القاهرة ـ «القدس العربي»: منذ نهاية الأسبوع الماضي، ولا صوت يعلو فوق صوت المعارك الدينية، إذ لا حديث يسيطر على الأغلبية المسلمة سوى عن الإهانة التي وجهها القس المقيم في الخارج زكريا بطرس لنبي الإسلام مؤخرا، والتي أسفرت عن حالة من الغضب العارم في صفوف المواطنين، الذين وجهوا صراخهم للحكومة والمؤسسة الدينية متجسدة في الأزهر الشريف، مطالبين بإجراء يحول دون استمرار مسلسل الأكاذيب وتشويه رموز الإسلام، على يد القس الذي تشير الكنيسة، كما أوضحت صحف يومي السبت والأحد 13 و14 نوفمبر/تشرين الثاني بأنه أصبح لا يمثلها.
ومن جانبها خاضت الممثلة إلهام شاهين معركة دينية كذلك، بسبب عمل مسرحي يحمل عنوان “المومس الفاضلة” الذي اقترحته عليها الممثلة سميحة أيوب، التي قدمت العمل نفسه قبل ستة عقود، وواجهت إلهام المزيد من الغضب بعد أن دافعت عن مسرحيتها بقولها إن لفظ «المومس» موجود في كتب الدين وصحيح البخاري.
ومن أخبار القصر الرئاسي: تابع الرئيس السيسي، الموقف التنفيذي لمشروع المتحف المصري الكبير، ووجه بتطبيق أحدث تقنيات العرض المتحفي، على نحو يتواكب مع قيمته وأهميته كأكبر متاحف العالم، وواجهة للحضارة المصرية العريقة. ومن أخبار المؤسسة الدينية: قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن الأزهر تربطه علاقات قوية بألمانيا، التي كانت من أوائل المحطات التي حرص فضيلته على زيارتها خلال جولاته الخارجية، مؤكدا تقديره للدور الألماني في دعم القضايا العالمية والإنسانية، وفي مقدمتها استقبال اللاجئين؛ هذا الموقف المشرف الذي كان شاهدا على تحضر هذا البلد ومروءته. وأضاف خلال استقباله السيد فرانك هارتمان السفير الألماني لدى القاهرة، أن الأزهر على استعداد كامل لتدريب الأئمة الألمان ضمن برنامج تدريب الأئمة والوعاظ في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة، وتزويدهم بالأدوات والمهارات اللازمة لتفنيد الأفكار المتطرفة. ومن التقارير المعنية بأزمة المياه: قال الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، إن الوزارة تبذل مجهودات متواصلة في إطار رؤية شاملة تستهدف توفير الاحتياجات المائية اللازمة للقطاعات كافة المستخدمة للمياه، كما ونوعا، بما ينعكس إيجابيا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوفير الخدمات للمنتفعين بأعلى درجة من العدالة والفاعلية.. أما بالنسبة لجدول أعمال المحاكم فشمل بين طياته.. حكم بالسجن المؤبد لعاطل لاتهامه بقتل شاب بعد أن ألقى عليه البنزين واشعل النار فيه لخلافات بينهما في منطقة باب الشعرية.
الروح المسيحية
في أول رد رسمي من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على تصريحات زكريا بطرس المسيئة للإسلام، قالت الكنيسة، إن صلتها بالقس المذكور انقطعت منذ أكثر من 18 عاما. وأن بطرس كان كاهنا في مصر وتم نقله بين عدة كنائس، وقدم تعليما لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية، لذلك تم وقفه لمدة، ثم اعتذر عنه وتم نقله لأستراليا ثم المملكة المتحدة؛ حيث علم تعليما غير أرثوذكسي أيضا، واجتهدت الكنيسة في كل هذه المراحل لتقويم فكره. وأن الكاهن السابق قدم طلبا لتسوية معاشه من العمل في الكهنوت وقَبِل الطلب البابا شنوده الثالث بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2003، ومنذ وقتها لم يعُد تابعا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو يمارس فيها أي عمل من قريب أو بعيد. وتابعت: «بعدها ذهب إلى الولايات المتحدة واستضاف البعض اجتماعاته في بيوت وفنادق، وحذرت إيبارشية لوس أنجلس شعبها من استضافته وقتها». وأردفت: «نحن من جهتنا نرفض أساليب الإساءة والتجريح لأنها لا تتوافق مع الروح المسيحية الحقة ونحن نحفظ محبتنا واحترامنا الكامل لكل إخوتنا المسلمين».
ندرة المخزون
عبر الدكتور وجدي زين الدين في “الوفد” عن مخاوفه من أزمة غذاء مقبلة متسائلا: هل أعدت وزارة التموين خطتها لمواجهة أزمة زيوت الطعام؟ حتى كتابة هذه السطور لا أعرف ماذا فعلت الحكومة في هذا الشأن؟ إضافة إلى أن الدولة تعتمد على الزيت التمويني من شركات القطاع الخاص، التي تقوم بالتعبئة فقط لا غير.. والمعروف أن إنتاج مصر من الزيت ضئيل جدا، وهي كميات منتجة في المعاصر البلدية من بذرة القطن، وغالبا ما تقع هذه المعاصر في محافظتي القليوبية والشرقية، وإنتاجها قليل جدا ولا يعتمد عليه. الأزمة الحقيقية أن معظم الزيوت في مصر مستوردة من الخارج خاصة من «كوالالمبور»، وكل ما يتم الاعتماد عليه الآن من الخزانات المملوكة للقطاع الخاص، وباتت هي الأخرى على وشك الانتهاء، وأصحاب مصانع تعبئة الزيوت الذين يستوردون من الخارج يعانون أشد المعاناة. إذن المشكلة معقدة، بل مركبة، الدولة تشتري الزيوت من رجال الأعمال، وهم يعانون من الأزمة التي بدأت تتفاقم في الزيوت. المشكلة المرعبة التي تهدد الأسواق الآن، هي قرب نفاد المخزون لدى الشركات الخاصة، وبالتالى يتم تصدير كارثة للسوق وهى عدم وجود زيت الطعام. سأل الكاتب: ماذا فعلت الحكومة تجاه هذه الكارثة التي ستكون بمثابة كارثة كبرى على الناس، يجب على الوزير أن يعلن عن الإجراءات التي تتخذها الوزارة قبل نفاد كميات الزيت لدى الشركات الخاصة؟ نكرر لا بد من إيجاد حل سريع في مسألة استيراد الزيت حتى لا يكون هناك تهديد مباشر للمجتمع، خاصة أن الزيت أمر مهم لدى كل الأسر المصرية، ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا، والأمر لا يحتمل أبدا فهلوة أو إصدار تصريحات وردية على خلاف ما هو موجود وبالفعل على أرض الواقع.
زعيم شعبي
يرى رامي جلال في “المصري اليوم” أنه حينما تمس القضايا الجنائية شخصيات بشعبية اللاعب السابق محمد أبو تريكة، فمن الأفضل للدولة، ممثلة في أذرعها الإعلامية، أن تشرح للناس، وبأكبر قدر من الدقة، حيثيات قراراتها، كي تمنع كثرة الكلام والمحاولات الدائبة لتحليل الموقف دون معلومة، وهذا من منابع الشائعات. امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بنميمة تربط بين أبو تريكة والإخوان، منها ما يفيد بأنه اشترى مولدات كهربائية لاعتصام رابعة. ومنها فيديو قصير قديم من أحد البرامج يُعلن فيه عن تأييده مرشح ومشروع الإخوان، (لا ننسى أن 13 مليون مصري انتخبوا تنظيم الإخوان الإرهابي)، ومن المنطقي أن الاختيارات الانتخابية بشكل عام قد تعبر عن انحيازات وقتية وليس بالضرورة دعما أبديّا وانتماء كليّا، (وإن كنت شخصيا لا أشك في انتماء أبو تريكة الفكري إلى التنظيم، وليست لديّ معلومة عن انضمامه إليه تنظيميا). يجب عدم استخدام أبو تريكة حجة للمكايدة بين جماهير الأندية، أو لتصفية حسابات كروية أو انتخابية، لأن هذا يزيد من فتن يزرعها منذ فترة إعلام رياضي غير مؤهَّل، ويحتاج إلى تقويم حقيقي، قبل أن نشاهد كوارث تعيد إلينا الأجواء القاتمة لواقعة بورسعيد المأساوية. أبو تريكة يتعامل من مقاربة كونه زعيما شعبيا، بينما هو يفتقر أقل أساسيات المحتوى اللازم لإنتاج أي أفكار مثمرة، حتى مستواه في التحليل الكروى متواضع للغاية، بعكس أدائه في الملعب الذي كان مبهرا. والمتأمل لأبسط إشارات لغة جسده، مثل طريقة جلوسه، سيجد أننا أمام شخص يخاطبنا من فوق منصة عالية، ليقدم لنا دروسا في الحياة، مع أداء لا يخلو من مظهرية شديدة، ومبالغة في ردود الأفعال، وخلط الرياضة بأى شي، لتخرج لنا خلطة ادّعاء شديد خالٍ من أي محتوى مفيد. لكن كل ما سبق لا يمنع حق الناس في أمرين: أولهما معرفة الحقيقة بدقة كى لا نتوه وسط شائعات متبادلة، وثانيهما حق أبو تريكة في أن يفعل ما يريد وحقنا نحن في أن نحلل وننقد كما نشاء.
إلهام وعيسى والقرآن
من حق أي مواطن والكلام لعبد القادر شهيب في “فيتو” أن يرفض ما قاله الزميل إبراهيم عيسى حول قراءة الصيدلي القرآن الكريم داخل الصيدلية أثناء العمل، مثلما من حق الزميل ما قاله أيضا، ولكن أن يتحول الأمر إلى قضية تجتذب نقاشا هنا وهناك، ويثور حولها الكثير من اللغط والشطط الذي وصل بالبعض إلى حد تكفير الزميل إبراهيم عيسى، فهذا خطأ فادح وكبير. ومن حق أي مواطن أيضا، سواء كان نائبا في البرلمان أو لم يكن، أن يرفض تفكير الفنانة إلهام شاهين في إعادة تمثيل مسرحية “المومس الفاضلة” لسارتر التي سبق أن قدمتها الفنانة سميحة أيوب في الستينيات، مثلما هو من حق الفنانة أن تفكر في ذلك، ولكن أن يتحول الأمر إلى قضية تجتذب نقاشا داخل وخارج البرلمان، فهذا يضر ولا يفيد. فنحن هنا نوجه اهتمام الرأي العام إلى أمور أخرى غير الأمور التي تستحق أن يوجه اهتمامه بها.. أو بعبارة أدق نسهم في إلهائه وصرف انتباهه عن الأمور الأهم، وهي كثيرة، سواء كانت في الداخل أو الخارج المحيط بِنَا، التي يتداخل فيها الداخل والخارج مثل تحدي التضخم العالمي الذي صنعه ارتفاع أسعار النفط مع تداعيات جائحة كورونا، وطال اقتصادنا، وأدى إلى عودة الارتفاع في معدل التضخم الداخلي لدينا بعد فترة من الهبوط والسيطرة عليه. لا اعتراض على أن يختلف أحد مع إبراهيم عيسى، في ما قال وحتى يستهجنه، فإن حق التعبير مكفول للجميع في الدستور.. ولا اعتراض أيضا على أن يتحول تفكير إلهام شاهين في إعادة تقديم مسرحية قديمة إلى طلب إحاطة في البرلمان، لأن الأدوات الرقابية من الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات حق مكفول لكل نائب.. ولكنني أنبه فقط إلى أننا نحن سواء في الإعلام أو في وسائل التواصل الاجتماعي حينما نضخم من هذه الأمور، فإننا لا نفيد الرأي العام، ونلهيه عما هو أهم وأخطر من القضايا والأمور التي تخص حياتنا وأمننا القومي.. إنها نقطة نظام فقط مني على ما يحدث بيننا وبأيدينا.
أعداء الأخضر
جال الدكتور عبد المنعم سعيد في “المصري اليوم” بعقله وبصره في حي مصر الجديدة، وفي أحياء العجوزة والفسطاط ومصر القديمة وغيرها، مشددا على أن جزعا شديدا جرى التعبير عنه بأشكال شتى، يتعلق بالأشجار، مرة لأنها قديمة وعريقة، ومرة لأنه لا يليق بالعاصمة أن تكون جرداء من اللون الأخضر، ومرة ثالثة لأن إزالتها لا تحرم الناس من الظل والأوكسجين فقط، وإنما الذوق العام أيضا. وفي الأحيان يكون التخوف من اختفاء الشجر ناجما عن نظرة كلية للمنطقة التي يسود الظن أنها كانت على مرتبة من الذوق العام تناسب سكان باريس وروما. القوى المعادية كثيرا ما تنتهز الفرصة وتتحدث عن «مذبحة الأشجار»، وتطبق المثل المعروف «السكوت علامة الرضا»، وطالما أنه لا رئيس حيٍ ولا محافظ مدينة كبيرة يتدخل بتصريح يحدد فيه ما يحدث، وما بدأ فيه وما سوف ينتهي إليه؛ فإن الأمر يصبح كما لو كان بناة مصر جماعة تستيقظ كل صباح وتسأل نفسها عن كم وعدد ونوعية وأمكنة الأشجار، التي سوف يسري قطعها خلال اليوم. موضوع الأشجار يمثل نوعا من «الميكروكوزم» أو العالم الصغير لمعضلة الوعي التي طالما تحدث عنها الرئيس السيسي. فرغم التوافق الوطني الكبير على حقيقة أن أمرا عظيما يجري في مصر الآن، فإن تفصيل هذا الأمر لحظة اقتطاع شجرة يبدو كما لو كان كارثة عظمى.
تزييف الجريمة
أوضح الدكتور عبد المنعم سعيد، أن المسؤولين عند السؤال ينفون، أو يطرحون أن الشجر ينزع بطريقة فنية من جذوره استعدادا ليوم آخر يجري إعادة زرعه مرة أخرى؛ ولكن ذلك يقابل بحديث الناظرين أن القطع كان حادا ويضع نهاية للشجرة الغالية. الغائب هنا أن تغيير حياة الناس بمشروعات عظيمة أمر عظيم، ولكن الناس لا بد لهم من العلم، وربما إبداء الرأي بما سوف يأتي لهم من نِعم، وأحيانا ربما يمكن طلب المشاركة منهم بالمال أو بالرأي أو بالذوق أو الألوان، أو حتى حماية المشروع بعد اكتماله. إبداء الرأي لا يعني انصياعا لأحد، أو تأخيرا بسبب ما يأتي من اختلافات، وإنما هو أولا معرفة تعفي من الشكوك وابتعاد الثقة؛ وهو ثانيا تشجيع للناس على المساهمة في العمل العام؛ ولا بأس ثالثا من تعرف الجمهور على العاملين في الدولة. وهنا تحديدا يكون الوعي بالأولويات، وبالبيئة النفسية والعاطفية للجموع؛ والقيادة التي تقود وليس تلك التي تظل خافية. «فتنة الأشجار» ربما تثير ذعرا، ولكنها من ناحية أخرى تشير إلى مدى الاهتمام بالأمور العامة، وما يجري فيها من محاولات الحماية للذوق العام، والرغبة العارمة في المشاركة ليس في القضايا الكبرى والعظيمة التي تخص الوطن كله، وإنما في تلك القريبة من المواطن، التي تشكل عالمه ووعيه بما يجري في الوطن.
«إيكو» لأم سيف
نتحول نحو أزمات المواطنين مع مستشفيات الحكومة بصحبة صبري غنيم في “الأخبار”: محمد سيف.. مصري الجنسية يعمل مستشارا قانونيا في السعودية جاء لزيارة والدته المريضة، بعد أن تعرضت لكسر في الساق، فحملها في سيارة إسعاف وذهب بها إلى مستشفى الهرم، وبقيت الأم داخل السيارة ثلاث ساعات في انتظار قرار طبيب الاستقبال بقبولها، وبعد قبولها أجريت لها أشعة مقطعية، فاشتبه أطباء العظام في وجود كورونا عندها فتقرر دخولها قسم العزل. طلب استشاري العظام إجراء «إيكو» على القلب، اعتذر المستشفى لأن جهاز الإيكو عطلان من ستة أشهر، وكان من المفروض أن تقوم إدارة المستشفى بإخطار وزارة الصحة بإصلاحه، لكن من الواضح أن الإدارة أهملت الأمر، وأصبح المستشفى دون جهاز إيكو وأن معظم المرضى يتعاقدون مع شركات خارجية لإجراء الإيكو.. هل هذا معقول لمستشفى كبير مثل مستشفى الهرم، أن يخرج المرضى منه لإجراء الإيكو خارج المستشفى؟ شيء يؤسف له أن المستشفى فيه مجموعة من الأطباء الاستشاريين على مستوى عال من الكفاءة، لكن الإدارة زيرو عكس المستشفيات الأخرى، فمديرو المستشفيات الأخرى لا يتوقفون عن الوجود في المستشفى نهارا وليلا ليكونوا على مقربة من الحالات الحرجة.. هل يرضى الدكتور خالد عبد الغفار القائم بأعمال وزيرة الصحة أن يعمل مستشفى الهرم دون جهاز لعضلة القلب؟ إن على الإدارة التأكد من سلامة الأجهزة الطبية في المستشفى والاهتمام بقسم الاستقبال.. فقسم الاستقبال هو عنوان الخدمة المتميزة في المستشفى.. للأسف الحالات الحرجة يصعب استقبالها بسبب عدم وجود أسرَّة.
وحدها تعاني
لم تعد أمريكا كما كانت، لقد تخلي عنها الكثير من الأصدقاء، بل إنها الآن كما أوضح فاروق جويدة في “الأهرام” تواجه الكثير من الأعداء، تواجه قوى كثيرة غيرت كل الحسابات. الصين تتحدي أمريكا الآن قوة ونفوذا وتقدما في كل المجالات.. إنها قادرة على أن تدق أبواب العم سام في أي وقت تشاء، فهي الأغني والأكثر عددا. أما روسيا فقد خرج المارد الروسي بعد رحيل الاتحاد السوفييتي واستعاد قوته ونفوذه، وأعاد أسطورة الحرب الباردة إلى الساحة مرة أخرى.. روسيا الآن كيان جديد يختلف تماما عن كل ما كان عليه، اقتصاديا وعسكريا وقوة ونفوذا. أمريكا لم تعد الفارس الوحيد في السباق، وأمام ثورة التكنولوجيا، خاصة في إنتاج السلاح والتقدم العلمي أصبحت تواجه منافسة شرسة أمام الصين وروسيا. وفي هذا السياق تواجه أمريكا تحديات أمام إيران العدو المقبل، وتواجه أطماع تركيا وألغام كوريا الشمالية، وعليها أن تسدد فواتير إسرائيل ومغامراتها، وبقايا معاركها في أفغانستان والعراق والدول العربية.. أمريكا في السنوات الماضية تحملت أعباء رهيبة في معارك خاسرة، انسحبت من أفغانستان والعراق، وتوشك أن ترحل من دول الخليج.. وهي الآن تبحث عن أصدقاء ولكن الحصار ضاق حولها، ما بين الصين وروسيا وأطماع إيران وتركيا، ولهذا فهي تبحث عن أصدقاء قدامى.. ولكن أزمات العالم تحاصر الجميع الآن فقرا، أو ديونا، وأمام أزمة اقتصادية خانقة لا أحد يملك شيئا يقدمه للآخرين حتى أمريكا نفسها. أمريكا لم تعد قادرة على أن تتحمل فواتير الماضي بكل ما كان فيه من المغامرات والتحديات، لا تستطيع أن تدفع أعباء احتلال العراق وأفغانستان وحرب الخليج ومواجهة الصين وروسيا وإيران، والحرب الباردة التي تهدد العالم مرة أخري.. وقبل ذلك كله فإن الاقتصاد الأمريكي لن يكون قادرا على إنقاذ الاقتصاد العالمي إذا حلت الكارثة وجاء الطوفان. كل الظروف الآن تؤكد أن أمريكا لم تعد كما كانت وأن علي العالم أن يعيد تشكيل الشعوب والأوطان والقوى، وأن أمريكا لن تكون القوة الوحيدة الغاربة فقد غابت قوي كثيرة.. في يوم من الأيام كان العالم كل العالم يحج إلى واشنطن طالبا الرضا والصفح والغفران، والآن تستجدي أمريكا الأصدقاء من أي مكان.. «وتلك الأيام نداولها بين الناس».
رصيده نفد
هل تخلت الولايات المتحدة عن آبي أحمد؟ يرى عماد الدين حسين في “الشروق” أن المتابع للمواقف الأمريكية من نظام آبي أحمد قد يكتشف أن أمريكا لم تضغط على الرجل ضغطا حقيقيا في أي لحظة، حتى في عز أيام دونالد ترامب. نتذكر جميعا أن الإدارة الأمريكية السابقة استضافت مفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن بقيادة وزير الخزانة الأمريكي السابق مينوتش، وبمشاركة من رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، وأسفرت المفاوضات عن التوصل لاتفاق ثلاثي في فبراير/شباط 2019، لكن إثيوبيا هربت من التوقيع في اللحظة الأخيرة، في حين تحفظت السودان تحت حكم عمر البشير عن التوقيع. إثيوبيا وقتها ادعت أن أمريكا منحازة لمصر، ولو أن الاتهام صحيح، لكانت أمريكا قد ضغطت على إثيوبيا بصورة كبيرة عبر العديد من الأدوات التي تملكها واشنطن، لكن وباستثناء انتقادات لفظية فإن إدارة ترامب لم تفعل شيئا عمليا. بعدها وفي عز تعنت إثيوبيا في المفاوضات، خرج ترامب بتصريحه اللافت جدا للنظر في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، حينما قال إنه لن يستغرب إذا قامت مصر بتدمير سد النهضة، لأنها لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة مع السد. كثيرون احتاروا في تفسير مغزى هذا الكلام، وهل كان يقصد تأييده لقيام مصر بذلك؟ أم للضغط على إثيوبيا لتقبل باتفاق شامل؟ أم أنه كان يريد توريط مصر؟ ظن كثيرون أن مجيء إدارة جو بايدن الديمقراطية هو خبر سار لأحمد، والملاحظ أن الأخير تورط في الحرب على إقليم التيغراي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالتزامن مع إجراء الانتخابات الأمريكية، وبالتالي انشغال هذه الإدارة عنه، لكن من سوء حظه هو توالى التقارير الدولية عن انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان وانتشار المجاعة، وتزايد عدد اللاجئين في الإقليم.
غير مأسوف عليه
نبقى مع عماد الدين حسين، إذ يرى أن العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن لردع أديس أبابا، لم تكن عقوبات جادة، بل مجرد حظر سفر وتجميد أصول للأفراد والكيانات التي تطيل أمد الحرب وتمنع وصول المساعدات الإنسانية، وحتى هذه اللحظة فإن موقفها لا يزيد عن وقف إطلاق النار والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية، إضافة إلى حض المعارضة على عدم الزحف إلى أديس أبابا.. الولايات المتحدة بسبب تزايد الانتقادات الدولية الحقوقية على ما يجري من فظائع إنسانية في إقليم التيغراي، كررت تحذيراتها للحكومة الإثيوبية، لكن الأخيرة رفضت بعناد الاستماع إلى أي نصائح أمريكية أو غربية، وربما ذلك هو ما يجعل واشنطن تنظر إلى أحمد باعتباره صار جزءا من المشكلة وليس من الحل، كما كانت تأمل في بدايات صعوده للحكم. آبي أحمد ينظر إلى دعوة واشنطن لرعاياها مغادرة إثيوبيا على أنه موقف منحاز ويصب في مصلحة معارضيه، وهو ما فعلته أكثر من دولة منها، بريطانيا وحتى إسرائيل، لكن هو ينسى أن أمريكا تفعل الأمر نفسه في أي منطقة صراع مسلح، وبالتالي يبدو الأمر تطرفا من آبي أحمد. لكن ربما كان عليه أن يقلق كثيرا، لأن تسع جماعات سياسية وعسكرية إثيوبية أعلنت يوم الجمعة الماضي من واشنطن تكوين تحالف لإسقاطه. جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي للقرن الافريقي دعا أكثر من مرة الحكومة الإثيوبية وجبهة التيغراي إلى وقف القتال والبدء في مفاوضات سلمية فورية، للوصول إلى تسوية، باعتبار أن القتال لن يقود لأي حسم للصراع. لكنه ظن في البداية أنه قادر على الحسم. ويعتقد أنه لو قبل بالتفاوض حاليا فسيعتبر ذلك هزيمة ساحقة له.
التداوي بأعضاء الخنزير
قضية جديرة بالنقاش طرحها حمدي رزق في “المصري اليوم”: قامت الدنيا في مصر ولم تقعد بين رافض لهذا العضو من هذا الحيوان النجس، وبين قائل إن في الخنزير منافع تستوجب الإيجابية المشروطة باستخدام أعضاء الخنزير في التداوي، والإبقاء على الحياة، وكل طرح منهجه وفهمه للقضية الطبية، من وجهة نظر فقهية، دون اعتبار للحاجة الطبية الماثلة لأعضاء الخنزير للحفاظ على الحياة. اختلف الفقهاء قعودا، في ما اجتهد فيه العلماء والأطباء في المعامل، ودخل على الخط من يكره الخنزير كراهية التحريم، علما بأنه لم يقل أحد بجواز أكل لحمه، فهذا محرم بنص قطعي، ولكن قال البعض باستخدام أعضائه طبيا وفق احترازات، واشتراطات طبية، فلماذا تقييد المنجز العلمي الطبي بمظنة تحريمية قياسا.. وفيها قولان؟ رهن التقدم العلمي والطبي المتسارع بالفقه القولي القاعد عن الاجتهاد، يضعنا خارج التاريخ، العلماء يجاهدون في إنقاذ الأرواح المعذبة مرضيا، والفقهاء يحرمون ما انتهى إليه العلم، العلماء ينفقون أعمارهم في محاولات مضنية تكلف مليارات من الدولارات بحثا عن علاج نافع للبشرية، والفقهاء لا يزالون مختلفين، اختلافاتهم في هذه القضية تخلو من الرحمة بالمرضى في غرف الإنعاش. تخيل فقيها يحرم ويمضي إلى حال سبيله، ويترك حَيَوَات في حالة احتضار، تأسيسا على حرمة أكل لحم الخنزير، علما بأن المريض لن يأكل لحم الخنزير ولكن سيستشفى بعضو حي منه، ويفجعه فقيه بالقول، كيف لمسلم أن يعيش وفي جسده عضو (نجس)، وكيف يتطهر والنجاسة عالقة بكليته، وكل جسد ينبض بحرام فالنار أولى به.. يموت أحسن، في مثل هذه الأجواء المشحونة بالكراهية لحيوان (مخلوق) يمضي العلماء في طريقهم لا يلتفتون لتفسيرات الفقهاء، ونتخلف نحن عن الركب الطبي، ونفقد أرواحا غالية تحت مظنة تحريمية حسمها الأزهر الشريف بفتوى معمقة، بشأن لقاح مستخرج من الخنزير ننقل منها طرفا: «من الضرورة الوقاية من الأمراض؛ فيباح التداوي بشروط”.
بريق الدين
يرى الدكتور محمود خليل في “الوطن”، أن القرن الحادي والعشرين هو “قرن الأديان بامتياز”.. ووفق ما قاله فقد ترددت هذه العبارة على لسان أندريه مارلو وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، منتصف القرن العشرين. فالقرن الجديد، من وجهة نظره، سوف يشهد صراعات مريرة بين الأديان، أو بالأحرى بين معتنقي الأديان، بصورة لم تشهدها القرون السابقة. صدى فكرة مارلو، ظهر أيضا في نظرية صراع الحضارات، التي وضع أسسها صاموئيل هنتنغتون، التي تحدث فيها عن أن الاختلافات الثقافية ستشكل العامل الأهم في تأجيج الصراعات بين البشر في القرن الجديد. وأشار الكاتب إلى أن القرن الحادي والعشرين بدأ بواقعة مذهلة تمثلت في تفجير برج التجارة العالمي (11 سبتمبر/أيلول 2001) على يد تنظيم “القاعدة”، الذي أسسه كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في أفغانستان، عقب انسحاب القوات الروسية منها، بعده بدأت رحلة الحرب على الإرهاب – كما وصفها المنظرون الغربيون – واتجهت آلة الحرب إلى الهجوم على أفغانستان ثم العراق. خلال سنوات الحرب التي قادها جورج بوش الابن، تحدث الرئيس الأمريكي بعبارات دينية بحتة، وهو يصف الحرب المقدسة التي يخوضها الأمريكيون انتصارا للحرية، وتطرق إلى الإشارة التي أتته من الله كي يتحرك، وغير ذلك من عبارات قوبلت بعبارات أخرى ذات صدى ديني واضح من جانب المتطرفين الإسلاميين. بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق عام 2003 تأسس تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وقام التنظيم، الذي يقوده أبو مصعب الزرقاوي، بالعديد من التفجيرات التي شهدتها مدن العراق البائسة. كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، كانت شديدة الإعجاب بالزرقاوي، شواهد كثيرة عاصرناها خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين تدلل على ما ذهب إليه مارلو وهنتنغتون، حول أن القرن الجديد يعد «قرن الأديان بامتياز»، والسرعة التي طفت بها هذه الشواهد على سطح الأحداث العالمية تدل على أن التحضير لما حدث ويحدث، كان متواصلا طيلة العقود الأخيرة من القرن العشرين.
غطاء وهمي
هل قفز الدين بشكل خاص ومفاجئ إلى سطح الأحداث العالمية خلال القرن الحادى والعشرين، بشكل جعله قرن الأديان بامتياز كما تنبأ مارلو؟ الدكتور محمود خليل يقول: مبدئيا اختصاص قرن معين من التاريخ البشري بأنه دون غيره يعد «قرن الأديان» مسألة فيها نظر. فالأديان منذ ظهورها وهي تشكل محركا مهما من محركات البشر، بغض النظر عن منسوب تدينهم. الدين كان حاضرا وبضراوة خلال الحقبة الاستعمارية. تجد تجليات ذلك في حملات الغزو الفرنسي على مصر والشرق العربي، ثم الغزو الإنكليزي، الدين كان حاضرا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان حاضرا أيضا في شعارات المقاومة للمستعمر، التي رفعتها شعوب الشرق خلال جهود تحرير بلادها. الدين كان حاضرا في شعارات مقاومة المصريين للحملة الفرنسية وللإنكليز، تستوى في ذلك الفترات التي كان يقود فيها المشايخ المقاومة، مع الفترات التي قادها الأفندية المتعلمون. من الصعب مبدئيا القول إن قرنا يمتاز عن غيره من القرون باحتضان صراعات يحركها الدين، فالدين كان ولا يزال يحرك، وهو عامل ضمن مجموعة عوامل تدفع إلى الحروب والصراعات، لكنه في أي حال ليس العامل الوحيد، بل تستطيع القول إن عامل تجريب وتسويق وبيع السلاح على سبيل المثال، أهم بكثير منه، والدين في مثل هذه الأحوال ليس أكثر من عود كبريت يتم إشعال الصراع به، أو غطاء وهمي يحاول الغزاة الاختفاء تحته، في محاولة لستر مطامعهم التي لا يوجد لها أي علاقة بالدين، أو محرك إنساني للتضحية من أجل تحرير الأوطان. كان الدين حاضرا في القرن العشرين، لكنه حضر بصورة أكثر ضراوة في القرن الحادي والعشرين.. ولكن كيف؟
اللعبة انتهت
الأوضاع في ليبيا تدفع البعض للتفاؤل والبعض الآخر للقلق.. لترى لأي الفريقين يميل، جلال عارف في “الأخبار”: تلقى الحل السياسي للأزمة الليبية دعما دوليا كبيرا من اجتماع باريس، بحضور رؤساء فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومصر مع نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس، وممثلي 25 دولة من دول الجوار والدول المشتبكة مع الأزمة الليبية. انعقاد المؤتمر قبل ستة أسابيع من الموعد المُقرر للانتخابات، كان مهما في مواجهة أي عراقيل تضعها أطراف محلية أو أجنبية؛ لتعطيل هذا الاستحقاق المهم الذي يفتح الباب للأوضاع الطبيعية وتأكيد سلطة الدولة. ومن هنا جاء التأكيد بالإجماع على دعم إجراء الانتخابات في موعدها، وتقديم ما يضمن نزاهتها، وما يضمن كذلك اعتراف كل الأطراف بنتائجها.. مع الإشارة إلى الاتجاه لفرض عقوبات دولية على أي جهة أو شخص يُعطِّل العملية الانتخابية والانتقال السياسي في ليبيا. ورغم غياب الرئيسين الروسي والتركي عن اللقاء المهم، فقد كانت قضية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا حاضرة. وكان تأكيد المؤتمر على ضرورة تنفيذ هذا الاستحقاق، قد سبقه إعلان من روسيا عن دعمها لما يُقرره المؤتمر في هذا الشأن، والكشف عن خطوة رمزية بسحب 300 من المرتزقة التابعين لشركة «فاغنر» الروسية.. بينما تحفظت تركيا على قرار المؤتمر، ليبقى الموقف التركي عائقا أمام الخطة المرحلية التي أعدتها ليبيا، من خلال اللجنة العسكرية، التي تقضي بسحب 20% من القوات الأجنبية والمرتزقة قبل الانتخابات، هذا يعني أن الموقف المصري المبدئي الداعم للحل السياسي، ولخروج القوات الأجنبية وميليشيات المرتزقة، يلقى كل التأييد الدولي. وأن المطلوب الآن أن يتواصل الجهد الدولي لإتمام العملية الانتقالية في ليبيا، ولمساعدة الأطراف الليبية الوطنية على محاصرة كل محاولات قطع الطريق على إتمام الاستحقاق الانتخابي، وعلى تطهير الأرض الليبية من المرتزقة، والقوات الأجنبية. الرهان الأكبر هنا أن شعب ليبيا يُريد استعادة دولته.
الساسة وراء كل ذلك ، وما أسهل الشتم