قبل أسابيع، عقدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مؤتمرها الخامس المخصّص لتقييم تنفيذ اتفاقية الأسلحة الكيماوية، وتحديد الأولويات للسنوات الخمس المقبلة. المؤتمر لم يصدر عنه أيّ وثيقة نهائية، وذلك بسبب تقاذف التُهم بين الدول الغربية من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة أخرى. المجموعة الغربية أرادت تضمين الوثيقة لغة تشير صراحة إلى استخدام روسيا وسوريا الأسلحة الكيماوية، بينما موسكو رفضت المسودّة، واصطفت خلفها كل من الصين وإيران وسوريا وكوبا ودول أخرى. واشنطن اتهمت روسيا بالعرقلة، وقال ممثل الولايات المتحدة الدائم لدى المنظمة جوزيف مانسو: «لم يكن زملاؤنا الروس مرنين». كما قالت الخارجية الأمريكية إنّه «حان الوقت لتهميش روسيا في المنظمة»، لأنّها «دولة معطلة وغير ملتزمة» متهمة إيّاها بحماية سوريا من العقوبات، مطالبة المجتمع الغربي بـ»إذاقة موسكو عواقب التعطيل».
واشنطن تتهم روسيا وشركاءها بالاعتراض على فقرات في مسودة الوثيقة، تناولت الهجمات الكيماوية للنظام السوري التي تقول واشنطن إنّها «موثّقة»، كذلك اعترضت موسكو وحلفاؤها على الإشارات المتعلقة بتخزين غاز الأعصاب المحظور (نوفيتشوك)، وعلى الإشارة إلى هذا الغاز في الوثيقة. تقول واشنطن إنّه لا يجوز للدول الأعضاء في المنظمة، أن يرسوا سوابق بانتهاك الاتفاقية والبقاء فيها في الوقت نفسه. ولهذا تدعو في الاجتماع المقبل للمجلس التنفيذي في المنظمة (يُعقد في يوليو)، إلى تحديد موعد نهائي لروسيا، ومدته 90 يوماً، كي تثبت موسكو امتثالها للاتفاقية. وإذا فشلت موسكو في الوفاء بذلك، تطالب واشنطن بأن يوصى بتعليق حقوق وامتيازات روسيا في التصويت ضمن المنظمة، مذكرة بأنّ تعليق عضوية سوريا منذ عام 2021، أدى إلى تحسّن أداء المنظمة بشكل واضح… منصّبة واشنطن نفسها بذلك، «شرطيا» على العالم، الذي يتوجب عليه الامتثال إليه بلا نقاش أو اعتراض، شرطيا بمعايير مزدوجة يسمح ويبارك استخدام اليورانيوم المنضّب ضد الروس في أوكرانيا، ويفرض معايير منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية على موسكو في المقلب الآخر.
لروسيا وحلفائها رأي آخر مختلف عن كل ذلك، موسكو ترى أنّ الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أجرت تحقيقاً في حادثة استخدام هذه الأسلحة في مدينة دوما السورية، وقد استخلصت النتائج حول تورّط النظام السوري في استخدام مواد سامة ضد المدنيين، فضلاً عن الأنشطة الروسية التي يعتبرها الغرب «لا إنسانية»، وتزعم واشنطن أنّها تهدف إلى «حماية جرائم الحرب التي ترتكبها السلطات السورية». في معرض اعتراضها على نتائج التحقيق، تشير موسكو إلى مجموعة من التناقضات التي ارتكبتها المنظمة، فتسجل ملاحظات تختصرها مصادر روسية بالنقاط العشر التالية:
واشنطن تتهم روسيا وشركاءها بالاعتراض على فقرات في مسودة وثيقة، تناولت الهجمات الكيماوية للنظام السوري كما اعترضت موسكو وحلفاؤها على الإشارات المتعلقة بتخزين غاز الأعصاب المحظور (نوفيتشك)
1. تقول المصادر إنّ تجميع الأجزاء المتعلقة بالأدلة الواردة في التقرير، أعدّت خصيصاً لخدمة مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي نفذت قصفاً لمنشآت عسكرية وصناعية سورية بعد حادثة دوما مباشرة، ومن دون قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.
2. أثناء عمل فريق التحقيق التابع للمنظمة، جرى فحص الوثائق والأدلة المادية التي تمّ الحصول عليها من مقاتلين ينتمون إلى جماعات مسلحة «غير شرعية»، ومن دول غير صديقة للغرب.. وهذا من وجهة نظر موسكو يثير أسئلة حول موضوعية التحقيقات.
3. تؤكد روسيا مشاركة بعض المتخصصين والمنظمات في التقييم الذي وضعه الخبراء، من دون أن يتم الكشف عن البيانات المتعلقة بتلك الجماعات، وبذلك لا يمكن التحقّق من مستوى كفاءة هؤلاء.
4. كجزء من تحقيقها، تقول روسيا إن المنظمة تجاهلت ما قدّمه الاتحاد الروسي من أدلة «لا يمكن إنكارها» مقارنة بطبيعة الحادث الكيماوي في دوما، بما في ذلك شهادات قُدمت من شهود عيان حقيقيين لتلك الأحداث (فتى ووالديه وأطباء من المستشفى…) جرت مقابلتهم في مقر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
5. ذكر كبار الضباط الروس ورئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين في التقرير، تعتبره موسكو «محاولة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لاتهام موسكو بالتواطؤ مع السلطات السورية في استخدام الأسلحة الكيماوية كوسيلة للحرب»، وهذا ما تنفيه موسكو.
6. تعتبر موسكو أنّ الاعتماد على معايير منظمة «المبادرة العالمية للتقارير» GRI التي تُعرف بـ Global Reporting Initiative لا تعترف بها روسيا، وليست قسماً تقنياً من جسم المنظمة، كما لا تسعى إلى تحقيق موضوعي غير مسيّس في حادث من هذا النوع، بل هي «أداة ضغط» بيد رعاتها الغربيين في مواجهة خصومها من الدول الأخرى مثل روسيا.
7. نفخ التقرير بالبيانات المختلفة والتفاصيل تهدف، بحسب موسكو، إلى دحض الإجابات الواضحة حول دوافع الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية من قبل سوريا، وهو بحسب موسكو أمر «غير مجدٍ من وجهة نظر عسكرية وسياسية».
8. عند احتساب مسار وارتفاع وسرعة سقوط اسطوانات «الكلور» الملقاة من الطوافات السورية نسبة للمواد المصنوعة منها، تثار شكوك جديّة حول الأدلة. فالبيانات التي تم الحصول عليها من المشاهدات، لا تتوافق مع ما يشير إلى أنّ الأسلحة الكيماوية أسقطت من طائرات. كما لم يقصد المحققون مكان الحادث، ولم يستجوبوا الشهود بأنفسهم، ولم يدرسوا الأدلة الرئيسية، أي اسطوانات «الكلور» التي دُمّرت نتيجة هجوم إسرائيلي على منشأة تخزين الناصرية 1 (120 كم جنوب شرق حمص) في 8 يونيو 2021.. وهذه في نظر الروس، خطوة أتت عليها تل أبيب لمنع تحليل تلك الاسطوانات والاكتفاء بالضبابية القائمة.
9. الاستنتاجات التي توصّل إليها الخبراء من خلال المحاكاة، تظهر أنّ الأسطوانات أُسقطت من ارتفاع بين 140 و170 متراً، لكن موسكو تؤكد أنّ طائرات الهليكوبتر التابعة للنظام السوري، لا تحلق فوق مناطق المعارضة على هذه الارتفاعات، بل تحلق على علو لا يقل عن 2 كيلومتر، وهذا بحسب روسيا لم يؤخذ في الحسبان على الإطلاق.
10. إذا تمّ إسقاط الاسطوانات من ارتفاع يزيد عن 2 كيلومتر بالفعل، فهذا سيطوّر سرعة عامودية تبلغ نحو 200 متر في الثانية، وبذلك ستخترق الاسطوانات سقف المباني التي سقطت عليها، وتتسبب السرعة الفائقة بأضرار جسيمة للاسطوانات والمباني، وهذا لا يظهر في التحقيقات… ومن خلال هذه القرائن، تحاول موسكو القول إنّ الأسطوانات وُضعت على الأرجح في مكان الحادث يدوياً، ولم يتم إسقاطها بواسطة المروحيات.
وفي تقييمها العام، ترى موسكو أنّ الغرب يحاول تمرير تلك المسودة من الوثيقة، لتبرير الضربات الجوية التي شنتها فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية في سوريا، علماً أنّ تلك الضربات نُفِّذت في 14 أبريل 2018، أي قبل ورود أيّ معلومات موضوعية عن الحادثة، بحسب موسكو.
كاتب لبناني