بيروت- “القدس العربي “: عاد التوتر إلى حاله بين قرية لاسا إحدى البلدات الشيعية في أعالي منطقة كسروان وجبيل وبين مزارعين مسيحيين رغبوا في استثمار أراض تابعة لمطرانية جونية المارونية وضعتها بتصرّفهم في إطار مشروع تعاوني خيري لمساعدتهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها البلد.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتهديد والوعيد من الطرفين بعد الاعتداء الذي تعرّض له بعض أبناء جونية في لاسا.وقد تداعى راعي أبرشية جونية وضواحيها المطران نبيل العنداري وعضو ” تكتل الجمهورية القوية ” النائب شوقي الدكاش الى عقد مؤتمر صحافي في دار المطرانية حيث أكد العنداري ملكية الكنيسة المارونية للأراضي في البلدة موضحاً أنه “في الفترة الأخيرة، وبسبب الضائقة الاقتصادية والمالية التي يعانيها البلد والبطالة والفقر والعوز الذي يتزايد يوماً بعد يوم، وتماشياً مع تحسّس الكنيسة بأوضاع أبنائها، أضافت مبادرة إلى مبادراتها السابقة في أرجاء الأبرشية، ومن ضمنها بلدة لاسا، ووضعت بتصرفهم بعض العقارات هناك ليستثمروها لهذا الموسم الزراعي بطريقة مجانية. وأقامت تعاوناً مع شركة جرجي الدكاش وأولاده وجمعية أرضنا لاستثمار الأرض المستأجرة منا والمزروعة منذ عشرين سنة، والممسوحة مسحاً نهائياً. فقوبلت هذه المبادرة بالتحريض والنعوت والمنع في المرة الأولى، وبالاعتداء في المرة الثانية”.
وقال: “لا يا سادة، نحن حريصون على السلم الأهلي والعيش المشترك. نحن أهل هذه الأرض ولسنا غزاة كما تقولون. لا تزوّروا التاريخ ولا تحرّفوا الروايات والأخبار على مشتهاكم بحجة الاستقواء. لا تحرجونا فتخرجونا. فخيارنا معروف. نحن سلالة من نحتوا الصخور و استصلحوا الأراضي لاتقاء الجوع والحفاظ على الكيان. لا تلعبوا بالأمن والاستقرار”.
وأضاف “لنا تاريخ مشترك في التعاون مع اخواننا أهالي بلدة لاسا في الإيجارات وزراعة الأرض حتى يومنا. ولكن هناك فئة، لغايات في نفس يعقوب، تصطاد في الماء العكر وتستغل المناسبات، من حين إلى آخر، للتعدي على أملاك المطرانية بطرق ملتوية: من بناء منازل، واستصلاح غير مشروع لبعض العقارات، من دون إذن تارة، وبحجة علم وخبر مزور تارة أخرى. ودأبت من حين إلى آخر على ممارسة الضغوطات والترهيب والتهجم على مستثمريها، دون احترام للحقوق المكتسبة، وللقوانين والعيش المشترك والحفاظ على السلم الأهلي. وقد أصبحت هذه الفئة معروفة منا ومن أهالي البلدة والمراجع المختصة. وكنا في كل مرة نواجه هذه الأمور بالتعقل واللجوء إلى القضاء والقانون للفصل بين الحق والباطل، ولا نبادل الاستفزاز بمثله. ولعلّهم اعتبروا مواقفنا تخاذلاً وضعفاً”.
وأكد ” أن الأمور بلغت إلى حد مأزوم لا يمكن السكوت عنه، وبخاصة بعد الاتصالات بالمرجعيات الرسمية والدينية والحزبية المحلية والمناطقية الذين يتنصلون من مسؤولية إنهاء الأوضاع المستجدة والمسح النهائي، وتحتاج المراجع القضائية والأمنية إلى التدخل السريع وعدم التهرب من المسؤولية تحت أي حجة واهية، لئلا تتفاقم الأمور. فالتعدي على الأرزاق والكرامات أمر غير مقبول بعد اليوم، وبنوع خاص حين نجد من يوتّر الأوضاع بطريقة غوغائية مع بعض الشبان وأصحاب الدراجات بألفاظ نابية وأساليب ترهيبية”.
وختم: “إننا، بالإضافة إلى الملاحقة القانونية، نناشد للمرة الأخيرة المرجعيات : المجلس الشيعي الأعلى، وكل المرجعيات والأحزاب والقيادات الأمنية على مختلف المستويات، ضبط التصرفات الشاذة والتعديات والاستمرار في صيانة السلم الأهلي والعيش المشترك. اللهم إني بلّغت. والسلام”.
من جهته، أوضح النائب دكاش أنه “وبسبب تفهّمنا لخصوصية لاسا، ومن منطلق حرصنا على أهلنا فيها، وعلى إرث طويل من العيش المشترك، اتفقنا ان نخصّص أبناء لاسا بعشرين في المئة من المشروع. بعد التوافق على آلية تنفيذ المشروع، تسرّبت فكرته بمحض صدفة. فضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتهديدات من بعض الأشخاص في لاسا. احتوينا الأمور وبادرت إلى الاتصال بزملاء نواب من حزب الله وحركة أمل ووضعتهم في صورة ما يجري، مؤكداً على خلفية المشروع الإنسانية والاجتماعية والخيرية. كما اتصلت بالعديد من الجهات الرسمية المحلية، وكذلك فعلت المطرانية مع جميع المعنيين من ابناء المنطقة ومن المسؤولين خارجها. وقد شجّعوا على المضي في المشروع”.
وقال: “توجه الناس يوم الأربعاء الماضي 13 أيار لاستلام المساحات التي سيزرعونها لنفاجأ ببعض الرعاع واصحاب الفتن يتهجّمون عليهم بالشتائم والتهديد والترهيب، وتوعّدوهم بالأذية والاعتداء المباشر، مؤكدين لهم أنهم سيكونون “كبش محرقة”. ولأننا أصحاب نوايا طيبة أخذنا الموضوع بصدرنا وعدنا إلى الاتصالات والمفاوضات بعيداً من الإعلام. وشهدت هذه المطرانية لقاء مع ممثلين محليين لأهل لاسا وموفدين من خارج المنطقة انتهت إلى توافق ودعاء مشترك بعد شبك الأيدي”.
أضاف: “لكن، مع الأسف الشديد، تفاجأنا مجدداً بالأمس بالاعتداء على الناس الذين توجّهوا لمباشرة العمل بالارض. فانتشر اطفال يحملون السكاكين وشبان مسلحون بالعصي والحجارة انهالوا بها على الناس وسياراتهم مهددين ومتوعدين. لذا، ومن هذه الأبرشية ، اؤكد أن لنا في لاسا أهلاً وأصدقاء وأحبة. نعيش معاً على الحلوة والمرة، نعمل معاً ونقف إلى جانب بعضنا البعض في الشدائد. ونحن متمسكون بالعيش المشترك تمسكنا ببناء دولة القانون والعدالة. ومن باب حرصنا على كل أبناء منطقتنا، لن نسمح لمجموعة موتورين ومستخفين بالإرث الذي تمثّله هذه المنطقة، بأن يشوّهوا صورتها. لن نسمح بالاعتداء على أهلنا فيها واغتصاب أرضنا وحقنا متجاوزين القانون. نحن طلاب سلام وليس استسلاماً للخطأ والباطل”.
وختم: “نحن أبناء ايمان لكننا لا نستجدي الأمان. فالأمان تضمنه الدولة والقانون وبهما نستنجد. فإلى القوى الأمنية المحلية وقياداتها العليا، إلى وزير الداخلية ووزيرة الدفاع، إلى رئيس مجلس الوزراء، إلى رئيس مجلس النواب، وإلى رئيس الجمهورية. أرضُنا ستُزرع. بالحق والقانون سُتزرع. وانني أحمّل كل من ذكرت المسؤولية الفعلية والمعنوية عن سلامة كل العاملين في الأرض، والأهم سلامة العيش المشترك والانحياز إلى الحق ومبدأ القانون وطي مهزلة الاستقواء على الدولة ومؤسساتها. للكنيسة رب يحميها ، وبطريرك وأساقفة يعرفون الحق والحق يحررنا جميعا. لكّن للكنيسة أيضا أبناء تأمرهم فيطيعون. والسلام على من اتبع الهدى”.
وظهراً توجّه وفد قواتي الى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ضمّ النائبين أنطوان حبشي وزياد حواط ، وتمّ التداول في موضوع لاسا ، مشددين على تطبيق القوانين، ومؤكدين ” أن الأرض تابعة للكنيسة المارونية ونحن نطالب بإعطاء كل ذي حق حقه، وليس المطلوب التجني على اهالي لاسا ولا على أراضي الكنيسة المارونية “.
ويأتي إشكال لاسا ليرفع منسوب التشنّج الطائفي بعد خطبة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان الذي نعى اتفاق الطائف وصيغة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح.