كانت الشابة دنيز بويراز وحدها في مقر حزب الشعوب الديمقراطي في إزمير، تتناول فطورها المتقشف المكون من بضع حبات زيتون وثمرة بندورة وخبز، حين اقتحم المكان رجل مسلح وأطلق عليها النار. كانت بويراز هناك بالمصادفة، بدلاً من أمها التي تعمل في مقر الحزب الكردي في أعمال التنظيف. وعكة صحية ألمت بالأم فجاءت ابنتها بدلاً منها للقيام بعملها.
كان من المفترض أن يعقد اجتماع في ذلك التوقيت يضم نحو 40 شخصاً من الأطر المحلية للحزب، ولكن تم تأجيل موعد الاجتماع لسبب ما، فكان المقر فارغاً إلا من بويراز.
لم يكتف القاتل أونور غنجر بقتلها، بل أطلق مزيداً من الرصاصات على أماكن متفرقة من جسدها، ورفسها بقدمه، كما اتضح من فحص الجثة لاحقاً، وحطم ما وقع في طريقه من الأشياء وحاول إضرام النار في المكاتب. سيقول في الاستجواب الأمني إنه «برّد نار حقده» في اتساق مع الطريقة التي تعامل بها مع جثة الضحية والمكان.
استمرت عملية غنجر وقتاً طويلاً بمعايير الجرائم المماثلة، فقد كان يتحرك بارتياح وبلا أي قلق من احتمال اقتحام قوات الأمن بهدف إلقاء القبض عليه. هذا لم يحدث على أي حال، بل هبط درجات المبنى بلا عجلة وسلم نفسه لعناصر الشرطة الذين كانوا قد تجمعوا أمام المبنى ولم يقتحموه، بعدما جاؤوا بعد اتصال عدد من الأشخاص من المباني المجاورة مبلغين الشرطة بسماعهم أصوات إطلاق النار.
برر القاتل جريمته، أثناء استجوابه، بحقده على الحزب الكردي بسبب حادثة جرت معه قبل سنوات حين كان يعمل ممرضاً في أحد المراكز الصحية. أراد مرةً أن يأخذ بعض العقاقير بلا وصفة طبية، فقامت زميلتان تعملان معه في المكان نفسه بتقديم شكوى بحقه إلى إدارة المركز، فطرد من عمله. صادف أن الفتاتين كرديتان! فتوعد غنجر بالثأر لنفسه، ولم يحظ بفرصة لهذا الثأر إلا بعد سنوات! أكد القاتل أثناء استجوابه مراراً وتكراراً أن دوافعه فردية، ولا علاقة لأي جهة بما فعل.
وصل القاتل إلى العنوان بسيارة أجرة عادية، يحمل في يده صندوقاً حمل فيه بندقية آلية، ودخل إلى المبنى الذي يضم في أحد طوابقه مكاتب الحزب. كانت نيته قتل كل من يجده في المقر، أي نحو أربعين شخصاً من الكوادر المحلية، أثناء الاجتماع المقرر سابقاً وتم تأجيله في اليوم نفسه إلى موعد لاحق.
سرعان ما انتشرت صور للقاتل تم الحصول عليها من حساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، مرتدياً بذة عسكرية مموهة حاملاً بندقية آلية… في سوريا! اتضح من العودة إلى سيرته الذاتية أنه كان يعمل في مجال الصحة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي داخل الأراضي السورية.
الكرد الذين بنوا قضيتهم السياسية على المظلومية الواقعة عليهم، تاريخياً وراهناً بصورة مستمرة، مارسوا الظلم حين وحيثما تمكنوا وامتلكوا السلاح والقدرة على الأذى
استمر احتجاز غنجر في قسم الشرطة يوماً واحداً فقط أحيل بعده موقوفاً إلى أحد السجون. في حين أن التحقيقات تستمر أياماً قبل صدور قرار التوقيف في حالات كثيرة لا ترتقي إلى مستوى جريمة قتل. أحد عناصر الشرطة الذين استسلم لهم غنجر، بعد ارتكاب جريمته، خاطبه بكل لطف قائلاً: «ما اسمك يا أخي؟» قبل اقتياده إلى سيارة الشرطة. هذا ما سجلته كاميرات المراقبة المنتشرة في المكان. التفاصيل الصادمة في هذه الجريمة من الكثرة بحيث لا يمكن إيرادها جميعاً في المساحة المتاحة هنا. لنختم بما قاله القاتل أثناء الاستجواب: «لقد برّدتُ ناري. عليكم أن تطلقوا سراحي!». الرجل لا يعتبر ما قام به جريمة تستوجب العقاب! هذا فظيع بما يكفي. يذكر أن الجريمة وقعت في الوقت الذي يستعد فيه القضاء التركي لإصدار قرار بحل حزب الشعوب الديمقراطي وحرمان 600 من كوادره من ممارسة النشاط السياسي لخمس سنوات.
القصة الكردية الثانية من سوريا. في الثامن والعشرين من شهر أيار الماضي جاء مسلحون تابعون للإدارة الذاتية الكردية إلى بيت الشاب أمين عيسى في الحسكة واقتادوه «إلى جهة مجهولة» كما يقال. حاول ذووه الوصول إليه بشتى الوسائل، وحين فشلوا في مسعاهم طلبوا من مسؤولي الإدارة الذاتية إيصال دواء له، لأن أمين يعاني مرضاً في الغدة الدرقية ولا بد له من تناول دوائه بانتظام. لكن أولئك المسؤولين رفضوا إيصال الدواء، رفضهم لإطلاق سراحه.
بعد انقضاء شهر على احتجاز حرية أمين عيسى اتصلت جماعة الإدارة الذاتية بذويه طالبة منهم استلام جثته من المشفى. وقد برروا وفاته بإصابته بجلطة دماغية! نشرت عائلة الضحية بياناً أعلنت فيه أن جثة فقيدهم كانت عليها آثار تعذيب واضحة، منها كسر في الفك وحرق للجلد في بعض مناطق الجسم. لكن جماعة «مجلس سوريا الديمقراطية» أصدروا بياناً مضاداً رفضوا فيه الاعتراف بتعرض أمين للتعذيب، وكذبوا الأخبار التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص. لنفترض جدلاً أن الرجل مات فعلاً بجلطة دماغية، ولم يتعرض لأي تعذيب. يبقى هناك سؤال معلق في الفراغ: لماذا تم احتجازه أصلاً؟ يقول جماعة الإدارة الذاتية إنه كان متهماً بتقديم الرشوة! حقاً هذا إعجاز في تبرير الجريمة يعجز أمامه المرء عن الكلام! بسبب رشوة، على فرض صحة الاتهام، قتلتم رجلاً.. ترى ماذا كنتم فعلتم به لو أنه شتم عبد الله أوجالان؟
هذا السؤال الاستنكاري ليس جزافاً. فقد عرف عن عناصر حزب العمال الكردستاني، عند بدايات وجودهم في سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، أنهم كانوا ينكلون بكل من يتفوه بكلمة سوء بحق أوجالان أو الحزب، في المناطق الكردية في سوريا، فيقطعون ألسنة البعض أو آذانهم قبل أن يقتلوهم ويدفنوا جثثهم في أماكن مجهولة.
الكرد الذين بنوا قضيتهم السياسية على المظلومية الواقعة عليهم، تاريخياً وراهناً بصورة مستمرة، مارسوا الظلم حين وحيثما تمكنوا وامتلكوا السلاح والقدرة على الأذى. وهم ليسوا استثناءً في ذلك على أي حال. كل المظلومين يتحولون إلى ظالمين حين يتمكنون. كأنه قانون عام للاجتماع البشري. هذا ليس للتبرير، بل تعبيراً عن شعور قاهر بالإحباط.
كاتب سوري
يا أخي الفرق واضح بين ان يقوم مجرم ومعتوه بمثل هذه الجريمة التي راحت ضحيتها شابة تسعى وراء رزقها مع الاسف … وقيام افراد يمثلون سلطة قائمة باعتقال ثم تعذيب تبعه اغتيال ناشط مدني سلمي … جريمة في الحالتين ولكن هناك فرق ولايمكن الربط بينهما من خلال التعميم بهذا الشكل … كان الله في عون أهليهم على هذا المصاب .
تعليقك استفزني الى درجة انني اضطررت للرد رغم انني قررت عدم التعليق على هذه الصفحات المصيبة انك لم تفهم ما كان يقصد هذا المجرم عندما قال انه كان يريد أدوية بدون وصفة طبية من مركز يعمل فيه الحقيقة انه كان يريد سرقة العقاقير كما تعود السوريين في زمن النظام العلوي المجرم قبل الثورة وأثنائها وربما بعدها لانهم تعودوا على ذالك وربما اصبح طبعاً من طباعهم او لنقل سوف يتوارثونه للأجيال القادمة ولكن الفتاتين الكرديتين امتنعتا عن ذالك وأخبرن عن السرقة ولهذا يستحق هذا المجرم عقوبة الإعدام انا مافعله حزب اوجلان فهو معروف عنهم ليس فقط ضد العرب بل ضد الكرد السوريين واكبر دليل على اجرامهم هو اغتيالهم لمشعل تمو وكل شرفاء الكرد الوطنيين الذين وقفوا الى جانب الثورة وهذا يعارض حزب اوجلان الذي دعمه المجرم العلوي حافظ ورعاه لان اغلب عناصره ينتمون الى الطائفة الكردية العلوية
تماما أخي عبد الله السوري، جماعة أوجلان هم أنصار النظام ومتعاونين معه ومنذ البداية كانوا ضد الثورة بدليل اغتيالهم مشعل تمو رحمه الله، وماذلت أذكر كيف خيم علينا الصمت في أحد تجمعاتنا للتطاهر في برلين يوم اغتياله ولم نكن في البداية نعرف من قام بهذه الجريمة.
شكراً للمقال المعتدل!
ولا حول ولا قوة الا بالله
اعجبتني المقالة لحرصها على الصدق.
لا ننسى مشاركة الاكراد الاتراك العثمانيين بالمذابح المسيحية منهم الارمن 900,000 والسريان 600,000 ما سميت بمذابح سيفو منطقة جنوب شرق تركيا الحالية 1915 وغيرها. عليهم الاعتذار للمسيحيين كما يطالب المجتمع الدولي تركيا ان تفعل.