الكوميديا العربية السوداء

حجم الخط
0

هناك بون شاسع وبرزخ واسع، بين الكوميديا والتهريج، فالكوميديا نصّاً وأداءُ، فنّ عميق يتـــناول أبعاد الحياة الإنسانية من خلال مفارقات الموقف أو مفارقات اللغة وتضميناتها، او من خلال تتابع للأحداث يتناقض مع ظاهر المنطق، او المفهوم الشائع للحكمة، أو يقود إلى نتائج مفاجئة أو صادمة، خلافاً للمتوقع أو المرسوم! وكأي فن آخر فهي تثري الفهم الإنساني للحياة، من خلال عرض تناقضاتها، وإضاءة التعارض بين الظاهر والخفي، المتحقق والمأمول، الشكل والمضمون، المظاهر الخادعة والخفايا القابعة، كاشفة المسافة بين الحلم الإنساني والواقع الإنساني، بتتبع خطواته العاثرة!
أمّا التهريج فهو فنٌّ مختلف تماماً، وله تقنياته المختلفة، وربما اعتمد الأداء الجسدي المبالغ فيه، او حتى البذاءة اللفظية أو التضمينات الجنسية، من أجل إثارة الضحك، لأن هذه هي غايته في الأساس، القدرة على الإضحاك، وهكذا تجد أن جمهور مهرّج السيرك، في غالبه من الأطفال!قطاع واسع من عامة الناس، التي تتابع البرامج والعروض الساخرة، التي توظف تقنيات التهريج، وتستمتع بها ، تستقبلها من خلال الشخصية الطفولية، الكامنة في كل واحد منّا، والّتي لا نتردد في إطلاقها، امام برنامج أو عرض ساخر، وربما هذا هو السر الكامن وراء نجاح تلك العروض، ورواجها لدى قطاع عريض من المتلقين، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية أو السياسية!أما على الجانب الآخر، فيقف المترصدون، أو المتخوفون أو المتحفظون، على الرسالة التي يحاول الإعلام الساخر إيصالها!
في مجنمعاتنا الإسلامية، هناك خطوط سوف ترسم دائماً بين المسموح وغير المسموح، ولهذا السبب بالذات يحاول أساطين السخرية القفز إلى دائرة غير المسموح، بحثاً عن الرواج والجماهيرية، لأن البقاء في دائرة المسموح لن يجذب إلى الحلبة جمهوراً جديداٌ، وهكذا تموت الصنعة!على أية حال فلكل مجتمع مقدساته وحرماته، وهذه يحددها الحس الشعبي الذي يقبل أويرفض، وهذه ما يأخذها المؤدي بعين الاعتبار، لأنه لو قوبل بالسخط أو ترجمت رسالته على أنها تعريض وإهانة، او مساس بالمقدسات، فسيفقد جماهيريته، حتماً!
المشكلة في مجتمعاتنا ان الإعلامي أو الفنان، هو موظف بأجر، ولا تقاس كفاءته بالربح والخسارة، ودواؤه في إخراجه للهواء الطلق، ووضعه في التجربة، ومن هنا كانت حكمة شباك التذاكر، وجمهور اللحم والدم، أما الاستديوهات الوثيرة التي يؤثثهارأس المال، فلا تخلق فنّاً أوإبداعاً، ولذا فإن التقنين يكون لرأس المال المبيح والمستبيح، لا للفن والإبداع، ومن خلال تشريعات تجمع بين الحداثة والوطنيّة!

نزار حسين راشد
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية