الكوارث الإنسانية

بعد سلسلة الكوارث «الطبيعية « الأخيرة في بلادنا- المغرب وليبيا وقبلهما سوريا- تفاجأنا بحجم الدمار، والتأثير على حياة الناس والحيوانات والمحاصيل.
الكارثة الطبيعية هي في الحقيقة كارثة بمقدار ما تعني من نتائج سلبية على البشر؛ وإلا فإنها أحداث طبيعية، مهما كبرت، موجودة منذ وجد الخلق أي منذ أربعة عشر مليار عام. مثلا لو حدث زلزال قوي في صحراء بلا سكان؛ لما تكلم أحد عن كارثة.

الفكر الإنساني

مقابل أحداث الطبيعة؛ هنالك الكوارث الإنسانية، فالحروب قتلت ملايين البشر، وهدمت مدنا بأكملها، يكفي أن ننظر في زمننا هذا الأخير إلى دمار حلب أو غروزني في الشيشان، أو قبلهما محو هيروشيما ونغازاكي في اليابان من الوجود؛ بالقنابل الذرية الأمريكية.
أخطر إنتاج الفكر الإنساني الكارثي؛ كان اختراع وسائل الدمار الشامل بكل أشكالها (الفيلسوف الألماني جنتر أنديرز).
ونحن لسذاجتنا وتعودنا عليها، نعتقد أننا بعيدون من التأثر بها، رغم إدراكنا التام لخطورة نتائجها؛ وكأن العلم والتكنولوجيا في أياد أمينة.
هؤلاء الذين يخترعونها لا يسألون أنفسهم عن مدى خطورة ما يفعلون. وهل رجال السياسة قادرون على تمييز النووي لتدمير الحياة، من الآخر المنتج للكهرباء، وهل سيكتفون فقط بإنتاج الكهرباء. ومن يضمن لنا أن لا ينتهي الأمر كله بدمار الإنسانية، فما تملكه روسيا وأمريكا يكفي لتدمير العالم عدة مرات.
الإنسان هو إذن الكارثة الحقيقية التي ابتليت بها الطبيعة، وليس أشكال الحياة الأخرى؛ من حيوانات وجراثيم ونباتات؛ التي تتعايش بشكل متكامل ومتوازن فيما بينها. الإنسان لأول مرة في التاريخ لم يربط حريته مع مسؤوليته، هذه العلاقة التي تميز إنسانيته، وتعطي تفسيرا وحجة لامتلاكه الوعي. ما يعتبره سموا على عالم الحيوانات!.

التلوث البيئي

التلوث البيئي الذي بدأ في القرن التاسع عشر في أوروبا؛ أعطى ثماره السوداء، وغطى بدخانه سماء العالم؛ تحت مسمى التغير المناخي. نتقاسم جميعا مسؤوليته.
فأوروبا تستورد البترول والفحم والمعادن التي تنتجها دولنا؛ من الخليج إلى العراق وليبيا والجزائر؛ ونحن سعداء بذلك لأنه يغني قادتنا وأمراءنا وجنرالاتنا في الحكم، وتعطينا إمكانية شراء البضائع والسيارات والهواتف الذكية التي نفتخر بامتلاكها.
لكن الكارثة الإنسانية التي حلت بشعوبنا العربية كافة واختصت بها عن بقية شعوب العالم؛ هي هذا النظام السياسي؛ والذي لا يرى في الأرض العربية إلا مرتعا لخيله؛ وأمكنة لتأكيد عنجهيته وتسلطه، وبيع ثروات البلاد، من أجل حياة الرفاهية التي ينعم بها، ومن يحيطون به من ميليشيات وعسكر.
وإن احتج الشعب، أدخل في حرب دائمة لا تبقي ولا تذر، كما نرى الآن في سوريا وليبيا والسودان. عندها يكون الاهتمام بشأن سدود درنة شيئا لا لزوم له. وتحسين الطرق وحياة سكان الجبال النائية في جنوب المغرب لا فائدة منه، ونحن نراهم على شاشات التلفزيون وكأنهم قادمون من عالم آخر.
إعصار دانييل، مر على اليونان وتركيا وبلغاريا، ولم تكن له نتائج على حياة الناس، أما في ليبيا فقد كان وبالا ودمارا، ليس لأنه ازداد قوة؛ بل لأنه وقع داخل دولة؛ لا يهم قادتها إلا الاقتتال الداخلي للاستحواذ على أموال النفط، ودفع معاشات المرتزقة القادمين من روسيا وغيرها. لم يكن من يراقب سدود درنة معينا بسبب كفاءته؛ والذي لم يفعل شيئا لصيانتها منذ عشرات السنين، وإنما بسبب ولائه للسلطة الفاسدة، فنحن نطبق قاعدة الرجل غير المناسب؛ في المكان غير المناسب.
نحن في دولنا، نعيش في حالة استعجال، مثل مريض في قسم الانعاش؛ فإما أن تقدم له العناية الضرورية وإما أن يموت. أظن أننا الآن ننتظر الموت بشكل أو بآخر؛ إلا إذا صحا شباب الأمة، وأخذوا من جديد؛ أمور أنفسهم بأنفسهم.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية