يوحده سوى شيء واحد وهو كراهية اسرائيل. والكرامة القومية هي كل ما بقي للمجتمع المصري الذي فقد أملاكه السياسية والاقتصادية. فحينما تنشر وكالة أنباء فلسطينية ان اسرائيل هاجمت في سيناء فانها تريد ان تُهيج الشارع المصري على الفريق أول السيسي. إن مصدر هذه الأنباء أناس حماس الذين يحاولون الإساءة لسمعة السيسي في الوقت الذي يزحفون فيه عائدين الى طهران. أعلن الجيش المصري بصورة رسمية أنه أحبط العملية في سيناء ونحن نشكره.