نواكشوط ـ «القدس العربي»: سلوك ينتشر في مجتمعات اليوم كالنار في الهشيم: إنه الكراهية وخطابها المقيت الذي يشكّل خطرًا كبيرا وبخاصة حين يسعى صاحبه إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات مهمشة.
وقد يشعر من يعاني من «خطاب الكراهية» بأن كرامته مهانة باستمرار، مما يلحق نوعًا من الأذى النفسي به ويساهم في تعزيز نطاق تهميش الفريق المستهدف اجتماعيًا، وسياسيًا، وثقافيًا واقتصاديًا.
ويمكن أن يأتي «خطاب الكراهية» بأشكال مختلفة منها التعليقات الناتجة عن الجهل والمزاح المسيء ووصولاً إلى الدعوات الصريحة إلى التمييز ضد مجموعة معينة وفي أسوأ الأحوال الدعوة إلى القتل الجماعي.
ويشير القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكلٍ خاص إلى أنماط من «خطابات الكراهية» الحادة التي يجب على الحكومات منعها، مثل الكراهية التمييزية بطريقة تحرّض الناس على ارتكاب الأذية بحق مجموعة مستهدفة، لمجرد انتمائها لهوية معينة.
وتشهد موريتانيا ذات المجموعات العرقية المتعددة هذه الأيام جدلا ساخنا حول الكراهية، حيث تشتكي مجموعات هشة من تعرضها للكره، كما جرى على نطاق واسع تداول تسجيلات صوتية لأشخاص تتضمن كراهية وكرها لمجموعات أخرى.
ولوحظ في الآونة الأخيرة تنامي النعرات والأفكار والدعايات غير العقلانية المشحونة بالعداء والمقت والاحتقار والتي تحرض على الكراهية بين فئات الشعب الموريتاني.
وذهب باحثون اجتماعيون وسياسيون إلى أن هذا التطور الخطير أظهر ضرورة تطبيق قانون تجريم التمييز العنصري وخطاب الكراهية، بشكل يردع كل من يحاول إثارة الفتن، لأن الكلمة قد تقتل، كما فعلت في رواندا، عندما أدى خطاب الكراهية، الذي تبنته بعض وسائل الإعلام، إلى إشعال الحرب الأهلية التي أدت إلى إبادة قومية التُّوتْسي.
ويقول الدكتور موسى أبنو وهو فيلسوف وروائي بارز «إن كثيرا من دول العالم، قامت بالفصل بين حرية الرأي والتعبير وخطاب الكراهية؛ فبقدر ما يجب ضمان الأولى، بقدر ما تجب محاربة الثاني، من أجل حماية حقوق الناس والأمن القومي».
وقال «أصبحت الإنترنت مرتعا لخطاب الكراهية، لأسباب ليس أقلها قدرة الشبكة على نشر هذا الخطاب من دون ذكر اسم الناشر، أو تحت اسم مستعار، ما يجعل قوانين مكافحة الكراهية تكتسي أهمية في المجتمعات الحديثة متعددة الثقافات؛ ذلك أن الإنترنت كثيرا تطور في السنوات الخمس الماضية، وبات يصل إلى جميع الطبقات الاجتماعية، كما أن تضاعف نشاط المدونين الذين صاروا يعرضون الغسيل الاجتماعي، القذر في هذه المساحة الكبيرة والمفتوحة الجديدة، الفضاء الإلكتروني الذي أنشأته شبكات التواصل الاجتماعي».
وتابع الدكتور موسى يقول «ساهم غياب المهنية والأخلاقيات في وسائل الإعلام الوطنية في انتشار خطاب الكراهية، وخلق منطقة رمادية بين السياسيين والإعلاميين والسوشيال ميديا، وطالما أنه لا يمكن وقف طموحات السياسيين أو تقليل تطلعاتهم، أو منع المتطرفين من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التصدي لهذه المنطقة الرمادية، التي تلعب دورا أساسيا في نشر خطاب الكراهية، يعتمد بشكل كبير على الصحافيين وقدرتهم على تطوير مهنيتهم واستقلاليتهم ومسؤوليتهم الاجتماعية».
وحول التدابير اللازمة لمكافحة خطاب الكراهية بشكل فعال، اقترح الدكتور موسى أبنو عدة وسائل بينها إدخال «التربية الإعلامية» في نظام التعليم الوطني، وتدريبً نوعي يرفع من المستوى المهني للصحافيين، وضع مدونة عامة للأخلاقيات والقواعد المهنية لإنتاج المادة الإعلامية لأن أحد مصادر التحريض على خطاب الكراهية هو السباق المحموم بين صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة والصحافة المهنية والسوشيال ميديا من جهة أخرى.
واقترح ولد أبنو كذلك «إنشاء مرصد وطني يتتبع ويراقب الدعاية التي تحرض على الكراهية في وسائل الإعلام المهنية ووسائل التواصل الاجتماعي».
ويجرم القانون الموريتاني تشجيع الخطاب الديني المضاد لمذهب الرسمي للجمهورية، والتحريض على التمييز والكراهية والعنف ضد شخص، أو مجموعة أشخاص بسبب الأصل أو الإثنية أو العرق؛ عبر الألفاظ أو الكتابات أو الصور ذات الطابع العنصري.