بعد فوزي بجائزة النيل للآداب تلقيت دعوات كثيرة لحوارات ولقاءات، اعتذرت عن كثير منها. حضرت القليل منها لأنها مناسبة لقدرتي على الحركة التي ما زالت متأثرة بالعمليات الجراحية التي أجريتها. ومما أسعدني تكريم لي وللمخرج داوود عبد السيد، في حزب الكرامة المصري، التقيت فيه بأصدقاء كان لهم ولا يزال تأثيرهم في الحركة الوطنية منذ السبعينيات وحتى الآن. ثم تلقيت دعوة من كلية آداب الإسكندرية لتكريمي، لم أستطع التراجع عنها، لأن للكلية تاريخا جميلا معي، ولأساتذتها الذين لم يبق منهم غير الدكتور فتحي أبو عيانة أستاذ الجغرافيا، وأبو الحسن سلام أستاذ المسرح. الأجيال التالية تعرفني ولو عن بعد، والكثير منهم قرأوا أعمالي وكتبوا عنها.
لسنوات لم أذهب إلى مكتبة الإسكندرية. بالضبط منذ تولاها الدكتور مصطفى الفقي بعد الدكتور إسماعيل سراج الدين، كنت عضوا في جماعة دراسات البحر المتوسط فوجدت كثيرا من الأساتذة الكبار يبتعدون عن المكتبة، فابتعدت دون تعليق. الآن ترك مصطفى الفقي المكتبة وجاءتني دعوة لندوة تديرها سحر شريف، التي أخبرتني بتكريم كلية الأداب. قلت فليكن المشواران معا. كانت ندوة المكتبة في اليوم السادس والعشرين من شهر يوليو/تموز الماضي حضرتها مع الصديقين الروائي الرائع حسام العادلي الفائز بجائزة الدولة التشجيعية عن روايته الجميلة «نجع بريطانيا العظمى» والكاتب والمخرج المسرحي المجدد جمال ياقوت الفائز بجائزة الدولة للتفوق، عن أعماله المسرحية.
وصلت قبل الندوة بساعة وطلبت مقعدا في الفضاء أمام باب الدخول إلى قاعة الندوات، فإذا بالطريق يزدحم من الشباب الذين غبت عنهم كثيرا، وبدأو يأخذون الصور معي ويقدمون لي كتبا اشتروها من معرض الكتاب الذي كان قائما في المكتبة. الجلوس الطويل يتعبني والوقوف يتعبني فأخذني الكاتب محمد غنيمة المشرف على المعرض والندوات، وزملاؤه إلى غرفة اجتماعات مغلقة أجلس فيها وحيدا أتمدد على المقاعد حتى تبدأ الندوة. طالت الندوة وكنت أبدو متعبا أتحرك في جلستي كثيرا غير قادر على الاستقرار على وضع واحد. حضر الندوة شباب كثيرون وأدباء واساتذة أصدقاء مثل أبو الحسن سلام والشاعر فوزي خضر والقاص منير عتيبة والكاتب الشاب آسر مطر والباحث في التراث الفرعوني عمرو مدكور والأديب زميل مسيرة العمر سعيد سالم وأسماء كثيرة. كان واضحا أن عددا كبيرا من الشباب في الندوة ينتظرون انتهاءها لأقوم بالتوقيع على كتب اشتروها، أو التصوير معي، ما سيسبب لي تعبا كثيرا. أخذني المسؤولون بعد الندوة من الباب الخلفي للقاعة إلى سطح المكتبة حتى ينصرف الجميع، لكن الشباب من الجنسين لم ينصرفوا، وعرفت فطلبت أن يخبروهم بمكاني وسأفعل لهم ما يريدون. صعدوا إليّ وتماسكت. وقَّعت لهم الكتب وتصوروا معي وكانوا وهذا هو المدهش جدا ما بين الخامسة عشرة والعشرين من أعمارهم. أدهشني ذلك وأسعدني جدا، وكتبوا هم بعد ذلك عن هذا اللقاء ونشروا صورهم معي على صفحاتهم في فيسبوك. في اليوم التالي ذهبت إلى كلية الآداب وكان التكريم لي ولريم بسيوني الكاتبة القديرة عن المماليك أو مصر القديمة، فهي من خريجي الكلية قسم اللغة الإنكليزية وفائزة بجائزة الدولة للتفوق، ومعنا أيضا المخرج جمال ياقوت فهو من خريجي الكلية. التقينا بالأساتذة هناك ، وبعميد الكلية هاني خميس، وفتحي أبو عيانة وغيرهم ممن حضر الندوة وتم التكريم بشكل رائع. كان من بين الحضور المخرحة والروائية دينا عبد السلام، وهي أستاذة أصلا في قسم اللغة الإنكليزية وتكتب الرواية وتخرج الأفلام الروائية القصيرة.
انتهت الجلسة السعيدة بزيارة محل محمد أحمد للغداء بالفول والفلافل طقس الإسكندرية واللقاء مع ابنته دينا، وكان عليّ في المساء أن أذهب ومعي زوجتي إلى النادي اليوناني حتى تكتمل زيارة الإسكندرية. صحبني الكاتب سمير لوبا الذي لم يفارقني أبدا منذ ذهبت إلى المدينة والتقينا بصديق سكندري هو سمير، الذي أسميه من زمان سمير الإسكندراني، كان يفتتح مطعما في باريس لا تمر زيارة لي لها إلا وأذهب إليه.
أفلامها تطوف مهرجانات العالم وتحصل على جوائز كبرى وآخرها فيلم «وش القفص» الذي حصد الجوائز في مهرجانات عالمية عديدة، ناهيك من مصر. هل انتهت مهمتي التي لم تفارقني فيها زوجتي اتكئ عليها من ناحية وعلى عكازي من ناحية. خرجت من تكريم الجامعة إلى مقهى ومطعم اتنينوس الذي تربطني بصاحبه يعقوب نصار علاقة قديمة عظيمة، والذي فيه كتب نجيب محفوظ رواية «ميرامار» والذي توافد عليه مشاهير الدنيا حين كانت هناك في الإسكندرية جاليات أجنبية، ولا تزال تأتيه الوفود السياحة لسمعته التاريخية، والذي صورت أنا فيه حوارات عن الإسكندرية أكثر من مرة. التقيت هناك بعدد من الأصدقاء بينهم من كان بالامس معي مثل الكاتب سعيد سالم والناقد رشاد بلال، أو بالنهار مثل المخرجة دينا عبد السلام أو غيرهم. أهدتني الشاعرة بشرى بشير ديوانين لها بعنوان «عاصفة الرحيل» و»اسقني يا غدي» وأهدتني الكاتبة إيمان أحمد يوسف مجموعة قصصية بعنوان «بكاء الشجر» وكتابين مهمين أحدهما عن الشاعر السكندري محمد مكيوي، والثاني عن الملحن ومؤرخ الموسيقى السكندري جدها خليل المصري، كما أهدتني الكاتبة أمينة الزغبي كتابا عن نخبة من كتاب الإسكندرية بعنوان «ما وراء الأقلام» وأهداني سعيد سالم صديق الرحلة الجزء الأول من أعماله الكاملة الصادر من هيئة الكتاب، الذي يضم ثلاث روايات هي «الشيء الآخر» و»المقلب» و»استرسال» وكنت في الليلة السابقة قد أهداني الكاتب الشاب محمد غنيمة كتابين له عن موضوعات تاريخية أحب القراءة فيها عنوانهما «ذاكرة النخبة» و»عروش تتهاوى» كما أهداني الكاتب سمير لوبا الذي لم يفارقني أبدا فكان خير السند، مجموعته القصصية «البحر بيضحك ليه» كما أهداني الكاتب علي صيام رواية «العدالة السوداء» والكاتب أحمد سلام رواية « اللاجونا «.
كنز من مطبوعات غائبة عني لأنها في الاسكندرية ولأني لم أعد أسافر منذ سنوات ولا أحضر معارض أو ندوات. سهرنا اللية في بيت محمد عوض، وحضرت سحر حمود ة وعزة الخولي واختها عائشة الخولي، ممن تركوا العمل في مكتبة الإسكندرية وآخرون. أخذنا الحديث عن المدينة كيف كانت وكيف صارت، وكانت ليلة ممتعة. قلت فلأكتفي بذلك وأعود لكن ثلاث كاتبات شابات طلبن مقابلتي وأنا أحب كتاباتهن، فاخترت هذه المرة مطعم وكافيه ديليس. تقابلنا في الصباح وجلسنا جلسة جميلة انتهت بسرعة لمواعيد أخرى وحصلت على رواية «مساكن الأمريكان» من مؤلفتها هبة خميس المنشورة في دار الشروق، ورواية «الطائفة» من جيلان الشمسي المنشورة في دار العين. كانت الشابة الثالثة هي ميّ المغربي الكاتبة والفنانة. أهدتني ميّ المغربي لوحة تجريدية جميلة من إبداعها ولم تكن تعرف أني اقرأ مقالاتها وحدثتها فسعدت جدا. انتهت الجلسة السعيدة بزيارة محل محمد أحمد للغداء بالفول والفلافل طقس الإسكندرية واللقاء مع ابنته دينا، وكان عليّ في المساء أن أذهب ومعي زوجتي إلى النادي اليوناني حتى تكتمل زيارة الإسكندرية. صحبني الكاتب سمير لوبا الذي لم يفارقني أبدا منذ ذهبت إلى المدينة والتقينا بصديق سكندري هو سمير، الذي أسميه من زمان سمير الإسكندراني، كان يفتتح مطعما في باريس لا تمر زيارة لي لها إلا وأذهب إليه. أغلق سمير المحل بحكم السن والتعب وكورونا وجاء ومعه زوجته الفرنسية لقضاء بعض الوقت في الإسكندرية. رحنا نستعيد الذكريات وانصرفنا سعداء. أخذت طريقي إلى القاهرة أشعر كما لو كنت ولدت من جديد، أفكر كيف لا ينقطع القراء مع الزمن. كيف لمن في هذا السن الصغيرة يهيمون بقراءات جادة. جلوسي مع أصدقائي القدامى رائع بعد انقطاع طويل، لكن مقابلة قراء من الجنسين أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين بالكثافة التي قابلتني، منحتني شعورا بالبهجة والرضا العظيم. منحتني الأمل في مستقبل أفضل للأدب والأدباء والقراءة. هل سأكرر الزيارة إلى الإسكندرية، أو هل سأخرج من عزلتي؟ أتمنى ذلك أو أتمنى أن أستطيع.
روائي مصري
شكرًا أخي إبراهيم عبد المجيد. والله يعطيك الصحة والعافية وطول العمر. ياااه كما يقولون في مصر كل هذه الأسماء والكتاب والفناننين وهذا الكم من الأدب والفن ولانعلم عنه إلا القليل. شعرت بأني انتقلت إلى كوكب أخر، لقد ابعدتنا الغربة كثيرًا ولم نعد نعرف ونتابع أو نسمع إلا القليل عن الأدب والفن والثقافة في بلداننا.