دارت – ولا زالت – خلال السنوات الأخيرة – على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية وفي غرف التطبيقات المختلفة – نقاشات واسعة حول قضايا متعددة لا يكاد يتوقف النقاش حولها في الدين والسياسة والعلاقة بينهما، ونقاشات حول الثيوقراطية والعلمانية والإيمان والإلحاد، ومسائل كثيرة قديمة جديدة تخص الجمهور العادي والنخب الأكاديمية على السواء.
في النقاشات اتهم اللادينيون خصومهم المتدينين بأنهم يقولون في «يقينية عمياء» بوجود إله دون دليل ملموس، وقيل إن المتدينين أصحاب رؤية أحادية، وأنه ليس لهم باع في ممارسة التعددية السياسية والفكرية، وإنهم لا يقرؤون فلسفة كانت ونيتشه وديكارت وهيغل وجون لوك، ولا يعرفون معنى الحداثة الفكرية والفلسفية والثقافية، ولم يطلعوا على كتابات ما بعد الحداثة، وهذا سبب رئيسي لجمودهم وبقائهم متدينين.
ووصمت الأديان – كذلك – بأنها وراء الحروب والجرائم الكبرى في العالم، ونال الإسلام – تحديداً – النصيب الأكبر من التهم الموجهة للأديان، واتهم بأنه وراء التخلف الذي يعيشه الشرق، وتم الحديث عن الدين البدوي والفكر السلفي، والإرهاب والتكفير و»التطرف الإسلامي»، وقيل إن المتدينين يريدون أن يعيدونا إلى عصر الجواري والحريم والسبي وركوب البعير والثوب القصير وغيرها من التهم الأقرب إلى «فقه النكاية» منها إلى الحقيقة الموضوعية التي هي بغية النقاشات الجادة.
أما فريق من اللادينيين – وهم الملحدون – فقد برزوا في هيئة الواثق من عمق طرحه، وكانوا – ولا زالوا – يرمون المؤمنين بالله بتهمة السذاجة الإيمانية، المتمثلة في الاعتقاد بوجود إله «لا يخضع للتجربة الحسية»، في حين أن هؤلاء الملحدين واقعون في «يقينية عمياء» نقيضة، تتركز في نفي وجود الإله الذي يريدون أن يخضعوه لتجارب الحس، مع أن الفكر الفلسفي الذي خاض في قضايا الميتافيزيقا يركز على المنهج العقلي – لا التجريب الحسي – فيما يخص القضايا الغيبية، وهو ما يجعل طريقة أولئك المنتفشين غروراً بموضوعيتهم يقعون في شرك الخلط المنهجي الذي يريدون بموجبه رؤية الله، وهو مطلب البدائي الذي أراد أن يختصر الإله في تمثال من الحجر، أو الآخر الذي رفض الإيمان حتى يرى الله جهرة.
يردد كثير من اللادينيين أو الملحدين أن الأديان شر مطلق، ويستدلون على ذلك بفظائع تاريخية ارتكبت «بسبب الأديان»، مثل محاكم التفتيش والحروب الصليبية ضد المسلمين، ويضاف إلى ذلك الهجمات الإرهابية المعاصرة وغيرها
ميزت الفلسفة بين الدليل العقلي والدليل التجريبي في المعارف، وإذا كان الإنسان يستطيع أن يتثبت من صحة التفاعلات الكيميائية بوضع عناصرها في المختبر، فإن قضايا الميتافيزيقا يصعب حشرها في قنينة الاختبار، وهذا ما لا يود من يريدون أن يروا الله جهرة أن يدركوه.
وبعيداً عن القضايا الإيمانية والغيبيات ركزت الكثير من النقاشات حول التوظيف النفعي للأديان على يد المتدينين، واستهدف الإسلام بالقسط الأكبر من النقد الموجه في هذا الخصوص، واتهم المتدينون باستغلال الدين لأغراض متعددة، غير أن المفارقة العجيبة أن الأنظمة اللادينية ربما فاقت الحركات الدينية في التوظيف النفعي للأديان. يتضح ذلك من خلال توظيف أنظمة علمانية كثيرة للشعور الديني لدى الجمهور في المعارك السياسية والعسكرية على اعتبار أنه «لا ملحدون في الخنادق»، وأن القتال يتطلب عقيدة دينية لا سياسية، إذ أن لحظة الإقبال على الموت تعد لحظة فزع كبير يرتجف معها إيمان كثير من الملحدين بالعدم، ويحضر الإيمان بالله، وهي اللحظة التي جاء في القرآن أن فرعون قال فيها «آمنت».
ويعد جوزيف ستالين الذي أصبح ملحداً مع بلوغه العشرين من العمر أكبر الأمثلة على التوظيف النفعي للدين، حيث وقف يحرض المواطنين السوفييت على «الدفاع عن دينهم في وجه النازية» التي غزت روسيا في الحرب العالمية الثانية. وكان هيرتزل وبن غوريون وغيرهم من الآباء المؤسسين لإسرائيل والصهيونية ملحدين، غير أنهم وظفوا الفكرة التوراتية عن «الوعد بالأرض» توظيفاً سياسياً، وكأنهم لم يكونوا يؤمنون من التوراة إلا بكونها عقد تمليك عقاري مسجل باسم «أبناء النبي إسرائيل» ووقعه «رب إسرائيل» الذي لم يكن ينظر إليه إلا على أساس أنه «تاجر عقارات»، وهذه هي الفكرة النفعية نفسها التي قامت على أساس «الوصية بالإمامة» التي رأينا يساريين لا دينيين يعلنون – بموجبها – تأييدهم للخميني وغيره ويكتب بعضهم قصائد مديح فيه، مسبغاً عليه أوصافاً مقدسة، مثنياً على منهج «أبناء النبي محمد» الذي لا ينظر إليه – وفق هذه الرؤية – إلا كملك يعين أولياء لعهده من بعده.
هذا – إذن – هو «اللادين» الذي يوظف الدين توظيفاً نفعياً، وهذه هي العلمانية التي تسلك سلوكاً انتهازياً تقترب – عن طريقه – من الممارسة الثيوقراطية، وهذه هي السياسة التي تدخلت في الدين، ثم انبرت تتهم الدين بالتدخل في شؤونها.
ولا ينبغي – هنا – إغفال الإشارة إلى ما يردده كثير من اللادينيين أو الملحدين من أن الأديان شر مطلق، ويستدلون على ذلك بفظائع تاريخية ارتكبت «بسبب الأديان»، مثل محاكم التفتيش والحروب الصليبية ضد المسلمين، ويضاف إلى ذلك الهجمات الإرهابية المعاصرة وغيرها، وهي الكوارث التي تحتم – حسب المتطرفين اللادينيين – الانتقال إلى «إلحاد الدولة» للتخلص من هذا الإرهاب الديني.
ومع ذلك فإن التاريخ يذكر أن «دولة الإلحاد» مارست فظائع راح ضحيتها أكثر مما ذهب من ضحايا لمحاكم التفتيش والحروب الصليبية والهجمات الإرهابية مجتمعة، وجاء الاتحاد السوفييتي ومارس ستالين إرهاباً غير مسبوق.
كان ريتشارد دوكنز يرى أن الفظائع التي ارتكبها ستالين لم ترتكب لأنه ملحد، بينما حدث الإرهاب الديني بدافع العقيدة الدينية للإرهابيين، أو بعبارة أخرى يرى دوكنز أن إرهاب الملحدين لم يكن بسبب الإلحاد، بينما إرهاب المتدينين كان بسبب الدين. والواقع أن ما رآه دوكنز كدواع دينية للإرهاب لم تكن أكثر من ذرائع لا دوافع لهذا الإرهاب، فالدوافع الحقيقية للإرهاب ليست دينية، ولكن الدين يأتي لتبرير النزوع الإجرامي والدوافع الإرهابية، ومعظم الجرائم تمت بدوافع مختلفة، وإنما أقحم الدين للتغطية على الدوافع الحقيقية للجريمة، ولو كان إرهاب بعض المتطرفين المسلمين – على سبيل المثال – مدفوعاً بالعقيدة الإسلامية، فلماذا لا يكون مليار ونصف ممن يعتنقون هذه العقيدة إرهابيين، ولماذا لا يقوم بمثل هذه الأعمال إلا مجاميع تمثل نسبة لا تذكر من غالبية المسلمين، فيما تدينها تلك الغالبية؟!
لا يمكن – إذن – التصديق بأن الجرائم التي تمت باسم الأديان كانت بدوافع دينية، إلا إذا صدقنا أن جورج دبليو بوش غزا العراق استجابة لتعليمات المسيح الذي أمره بخوض «حربه الصليبية» المزعومة، وأنه لم يقم بالغزو لغرض السيطرة على مقدرات البلاد.
وعلى أية حال فإن أكثر الجرائم بشاعة في العالم قامت بها أنظمة علمانية لا دينية، وإن حاولت استدعاء الدين في كثير من المناسبات، إلا إذا اعتبرنا أن الحرب العالمية الثانية الأفظع في التاريخ البشري خاضتها أنظمة ثيوقراطية قاتلت تحت راية الله.
كاتب يمني
معظم العلماء اللادينيين آمنوا بالله قبل موتهم!
هناك شهادات متعدد موثقة بالنت!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لقد ولد للعرب كاتب عبقري اسمه الدكتور محمد جميح.حفظك الله من كل حسد وحاسد.واصل رفع الغشاوة عن
العقول ، بأسلوبك اللذيذ كعسل اليمن الأصيل.
” ولا ينبغي – هنا – إغفال الإشارة إلى ما يردده كثير من اللادينيين أو الملحدين من أن الأديان شر مطلق، ” إهـ
أغلب النرويجيين ملحدين, ويقولون بأن الحروب بسبب الأديان!
قلت لهم بأن الدين كالسيارة, فقائدها يسوقها بشكل نظامي, أو بشكل فوضوي!!
أي: لا ذنب للدين في تصرفات البشر إن كانت شريرة أو كانت غير ذلك!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الاستاذ محمد جميح كلنا نعرف ان جميع الحروب اساسها اقتصادي ولكن لا بد من وجود سبب تختفي خلفه كالدين والقومية وما شابه من افكار واما عن مسالة المتدين والملحد ولا ديني مؤمن بوجود مهندس لهذا الكون فهو الاقرب للصواب فما موجود في الكتب الدينية هو سبب لالالحاد فالخالق فيها اله ضالم ومتحيز وغير عادل واعتقد ماساة الفلسطينيين كافية لمعرفة ذلك
ليس مطلوب توحيد أديان سماوية بل توافق بين اتباعها على المشترك بينهم كإيمان بخالق وحياة بعد موت وحفظ نفس وعقل ومال وعرض وأسرة ومجتمع ومساواة وعدالة ومكارم أخلاق وتجنب سرقة وقتل ومخدرات، ثم توافق معتدلي المتدينين والعلمانيين على المشترك بينهم كحفظ نفس وعقل ومال وعرض وأسرة ومجتمع ومساواة وعدالة ومكارم أخلاق وتجنب سرقة وقتل ومخدرات، ولو استمر خلاف على إيمان بخالق وحياة بعد موت ورغم اعتبار العلماني المعتدل الأنبياء مجرد مصلحين اجتماعيين وطفرات علم اجتماع، وبالتالي تفرغ الكل للتصدي لمتطرفي كل الأطياف.
شكراً للكاتب على هذا المقال الفكري الرائع.
لكن با حبذا لو أنه أوضح أن ما سُمي بـ (الإرهاب الإسلامي) ليس من صُنع المسلمين، بل هو من صُنع الغرب، وتمويله، وتوجيه، وإدارته، وإخراجه، بهدف إستمرار محاربة الدين الإسلامي، وإصطناع مبررات لمواصلة استعمار ونهب ثروات بلاد العرب والمسلمين، تحت ذريعة (مكافحة الإرهاب)، كما حدث ويحدث الآن. كل التحية للكاتب،،،
“….لماذا لا يقوم بمثل هذه الأعمال ( الإرهابية ) إلا مجاميع تمثل نسبة لا تذكر من غالبية المسلمين، فيما تدينها تلك الغالبية؟!
ياأخ محمد, العصر الذي نعيشه اليوم لم يعد يقبل بهكذا أشياء أخلاقيا كذلك وليس فقط سياسيا أو حقوقيا. على العموم مقال جيد أشكرك عليه. هناك خطأ – برأيي – يقع فيه الكثيرون وهو وصف الإلحاد كمن يصف أي دين. الإلحاد ليس له قواعد أو طقوسا, إنما فقط استخلاص أن الأديان عامة صناعة بشرية, لذا فهي لاتهمهم. قد تجد ملحدا يتواءم مع متدين في الرأي , الشيء الذي لايجده عند ملحد مثله. أود أن أضيف أن هناك كذلك الربوبي الذي لامشكل له مع الأديان , ولامشكل عنده إن وجد إلاه أم لا , لكن مشكله مع دينه بالخصوص لأسباب كثيرة, أكانت أخلاقية أوغيرها. جوابه أنه مادامت الأديان الأخرى لاتهمه ( طبيعي ) إذن – من وجهة نظره – لايمكن لإلاه مثلا : ” كامل الحكمة أو كامل المعرفة ” أن يصدر منه هذا , أو لايكون يعلم بالأشياء, هناك من يبرر بماتسمى بـ ” معضلة الشر ” معناها أن الله لايمكن أن يصيب طفلا صغيرا مثلا بمرض عضال يجعله يتألم لمدد من الزمن ثم يموت بعدها.
رأيي الخاص, على كل فرد حي عليه أن يستعمل العقل والمنطق بحرية مطلقة بدون خطوط حمراء من أحد ولايسمح للأخرين أن يتحكموا فيه تحت أي دريعة كانت.
جهاز الكمبيوتر الذي نكتب ونقرأ من خلاله أوجده صانع، والكون أوجده خالق.
انتهى.
ما الفرق بين عنوان (عقلاء المجانين) لممثل الثقافة الفرنسية/المغربية/الصينية (د بيير لوي ريمون)، وبين عنوان (اللاديني المتدين) لممثل الثقافة اليمانية/البريطانية (د محمد جميح)، في نفس عدد جريدة القدس العربي، البريطانية، والأهم لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
فالسؤال، عندما عدة أساتذة جامعة، من (فرنسا) في عام 2021،
يضيعون ميزانية الدولة العلمانية، على بحث، بخصوص هل هناك خالق، للكون، أم لا؟!
هل هذا منطقي أو موضوعي أو مسألة لها علاقة بالعلم، أو بتوفير المصاريف (الإقتصاد) بشكل عام،
أم هذا مثال عملي، عن فلسفة (الهدر)، من ناحية الإنتاج لأجل الإنتاج، بحجة الاختلاف كثقافة الأنا (الفرنسية)، بلا منطق أو موضوعية أو أي شيء علمي، أو إقتصادي منافس في سوق أجواء العولمة، على أرض الواقع، أليس كذلك، أم لا؟!??
??????
أسلم العديد من الملاحدة منهم شيخ الملحدين وكبير الفلاسفة البريطاني أنطوني فلو والألماني جيفري لانغ دكتور الرياضيات.
والعلم الحديث أثبت عبر تجارب أن الملحد يؤمن بوجود الله رغم إنكاره فهو يحس باضطراب كما تبين الآية القرآنية ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج).
والإسلام دين يدعو للرحمة والمحبة والإعتراف بالآخر وفتوحاته كانت دائما مبنية على هذه الأسس بينما الحروب الصليبية كانت خلاف ذلك تماما.
لماذا تضع الحملات الصليبية كوصف للدين المسيحي. مسيحي الشرق عاشوا دائمًا المسلمين بلا حملات صليبية وماإلى ذلك بل تعاونوا مع المسلمين في مقاومة الحملات الصليبية. الخطا الشائع هو في الخلط بين الدين كدين يدعوا للإيمان بالله وبين التفكير الذي يقوم بصياغة الدين وفقًا للقناعة الذاتية للشخص.أو حتى لمجموعات. وطبعًا هذا ينطبق على كل أنواع التفكير حيث يقوم الفرد أو جماعة معبنة بصياغة الإلحاد أوالعلمانية وفقًا للقناعة الشخصية بينما المطلوب هو العكس أي أن يرى الفرد أن القناعة الشخصية هي خاصة به وبتفكيره. ولاأعرف إذا استطعت أنا تحقيق ذلك بهذا التعليق!