عقدت الدورة الرابعة والعشرون للمؤتمر القومي العربي في القاهرة يومي 1 و 2 من شهر حزيران/ يونيو 2013 الحالي، وحضرها اكثر من مئتي شخصية عضو فيه، وضيوف وأصدقاء وإعلاميون وغيرهم، واحتفت ايام انعقادها بحضور واسع، وتحوّل مقــــــرها الى ورش نقاش وجدل ولقاءات صداقة ودعوات اعتزاز ومودة، لا يعرفها إلا من يعيشها او يراها عن قرب لا بأحكام مسبقة وقرارات جاهزة وتهم محنطة. انها الدورة الرابعة والعشرون للمؤتمر، وكل عام منذ تأسيسه يعقد دورة له، والمؤتمر الان شب ونضج، ولا بد ان يعمل اعضاؤه وأصدقاؤه على مواصلته وديمومته، فهو بالأساس فكرة ومشروع مرجعية فكرية عربية، بدأت لتيار عريض في الواقـــع العربي، وتوسعت لتضم التيارات الفاعلة في هذه الامة وعلى امتداد الوطن العربي، وأطلق عليها مفهوم الكتلة التاريخية، القادرة على تحمل المسؤولية التاريخية ومهمات النهضة الحضارية العربية، وفي اطار مشروع النهضة وأهدافه الستة المعلنة، الوحدة العربية، والديمقــــراطية، والتنمــــية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي والتجدد الحضـــاري. ومهما اضفنا من مهمات او تعديلات على مفاهيمها او طروحاتها فانها كلها تصب في الفكرة ذاتها وفي إطارها والمساعي التي يتطلب انجازها او تحقيقها عمليا، وتخدم في النهاية الامة وأجيالها والوطن ومستقبله. فلا تشغله غيرها وان اختلفت المسميات، ولا توقفه الاختلافات او التباينات مهما طرحت وارتأت داخل اطاره وفي حدود مسيرته ومنهجه. في كل الاحوال المهم هو العمل عليها بما يضعها في الصالح العام ويهدي بها السبيل لنهوض الأمة وصيانة الوطن، لاسيما بعد كل ما حصل وجرى من تغييرات وتحولات تاريخية، خصوصا في بعض الاقطار. المؤتمر في هذه القضايا والأهداف التي يطرحها او قام عليها، يؤكد اهميته وضرورته في الواقع العربي الراهن، كأكبر تجمع عربي مستمر، بأعضائه ومساهماتهم في الحراك الشعبي، او في المواقف الواضحة في المنعطفات الحادة في تاريخ الصراع السياسي والتحديات المتنوعة التي تستهدف الامة والوطن في آن واحد، وما اكثرها الان وما يخطط لها وما صرف عليها او يبذر من اموال الامة في تخريبها وتدمير مشروعها الانساني الحضاري هذا. ولا يزعم المؤتمر، كما ورد في نظامه وبرنامجه، ان يتحول الى حزب سياسي طامح لسلطة او ناد سياسي او اجتماعي او ‘هايد بارك’ مدفوع الاجر. فمن دلالاته المتميز بها، كما اشار الامين العام الحالي عبد الملك المخلافي في كلمته الافتتاحية: ‘لابد من الاشارة الى ان تجمع المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه قام واستمر بعيدا عن الامكانات المادية او الارتهان لجهة او دولة عربية، او غير عربية، وإنما بإرادة اعضــــائه، وهو احـــد صور الارادة العربية والتوحد القومي، في الوقت الذي تتدفق فيه المليارات لتمزيق الامة وأقطارها ورهن إرادتها’. تعرّض المؤتمر ويتعرض، مع كل دورة الى حملات هجوم ومحاولات احباط أو تعد سافر على نشاطاته وأعماله. اغلبيتها تعكس مدى تأثيره وفعاليته والاخلاص لمبادئه وأهدافه. هذه الحملات لا تنتقده لإعادة بنائه او تستهدف تصحيحه او تجديد اطاراته وصيغه، كما يلاحظ، وإنما تعمل بالضد منه، او ترمي ذلك من دون ان تخبر المتابع بمصداقيتها او أمانتها في الهجوم وصب اللعنات وكيل الاتهامات. قسم منها من اعضاء سابقين فيه او من ممثلين، كما يعلنون، لتيارات مشتركة فيه، او من خارجيين، لهم اهدافهم ورهاناتهم وحساباتهم المعروفة الآن، حيث لم تعد مثل تلك الرسائل لوجه الله فقط، او لحرص او امل او بحث عن بديل سليم. والرد عليها بسيط ومختصر باستمرار المؤتمر ونجاح دوراته وتواصل منهاجه وتطوير ادواته، اذ هي الطريق الى تمتين عراه وتوثيق صلاته وتمكينه من التجدد والتغيير والمواكبة. المهم في المؤتمر القومي العربي انفتاحه على التيارات الاربعة الفاعلة في الوطن العربي، القومي والإسلامي والليبرالي الوطني واليساري، وهذه التيارات لها برامجها وتعبيراتها وأهدافها، ولكنها تجتمع وتلتقي في التجمع الفكري الواسع والفاعل في الوطن للقواسم المشتركة وللأهداف الجامعة وللثوابت المصيرية لها جميعا. وقد استخلصتها من تجارب التاريخ ودروسه التي عاشتها ومارستها في الحقب الزمنية الطويلة، سواء في ما بينها جميعا او بين اطراف منها. وهي اذ تجتمع وتتجمع في المؤتمر لتطرح سوية مفاهيمها المتجددة والمتغيرة والمتطورة لبرامجها وخططها العملية للنهوض والتحرر والتقدم. وتجمع بهذا الحجم والمهمات الثقيلة، يتطلب منه دائما التجدد والتطور والتغيير، في بنائه وآليات عمله وشروط عضويته وخطابه السياسي وتحليلاته للمرحلة التاريخية وحال الامة فيها. كما يقتضي الواجب ان يكون وباستمرار في الواجهة من القضايا المصيرية والمنعطفات الحاسمة، وان يصبح لسان حال الامة في الصعوبات التي تعترضها والانتكاسات التي تسقط عليها والتراجعات التي تضرب اطرافا منها، ويدفع باتجاه تجاوزها والانتصار للمستقبل. مسؤولية تطوير وتجديد المؤتمر تقع على اعضائه ومؤازريه اساسا، ومعلوم ان ضرورة التجديد حالة موضوعية لا بد منها ليأخذ المؤتمر القومي العربي كتجمع فكري كبير قدراته الاكبر والأوسع والأكثر مأسسة وتحديثا مواكبا لمتطلبات العصر والعولمة والتغييرات الجذرية في العالم، اذ لا يمكن الرضا عن النفس في ما تحقق وأنجز وكفى، بل لا بد من الحث على المتابعة والعمل على التحقيق للأهداف والبرامج الموضوعة والمتفق عليها بمدتها وبتسابق مع الزمن فيها. كما ان تنفيذ اجراءات وتغييرات بنيوية في نظامه الداخلي ومشروعه الحضاري أمر ضروري وواجب اساسي. ومن بينها مطالبة اعضائه ومؤازريه (لاسيما من الاثرياء) على رفده بما يتطلبه عمله من الاحتياجات المالية وتطوير ادواته الاعلامية وخطابه التنويري ودوره السياسي ومواقفه الواضحة والمبدأية، من كل ما يدور حوله، وما يتعرض له حال الامة ومكوناتها وتياراتها، وما يحدث من صراعات وانتهاكات وتراجعات. كذلك لابد له من التميز كليا والحرص على نزاهته ونظافته بوضوح من كل من يجاهر او يتبنى المواقف والأدوار التي ثبت بالدليل ارتهانها وارتباطها بالمشاريع والخطط العدوانية والحربية على الامة وثرواتها وتياراتها ومستقبلها. وهذه مهمة اخرى او اصعب في هذه الظروف العربية والدولية المركبة.