جاء في «لسان العرب» اللون هيئة كالسواد والحمرة، ولونته فتلون، ولوّن كل شيء ما فصل بينه وبين غيره. وقد عرف العرب الألوان الأساسية والثانوية، إذ نجد في اللغة العربية معجما للألوان، مثال ما ورد في كتاب «المخصص» لابن سيدة، وكان لدى اللغويين العرب القدماء إحساس بوجود ألوان أصول، وألوان فروع، وقد أشار الدكتور عبدالحميد إبراهيم في كتابه «قاموس الألوان عند العرب» إلى أربعمئة وتسع وثمانين مادة مضبوطة ومشروحة تدور حول اللون، كلها مستقاة من اللغة العربية، ومن معارف الجزيرة العربية.
كان اللون الأزرق لونا مركزيا في الحضارة الرافدينية في العراق القديم، إذ كانوا يجلبون حجر «اللابيس» الأزرق من أفغانستان، لكن تجدر الإشارة إلى أن اللون الأزرق لم يكن معروفا عند الإنسان القديم، قبيل نشوء الحضارات القديمة، والدليل على ذلك أنه نادر الوجود في رسومات الكهوف الأولى، وتحديدًا في أوروبا، لكن ومن جانب آخر، كان المصريون القدماء يحبون اللون الازرق ويفضلونه، وهم أوّل من تفاءل به، وقد وجدت الأحجار الزرقاء والفيروزية بكثرة بين مقتنياتهم، بينما بقي اللون الأزرق منبوذًا لوقت طويل في أوروبا، واعتبره الرومان لون البرابرة، أو غير المتحضرين، حتى أن الأوروبيين لم يعتبروه لونًا كالأبيض والأحمر والأسود. لكن بعد انقضاء العصور الوسطى، حدثت ثورة مفاهيمية وتغيّر كل شيء، إذ شهد القرنان الثاني عشر والثالث عشر، تكريس اللون الأزرق، بسبب التغير الذي حصل في نسق الأفكار الدينية والعقائدية التي صارت ترى أن النور هو»الأزرق» ولأول مرة لوّن الرسامون السماء في لوحاتهم بالأزرق، بعدما كانوا يلوّنونها بالأسود والأحمر والذهبي والأبيض. وقد صارت نوافذ الكنائس تطلى بالأزرق، كما كثر استخدامه في الرسوم الدينية، وتحديدًا لتلوين ثوب «مريم العذراء» في أيقونات عصر النهضة.
كلما كان قاموس شعب ما زاخرا بالتدرجات اللونية، كان ذلك دليلا على ازدياد الوعي وللألوان دلالات ورمزية سياسية واضحة
وفي ذروة الثورة الصناعية في العالم الحديث منتصف القرن التاسع عشر، ابتدأ استعمال نوع من القماش القطني ثقيل النسيج، كان يستخدم في البداية لصناعة الخيام، إلا إنه أستخدم حينذاك لصناعة ملابس العمل أولا، ثم شاع استخدامه في شتى مناحي الحياة، وقد أعطى اللباس الجديد، اللون الأزرق ذروة مجده، إنه «الجينز» الذي عرف أولا بأنه لباس المغامرين، ممن يكدون على حواف الأنهار في حمى البحث عن الذهب في الولايات المتحدة، كما أنه شاع لاحقا كلباس لرعاة البقر في أمريكا الشمالية، وكان يتميز بقوته وتحمله لمشاق حياة الرعاة، لكن يبدو أن معظم الأمريكيين أحبّوا «الجينز» وتبنّوه، فصار منذ ثلاثينيات القرن الماضي لباس أوقات الفراغ، بعدما كان لباسا العمل تحديدًا، وكانت ذروة مجد «الجينز» مع ثورات الشباب في ستينيات القرن العشرين، عندما أصبح لباس جيل التمرّد بامتياز.
إن تطور الوعي اللوني لدى الشعوب، يقدم مؤشرا واضحا على الصعود في سلم الثقافة أو التحضر، وكلما كان قاموس شعب ما زاخرا بالتدرجات اللونية، كان ذلك دليلا على ازدياد الوعي، وبالتالي ازدياد التحضر، وقد أشار بريت برلين وبول كيه في دراستهما عن الوعي اللوني في الحضارات الإنسانية إلى ذلك، إذ وجدا أن في جميع لغات العالم توجد إشارة واضحة، أو اسم للدلالة على الأبيض والأسود، وفي مرحلة متقدمة على ذلك يمكننا أن نعثر في لغة المجتمعات الأكثر تطورا على ثلاثة أسماء، إذ يكون اسم اللون الثالث هو الأحمر، وبعدها في سلم تعقد الحضارة بإمكاننا العثور على اللون الرابع والخامس وهما الاخضر والاصفر، ثم يأتي اللون السادس وهو الأزرق، وبعدها اللون السابع وهو البني، وبعد ذلك يمكننا العثور على الاشتقاقات اللونية الثانوية مثل البرتقالي والرصاصي، إلخ. ويرى هذان الباحثان أن كل لغة من لغات العالم تنتمي إلى إحدى المراحل السبع المشار لها، وأن كل لغة مرّت بمراحل تطور في إشاراتها اللونية، لابد أن تكون قد مرّت بالمراحل السابقة. وللألوان دلالات ورمزية سياسية واضحة، باتت معروفة ومتداولة، ويمكننا الإشارة إلى حادثة إسناد الخليفة العباسي المأمون ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا، وهو الإمام السابع لدى الشيعة، إذ نشاهد أن هذا الحدث (السياسي/التاريخي) أحدث انقلابا لونيا، فقد أمر المأمون جنده بطرح السواد وهو لون ورمز بني العباس، ولبس الأخضر الذي ارتبط تاريخيا بالعلويين، وألزمهم بذلك. وكان المأمون وقتها في خراسان، وقد حدث انقلاب مضاد في البيت العباسي، قام به عم المأمون، إبراهيم بن المهدي، الذي سعى لخلع المأمون وطرح نفسه خليفة بديلا، وتلقب بالمبارك الذي أمر بالرجوع إلى السواد، لكن انقلابه فشل، وبقي الحال على ما هو عليه حتى وفاة علي بن موسى الرضا، وعندها عاد العباسيون إلى لبس السواد، ونبذوا لون العلويين الأخضر. وفي البيتين الشهيرين للشاعر صفي الدين الحلي:
سَلي الرّماحَ العَوالي عن معالينا واستشهدي البيضَ هل خابَ الرّجا فينا
بِيـضٌ صَنائِعُنا، سـودٌ وقـائعُنا خِــضــرٌ مَـرابـعُنـا، حُــمرٌ مَـواضـِينـا
يمكننا التعرف على تأثر الثقافة العربية الإسلامية بالألوان، ويمكننا قراءة ذلك تاريخيا من الإشارات اللونية لرموز المذاهب الدينية والسياسية، فالأبيض هو شعار الأمويين، والأسود هو شعار العباسيين، والأخضر هو شعار العلويين والفاطميين، أما الأحمر، فقد اختاره العثمانيون للتميز عمن سبقهم. وقد باتت خلطة هذه الألوان المعتمدة على بيتي الحلي مادة لونية لكل أعلام ورايات الدول العربية في العصر الحديث. كما تجدر الإشارة إلى التمييز اللوني تاريخيا في قول النحوي الأندلسي أبو الحسن الحصري:
إذا كانَ البياضُ لباسَ حزن بأندلسٍ فذاك من الصَّواب
ألم تَرنِي لبستُ بياضَ شَيبي لأني قد حَزِنت على الشَّبَابِ
وكان لبس البياض يشكل موقفا سياسيا اتخذه الأمويون في الأندلس، رفضا لشعار بني العباس، لذلك اتخذ من البياض رمزا مضادا للون العباسيين الأسود، وأصبح لبس البياض عادة الحداد عند أهل الأندلس في الحزن على موتاهم، وقد استنوا ذلك من عهد بني أمية قصداً، لمخالفة بني العباس في لباسهم السواد.
إن رمزية اللون السياسية مستمرة في تاريخنا الحديث والمعاصر، فقد أصبح اللون الأحمر يشير للحزب الشيوعي، منذ أن أصبح علم الاتحاد السوفييتي أحمر، ويحوي منجلا ومطرقة في زاويته العليا بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1917، والعراقيون يتذكرون الهتاف الذي انتشر مع المد اليساري في نهاية خمسينيات القرن الماضي، (أحمرعلمنه.. بي منجل وجاكوك.. أحمر علمنه). وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وهي، أن اللون الأحمر لم يكن رمزا تاريخيا للثورات، لكنه أصبح كذلك إبان الثورة الفرنسية وما بعدها، إذ كان اللون الأخضر هو لون الثورات في أوروبا قبل الثورة الفرنسية، ومنها على سبيل المثال، الثورة الإنكليزية التي أطاحت بالملكية، وأعلنت الجمهورية عام 1648 بعدما أعدم الملك تشارلز الأول في وايتهل، بالقرب من وستمنستر عام 1649، وحينذاك كان أتباع كروميل من المناهضين للملكية يرتدون ملابس تزينها أشرطة خضراء علامة لتبني الثوار اللون الأخضر. كما شهد العقدان الأول والثاني من القرن الحالي ظاهرة سياسية لونية بامتيازعرفت بـ»الثورات الملونة» مثل الثورة الوردية في جورجيا، والثورة البرتقالية في أوكرانيا، والثورة الزهرية في قيرغيزستان. كما أطلق البعض اسم الثورة الزرقاء على حركة المطالبة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية في الكويت عام 2005، وأطلق اسم ثورة الزعفران على تحرك المعارضة في مينمار عام 2007، وأطلق على حركة الاحتجاجات في التبت عام 2008 اسم الثورة القرمزية، والثورة الخضراء على حركة الاحتجاجات التي حدثت عام 2009 ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل.
كاتب عراقي
الإشكالية على أرض الواقع، في أجواء العولمة، هي عقلية الضبابية أو سياسة اللعم (جمع نعم/لا)، هو أول ردة فعل على ما ورد تحت عنوان (اللون بين التاريخ والسياسة) والأهم هو لماذا؟!
من حق أي كاتب وضع بهارات في أي عنوان، لمقاله، ولكن الأهم، هو المصداقية بموضوعية، وشفافية في جمع كل زوايا أوجه الموضوع، تحت العنوان،
حتى من يريد أن يفهم الموضوع، بتفاصيله، بعيداً عن بهارات جذب العنوان،
هنا تظهر نوعية وجودة وكفاءة مهنية الإعلام، ما بين وسيلة وأخرى، في أجواء سوق العولمة الحر،
تم احترام وتقدير موقف (الملك حسين) في الأردن عام 1991، وموقف (الرئيس رجب طيب أردوغان) في تركيا عام 2003، لأنّه كان واضح، وغير ضبابي مثل بقية رؤساء دول المنطقة، في مشاركة أمريكا في حربها ضد العراق،
لأن (صدام حسين)، كرئيس دولة الحداثة، ضرب مفهوم (الهوية) عام 1980 من زاوية، وفي عام 1990 ضرب مفهوم (الهوية) من زاوية أخرى،
للإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية في دولة الحداثة، وفق محدّدات (سايكس وبيكو)، بعد تقسيم الدولة العثمانية،
وهو أول تعليق لي على ما ورد تحت عنوان (الهوية معادلة معقدة) والأهم هو لماذا؟!
الكاتبة من البحرين، والبحرين من ضمن مجلس التعاون في الخليج العربي،
الذي تم تأسيسه، بعد إحتلال المسجد الحرام في مكة، بواسطة فكر (المهدي) وجهيمان، في بداية عام 1400 هجري،
في نفس الفترة، تم تأسيس دولة ولاية الفقيه في إيران عام 1979، بعد عودة (الخميني) من فرنسا، بأموال (معمر القذافي)، عنداً وكيداً ومنافسة (لصدام حسين)،
تم إعلان الحرب العراقية الإيرانية، بين عام 1980، وحتى 8/8/1988،
تم سحب الجنسية العراقية، وتسفير، بطريقة وحشية، كل من كان مدوّن، في شهادة الجنسية، أنّ عائلته لم تملك الجنسية العثمانية،
وفي يوم 2/8/1990، ابتلع (صدام حسين)، دولة من دول مجلس التعاون في الخليج العربي، في أربع ساعات،
وتم إلغاء الجنسية الكويتية، عام 1990، كما حصل مع إلغاء الجنسية العراقية، عن عدد مماثل تقريباً، لما حصل عام 1980، سبحان الله،
(نوري المالكي)، من أجل القضاء على مقاومة قوات الإحتلال، أثناء فترة حكمه،
جمع رؤساء العشائر، في المناطق التي تواجد فيها (مصعب الزرقاوي)، وهدّدهم، بتكرار ما قام به (صدام حسين)، من سحب الجنسية والتسفير،
وبعد ذلك، يسأل غبي، كيف سقطت يوم 9/6/2014، وهي المحافظات التي لم تسقط، وتقبل بحكم غوغاء (اللا دولة) عام 1991، أو بعد 9/4/2003؟!??
??????
” قول النحوي الأندلسي أبو الحسن الحصري:
إذا كانَ البياضُ لباسَ حزن بأندلسٍ فذاك من الصَّواب
ألم تَرنِي لبستُ بياضَ شَيبي لأني قد حَزِنت على الشَّبَابِ ” إهـ
شكراً للكاتب على المعلومات!! ولا حول ولا قوة الا بالله