رغم غيابي عن الكويت منذ شباط – فبراير 2020 لأسباب خاصة، إلا أن حضور الانتخابات كان دائما أمرا ممتعا. الانتخابات في الكويت تعكس دائما أجواء التنوع كما و الحرية. ففي إطار الحالة العربية لازالت الكويت ليومنا هذا، رغم كل النواقص والدعوات المحقة للاصلاح والتجديد، واحة قادرة على التنفس بحرية.
في هذه الانتخابات التي وقعت السبت الماضي مارست الناس أفكارها وقناعاتها وانتخبت من تريد بلا تدخل من المال السياسي الحكومي مما انتج تغيرا تجاوز 60 في المئة عن المجلس السابق. ما وقع في انتخابات السبت الماضي خير تعبير عن مدى تعطش الكويتيين لتجديد الوجوه والنهج والأسلوب.
في المقابل عكس فوز د. حسن جوهر في الدائرة الاولى وحصوله على أعلى الاصوات في دائرته مدى رغبة المجتمع في دعم شخصيات نزيهة مستقلة لكنها بنفس الوقت معارضة ومتوازنة. حسن جوهر الاستاذ الجامعي ورئيس قسم العلوم السياسية السابق حصد اصوات الشيعة كما واصوات السنة في دائرته، وفي هذا مثل ظاهرة التف حولها الشباب. ولدى النائب حسن جوهر أسوة بنواب آخرين نظرة تنموية تمس التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية والحريات، فهذه مسائل اصبحت اساسية للمجتمع الكويتي.
لقد وضح عبر هذه الانتخابات أن المجتمع الكويتي يريد التجديد والتغيير، فبعد يومين من الفوز اجتمع 30 نائبا من كل الكتل السياسية والتيارات في ديوان بدر الداهوم النائب المعارض. ورغم أن الانتخابات في الكويت لا تتم على اساس حزبي أو لائحة حزبية، إلا أن فوز ممثلين عن الإخوان المسلمين(3 من 50) وفوز آخرين عن السلف، والتيارات الوطنية المعارضة والقوى المستقلة بما فيها قوى تعبر عن القبائل، اضافة للتيارات الشيعية يعكس مدى رفض الكويت لاجتثاث أي تيار او رؤية سياسية. بل يسجل مشاركة شخصيتين من قادة التيارات الشيعية وهما د. حسن جوهر و د. هشام الصالح في لقاء كتلة الثلاثين المعارضة، ثم تجدد ذات اللقاء الثلاثاء 8/12/2020 بحيث وصل عدد اعضاء الكتلة إلى 32 نائبا.
إن هذا التجمع الكبير قد ينجح في بناء علاقة تبادل واحترام مع الحكومة، وبإمكان الدولة ان تجد من خلال هذه الكتلة حصنها لتمتين الاطار الوطني في وجه الأعاصير الإقليمية. علينا أن نلاحظ هذه اول مرة تنضم كتل شيعية لها ثقل في الشارع لكتلة المعارضة منذ 2012. يبدو أنه يوجد اجماع بضرورة أن يكون الاصلاح عملية متكاملة من الأسفل للأعلى ويقوم أساسا على طرح قوانين متقدمة. لكن إن وقع تصادم بين الحكومة مع هذه الأغلبية البرلمانية فهو حتما سيضعف الكويت ويعيدها للمربع الأول. الكويت قامت تاريخيا على التوازن، مع رفض العزل السياسي لأي من القوى السياسية التي تمثل قطاعات المجتمع.
لقد وقعت هذه الانتخابات في ظل أمير جديد للكويت، وهذا يعني أن تغييرا وقع في رأس هرم السلطة التنفيذية، لكن التغيير وقع بزخم في السلطة التشريعية في مجلس الأمة، وهذا سيفتح الباب لحياة سياسية جديدة
وتجمع الأغلبية السياسية في البرلمان الجديد على عدة مسائل وملفات. فهي تريد تغييرا في رئاسة مجلس الأمة، مما سيضع موقع الرئاسة في مرمى منافسة قوية بين الرئيس الحالي مرزوق الغانم والذي اصبح ايضا وجها عربيا مؤثرا، وبين الوزير السابق والنائب بدر الحميدي. ستكون المنافسة صعبة، ويحق للحكومة ان تدلي باصواتها.
لقد أعلن النائب بدر الحميدي أنه سيطرح ملف العفو لجميع الكويتيين المشاركين بالحراكات السابقة منذ 2011. هذا ملف شائك يتضمن محكومين قضائيا، ويتضمن معارضين في الخارج، كما ويتضمن مغردين عليهم قيود أمنية. ولعلاج هذا الملف لا بد من قانون جديد مرن للسوشال ميديا وللمطبوعات والنشر. لكن ملفات هذه المجموعة تطرح التعامل مع التعليم، والصحة، كما لن تكتمل بلا اعادة النظر بقانون الانتخاب المبنى على الصوت الواحد، ولن تكتمل ايضا بلا رؤية واضحة لكيفية التعامل مع الاقتصاد وأسعار النفط وبعض سياسات التقشف التي تنوي الحكومة فرضها. هذا التيار يريد ان يضمن ان لا يستهدف التقشف المواطن والطبقة الوسطى. وبينما من الصعب النهوض بلا دور للقطاع الخاص و التجار الا أن وضع قوانين تحمي القاعدة الشعبية أصبح ضمان تبحث عنه القوى المعارضة.
ورغم تمنيات البعض أن تنفتح الكويت على سياسة الأسواق المفتوحة والسياحة، الا ان الكويت لن تتغير الا من خلال آلياتها الاجتماعية والسياسية الخاصة التي تقوم على احترام مجتمعها وتقاليدها السياسية وحريات شعبها. إن الانتخابات خير تعبير عن مدى التغير في المجتمع، فقول البعض مثلا ان المجتمع الكويتي لا زال قبليا غير صحيح. فمعظم من رشحوا أنفسهم عبر الانتخابات الفرعية القبلية فشلوا في نيل مقاعد، بل صعد للبرلمان أبناء قبائل اكثر تقدما في التعامل مع القضايا المعاصرة للكويت. هذا التغيير رغم هدوئه يعكس المجتمع وآلياته الخاصة. ورغم عدم فوز المرأة في هذه الانتخابات، لكن ذلك انعكاس طبيعي لمجتمع ينتخب ممثليه بلا الأحزاب بل وفي ظل غياب كوتا للمرأة. إن عددا من المرشحات أبلين بلاء حسنا، وهذا يعني ان الفرصة قائمة لفوزهن في الانتخابات القادمة.
لقد وقعت هذه الانتخابات في ظل أمير جديد للكويت، وفي ظل ولي عهد جديد، وهذا يعني أن تغييرا وقع في رأس هرم السلطة التنفيذية، لكن التغيير وقع بزخم في السلطة التشريعية في مجلس الأمة، وهذا سيفتح الباب لحياة سياسية جديدة.
يصح القول بأن الكويت تمر بحالة تتميز بارتفاع في آمال الإصلاح والتغير والمصالحة الوطنية الأشمل.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
التجربة الكويتية ، في الموالفة بين الحكم العائلي و المشاركة الشعبية من خلال إنتخابات ليست مثالية و لكن أيضاً لها جوانب تتيح الرقابة و مسائلة السلطة التنفيذية، هذه التجربة تستحق الدراسة
.
غزو عام ١٩٩٠ كان إمتحاناً قاسياً لهذه التجربة و بإعتقادي الطرفين خرجا منها بأرباح : العائلة الحاكمة بتجديد تفويضها ، و الشعب من خلال التأكيد أنه هو من رفض الإحتلال …لذا الشرعية تأتي من خلاله.
ذاك ما أعتقد كمراقب و عارف بالحياة في ذاك البلد العربي الصغير و لكن المؤثّر في المنطقة