تصريح وزير خارجية بريطانيا الأخير، ويليام هيغ:’كلما طال النزاع السوري، ازداد تطرفا’، وصف دقيق لمستقبل النزاع السوري الدموي، سورية الحبيبة أصبحت اليوم أشبه بأوحال المستنقع، حيث كل يصول فيها على حسب هواه، والكل يدعي وصلا بسورية، وسورية لا تقر لهم بذاك، أظن أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، عودنا إلى أكثر من هذا رزانة، فإنه لم يقل حماقة في عمره مثلما ما قال:’من أراد أن يؤيد المعارضة فليذهب لسورية للقتال، ومن أراد أن يؤيد النظام فليذهب إلى سورية لتأييده’، هل هو التطرف والتطرف المضاد؟ أم هي على شاكلة:’أخلطها تصفو’ ؟ أم هي الطريق المسدودة، والنداء الإستغاثي للمجتمع الدولي لخطورة الموقف؟ يرى طرف أن معركة القصير هي المعركة العظمى لحماية المقاومة، وأنها أهم من المعركة مع العدو الإسرائيلي، لأنها معركة وجود بالنسبة للمقاومة وشعبها، كما يقولون، وأنه لو تركت جبهة النصرة ‘التكفيرية’ (كما يقولون) تسيطر على تلك المنطقة، فإن الخطر لن يحدق على المقاومة فقط، وإنما على لبنان بأكمله، ونظامه السياسي، بينما يرى الطرف الآخر أنها المعركة الضرورية لحسم معركة دمشق، وقطع أوصال النظام السوري نصفين، والطريقة المثلى لإيقاف المساندة العسكرية لحزب الله للنظام السوري، والوسيلة الرئيسية للإسراع في إسقاط نظام بشار الأسد. وفي حلقة مفرغة، ومزايدات لا نهاية لها، تشتعل نيران الحرب بكل ضراوة، محولة الحرب الأهلية التي تشهدها سورية منذ أكثر من سنتين بين الجيش السوري النظامي، وبين الجيش السوري الحر، إلى حرب إقليمية طائفية إيديولوجية بين السنة والشيعة، أو بين معسكر الممانعة، ومعسكر المجتمع الدولي. مدينة القصير، التي يقال انها سميت كذلك لأنها كانت مرتعا للغزلان، تشاء الأقدار أن تتحول هــــذه الأيام، إلى مرتع للمحاربين من كل صوب، وفي سبيل كل القضايا والأغراض، مدينة القصير وريفها أصبحت المعركة العظمى بين النظام السوري وحلفائه من حزب الله وإيران، وبين المعارضة السورية ومن وراءهم من قوى إقليمية، وجماعات نافذة، وتيارات إيديولوجية، وكأنها المعركة الفاصلة الأخيرة، التي ستحدد المنتصر في هذا النزاع الدموي المجنون. صرنا نشهد على الساحة السورية تنافسا على التطرف، وسباقا جنونيا على البشاعة، والقتل والدمار، ولكن كيف ما كانت مآل الأمور بمعركة القصير، سواء لصالح النظام، أو لصالح المعارضة، فلن ينتصر أحد في حقيقة الأمر، بل سيتأجج الصراع في مناطق أخرى وتتسع نطاق المواجهات المسلحة، ليشمل لبنان، والعراق، وربما تركيا والأردن، قد ينتقل من الحروب الإقليمية المحدودة إلى الحروب الإقليمية الشاملة، لنشهد مواجهات مباشرة بين العرابين المحليين لهؤلاء ولأولئك. إذا لم ينتبه المجتمع الدولي لخطورة الموقف، والجدية في البحث عن حل سياسي للمأزق السوري، قد نشهد سجالا عالميا، فإن السجالات العالمية السابقة وقعت بأقل من الظروف السياسية الحالية بكثير. تبقى القصير تعاني، ويبقى الشعب السوري يعاني، وتبقى شعوب المنطقة متوجسة، من مستقبل قاتم في الأفق، فلا بد أن لا ينسى المتحاربون أن بعد القصير، سيكون ما بعد القصير وما بعد بعد القصير كما يقولون. عبد الكريم رضا بن يخلف [email protected]