الأمور لن ترجع كما كانت قبل كورونا، فليست هذه ظروف عابرة. كورونا أصبحت واقعا، إذ لم يكتب التاريخ عن جائحة بهذا الاجتياح المكاني والزماني. ستكمل هذه الجائحة عامها الثاني خلال أشهر، والفيروس لا يكف عن التحور، وكنا لا نرغب في تصديق بعض الخبراء، أنها ستمتد إلى ثلاث سنوات، إلى أن يستطيع العالم معاودة التنفس.
وها هو العالم يفصح عن حجم الهوة، ما بين العالم المتقدم والنامي، إذ تتصارع الدول من أجل الحصول على اللقاحات، ويظهر ذلك في الفروق بين عدد المطعمين في العالمين. منذ توفر اللقاح لم يلقح سوى 23% من سكان العالم، ففي حين غطى التطعيم أكثر من نصف السكان في العالم المتقدم، لم تصل نسبة التطعيم إلى 1% في بعض دول القارة الافريقية.
سيكابر الإنسان ويحاول الرجوع إلى حياته الطبيعية منتصرا، وأقوى من قبل، لكنه لن يستطيع أن يضغط زر الإعادة
كما بلغت مديونية الدول أرقاما غير مسبوقة عند ما يقارب 300 ترليون دولار، بما يعادل 355% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، بفوائد منخفضة في الدول المتقدمة، راكمتها التزامات التعامل مع الجائحة. هذا يعني مزيدا من التعقيدات والصراعات، إذ تشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن هناك 120 مليون شخص أصبحوا تحت خط الفقر نتيجة للجائحة. كل هذا يمهد إلى عالم ما بعد كورونا، فنحن في منعطف تاريخي متسارع الخطى.. تقدم تكنولوجي مذهل، وفجوات تنموية أعمق، وشرق أوسط جديد، ولا أظن أن لبنان سيصمد مع كل هذا النخر الذي يصيب ما تبقى من بنيانه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. أما عن الإنسان العادي، فإن جميع قرارات حياته اليومية تأثرت بهذه الجائحة، هذا إذا لم يفقد عزيزاً عليه. جدول يوميات حياته ما عاد كالسابق، توقيت عمله ومكانه، مدارس أولاده، مواعيد سفره. هل سيرجع كل ذلك هكذا ببساطة؟ سيتغير التعليم، والنظام الصحي، وعمل البنوك، وكل شيء تستطيع التكنولوجيا أن تغيره ستغيره، لكن بوتيرة أسرع. وجد الإنسان العادي مساحة لأخذ النفس من لهاث الحياة، راجع نفسه، واتخذ قرارات جديدة.. تعلم الإنسان، أو بالأحرى استرجع ضرورة أن يقضي وقتا لنفسه بعيدا عن عبودية العمل.. كل هذا سيخلق مشاهد جديدة في كل أنحاء العالم، سيشهد هجرات للمختصين الذين يعملون عن بعد، مبتعدين عن أجواء البرد القارسة إلى المعتدلة في الدول الآسيوية، التي يتوفر فيها النت والخضرة، والوجه الحسن للحياة البسيطة. تشكل الحياة الاجتماعية جانبا كبيرا من حياة الناس في دول الخليج والدول العربية بشكل عام. هذه الجائحة حاولت أن تغير عادات هذه الشعوب، حين فشل معها الكثير من الأساليب، كثيرون حاولوا أن يبقوا على نمط زياراتهم وأتراحهم وأفراحهم نفسها، إلا أن كثيرين كانت كورونا بالنسبة لهم إثباتا لصحة مواقفهم من عبثية إضاعة الوقت والمال في المناسبات، إلى أي حد ستتأثر الجوانب الاجتماعية؟ هل بالسلب أم بالإيجاب؟ وهل أدرك من يفتقد هذا التواصل أهميته، وهل أدرك المبالغ في تواصله ضياع وقته؟ ستعيد الدول مراجعة خططها وأولوياتها تماما، كما فعل الإنسان لنفسه ولعائلته، فنحن نعتقد أن الدول لا تشبه الإنسان. ستتغير قوانين العمل وبيئاته، كما ستتغير حقول استثمارات الدول.. ستتغير التصاميم العمرانية للبيوت، وكيفية العيش فيها، إذ يرغب الإنسان الآن في مساحات خضراء أكثر من قبل. استنشق الإنسان بعضا من الهواء الأقل تلوثا، حين توقف المرور أياما وأسابيع في مشهد لافت لانقشاع ضباب التلوث من مومباي ونيودلهي وبكين. هذه الأسباب خلقت احتياجا ووعيا بيئيا غير مسبوق، إلا أن الاحتباس الحراري سيسيس، كما سيست ملفات قبله. وأكثر ما تغير وسيتغير سلسلة التوريدات في العالم، إذ كانت وما زالت هذه الجائحة تشبه وضع الحرب للدول، غير أنها ليست محاكاة، بل إنها واقع. فهمت الدول مَن سيلوي ذراع مَن وكيف، وما هو الأمن الغذائي، وأهمية الأمن الدوائي والعلاجي، وبيد مَن مصانع الأدوية» توقف الكثير من الرحلات والاجتماعات، وبات طبيعيا أن لا يرتحل الناس من أجل حضور اجتماع أو مؤتمر، وتجنب الكثير من المجاملات، وعاد في مقدور الإنسان استغلال وقته بشكل أكثر كفاءة من قبل. ولا أدري إلى أي حد رصدت مراكز البحوث هذه التغيرات، فكل محكوم بمكانه، فلا يحس الإنسان سوى بمحيطه. سيكابر الإنسان ويحاول الرجوع إلى حياته الطبيعية منتصرا، وأقوى من قبل، لكنه لن يستطيع أن يضغط زر الإعادة. سترجع الحياة بلا شك لكن بحلة جديدة، وظروف شكلت واقعا مختلفا، وسنضحك ونبكي حين نبدأ في استكشاف ما فقدنا. الأهم أن نتعلم التأمل، وأن لا يجرفنا تيار الحياة، من دون أن نعي ما يجري حولنا، خذ نفسا عميقا فنحن في زمن مدهش في تسارعه وواجم في فجواته.. من لا يتعلم كيف يسرع في التأقلم، ولا يعتمد على نفسه في تطوير ذاته يعيش غريبا في زمن الثورة التكنولوجية الرابعة. عصر اللامسبوقات، إن صحت التسمية، فما هي استعداداتك ـ اللامسبوقة – لما بعد كورونا؟
كاتبة عمانية
“فنحن في منعطف تاريخي متسارع الخطى.. تقدم تكنولوجي مذهل، وفجوات تنموية أعمق، وشرق أوسط جديد، ولا أظن أن لبنان سيصمد مع كل هذا النخر الذي يصيب ما تبقى من بنيانه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. ”
لماذا لبنان بالذات؟ ما دخل لبنان ولماذا تم إقحامه فجأة في هذه الفقرة بلا تمهيد؟!
فقط هذه ملاحظتي وباقي المقال جميل ومعلومات طيبة.
شكرا لمرورك
لانه لبنان على وشك مرحلة ما بعد الانهيار
ملاحظة دقيقة من السيد منير، ورد الكاتبة مستهجن وعلى رأي المثل: “أتت لتكحلها فعمتها” لأنه لا علاقة لإنهيار لبنان بالكورونا أبداً فسبب إنهيار لبنان سياسي محض ويتلخص في الإستعصاء في تشكيل الحكومة والمعرقل لهذا التشكيل معلوم حزب الله أو إيران أم عون و صهره فهم مجرد دمى بيد المعرقلين! ما كان ينبغي على الكاتبة حشر لبنان بموضوع الكورونا فالكثير من الدول تضررت وبشدة فلما حشر لبنان كمثل؟
معظم مراكز البحوث العربية انشغلت بالاجازات والاقفال في ظل التغييرات الكونية التي تحدث. في احسن الظروف، هذه المراكز لا تزال تعمل كالمعتاد، وكأن العالم لا يمر بمرحلة غير مسبوقة من الاضطرابات الهيكلية وتداعياتها على الفرد والاسرة والمجتمع والاقتصاد والبيئة والسياسة والنظام العالمي. وتنظر هذه المراكز الى هذه التغييرات العاتية من منظور الدودة وليس من منظور النسر. اخر ما يحلل هو الاسباب الجذرية -ذنوب البشرية وفسادها وطغيانها- والنتائج يتم التبخيس في تقديرها.
سؤال هام : اذا تعرض متلقوا اللقاح الكامل كما وصفت الحكومات والدول الى الوفاة والافلاس المالي بالمئات والالاف بسبب اثر التحورات المتلاحقة او لسبب اخر .. من المسؤول والملام عندئذ ؟!
مقال يتضمن مضامين مهمة وجب الوقوف عندها فعلا، ولابد من تغيير ثقافات كثيرة، من أجل مسارات حياتية ملائمة، مع التركيز على الجانب المالي والسيولة المالية لدى الأفراد من أجل حياة سعيدة.