الناصرة – «القدس العربي»: تبدي المؤسسة الأمنية في إسرائيل رضاها عن استجابة الإسرائيليين لدعوتهم بعدم التعاطي مع رسائل كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وعدم الوقوع بالفخ، فيما يرى بعض المراقبين أن «الخيول خرجت من الحظيرة « ولم يعد بوسع الاحتلال الاحتفاظ بمعطيات سرية عن المشاركين في عملية التجسس الفاشلة، وقتل قائدها في خانيونس جنوب قطاع غزة.
جاء ذلك بعدما نشرت كتائب القسام صورا لجنود وجنديات من جيش الاحتلال شاركوا في عملية خانيونس السرية الفاشلة. واعتبرت جهات أمنية في إسرائيل ذلك جزءا من «المعركة على الوعي» التي تكرّس لها حماس جهودا كبيرة وبنجاح معين. وعلى خلفية هذه « المعركة على الوعي» يعرب جيش الاحتلال رسميا عن رضاه عن سلوك الإسرائيليين الذين امتنعوا عن نشر صور نشرتها حماس بغية رصد ردود الفعل عليها في الشبكة واستجماع المزيد من المعلومات عنهم.
ويوضح المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشع أن الجيش توقع منذ اليوم الأول بعد عملية خانيونس مبادرة حماس لنشر معطيات حولها، لافتا إلى أن الرقابة العسكرية تحظر الكشف عما كشفته حماس وبالتالي تحليلها.
المعركة على الوعي
وقال يهوشع إن حماس استعدت جيدا لهذا السجال على الوعي، وفي المواجهات الأخيرة أبدت استخداما لافتا جدا لوسائل الاتصال التي توثق عمليات المقاومة وبجودة عالية، كما حصل مع صاروخ الكورنيت قبل أسبوعين، وكذلك في محاولات التأثير على الإسرائيليين التي نجحت في بعضها. وقال إن إسرائيل تحاول استخلاص الدروس من المواجهات الأخيرة مع غزة، وفيها يحتل موضوع الوعي صدارة الأولويات.
ويتابع «لكن الفشل لا يتحمله فقط الجيش في ظل تصريحات وتسريبات ورسائل متناقضة تصدر عن وزراء وأحيانا مست بالإسرائيليين بدلا من التأثير على أهالي غزة الذين استهدفتهم.
وكشف يهوشع أن إسرائيل ستضاعف الميزانية المخصصة للمعركة على الوعي مع غزة، وذلك تزامنا مع مبادرة بعض الأوساط الإسرائيلية للمفاضلة بين عملية خانيونس الفاشلة وبين عملية اغتيال جهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلية «الموساد» القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي، التي فضحت كاميرات الحراسة المتورطين بتنفيذها عام 2010.
ويرفض يهوشع انتقادات بعض هذه الأوساط التي تعتقد أنه لم يعد من الممكن القيام بعمليات كهذه في عصر التكنولوجيا والكاميرات. ويقول إن عمليات جيمس بوند ليست حكرا على الأفلام، مدللا على ذلك بالإشارة لتنفيذ مثل هذه العمليات منذ 2010 وإن كان بحذر أكبر. ويتساءل «يبقى السؤال كيف يتم تحسين العمليات وسط إخفاء أفضل لصور الجنود في الشبكة». ويشكك يهوشع بجدوى أمر الرقابة العسكرية بعدم نشر ما كشفت عنه حماس في عصر التطور الإلكتروني وتدفق المعطيات بشكل فوضوي.
تأجيج حب الاستطلاع
ويتابع «تستطيع إسرائيل بذلك تقليص الضرر فقط لا منعه ويبدو أن الجيش قد استعد لمثل هذه الحالة سلفا قبل عملية خانيونس كما يستنتج من بيان الرقابة العسكرية». ويقول أيضا إن هناك من يتهم الرقابة العسكرية بخدمة حماس من خلال أمر منع نشر ما كشفت عنه ما تسبب بتأجيج حب الاستطلاع لدى الإسرائيليين، لافتا إلى أن الجيش يعرب عن رضاه حتى الآن من استجابتهم بعدم تداول الصور المذكورة.
ويتفق معه المعلق للشؤون الاستخباراتية الدكتور رونين بيرغمان، ويقول إنه لم يعد بوسع إسرائيل الحيلولة بدون الكشف عن تفاصيل حساسة، لأن الخيول قد خرجت من الحظيرة. وللمقارنة يستذكر بيرغمان عميل الموساد فيكتور أوستروبسكي الذي غادر لكندا عام 1990 بعد إبعاده عن العمل به لعدم ملاءمته، فبادر لتأليف كتاب يستند لبعض الحقائق ولتخيلات، وفيه تحدث عن الموساد وكشف أسماء أقسامه وموقعه بين هرتزليا وتل أبيب.
خطوة حمقاء
ويتابع «وقتها رغب الموساد باغتياله لكن رئيس الحكومة اسحق شامير رفض، وعوضا عن ذلك توجهت إسرائيل للمحكمة الكندية طالبة منع نشر الكتاب لأن صاحبه انتهك التزامه بالمحافظة على السرية. لكن القضاة رفضوا الطلب وانحازوا لحرية التعبير عن الرأي، ونتيجة هذه الخطوة الحمقاء زادت شهرة الكتاب وأسبغت عليه المصداقية». ويعتبر بيرغمان ذلك مجرد مثال على فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في منع انتشار مواد بعد وصولها لأيد غير إسرائيلية، كما حصل في عدة عمليات فاشلة كمحاولة اغتيال خالد مشعل.
ويتابع «يمكن فهم خوف إسرائيل من افتضاح الأسرار، ولكن الواقع أقوى، وفي خانيونس وقعت مصيبة لقائد العملية الذي قتل وللجيش. لن تفلح أي محاولة لحجب معلومات حماس عن الإسرائيليين، وهذا لن يقلل من المصيبة فالخيول غادرت الحظيرة ولا مبرر لمحاولة إغلاقها الآن». ويقول إن الرقابة العسكرية تبدي عنادا وتصمم على المحاولة وعلى التحطم مجددا بالارتطام بالجدار ذاته والمحاولة عبثا لمنع نشر ما لا يمكن منعه. ويضيف «هذه المرة لا يدور الحديث عن حرية التعبير كقيمة ديمقراطية أو عن عبث جديد تمارسه الرقابة العسكرية يتمثل بمنع نشر ما نشرته حماس علانية، بل إن الحديث يدور عن ضرر حقيقي لأمن الدولة»، منوها أن مجرد مطالبة إسرائيل لمواطنيها بمنع تداول ما نشرته حماس هو مصادقة على صدقية مزاعمها تماما كمطالبة كندا بمنع نشر كتاب أوستروبسكي عن الموساد.
محاولة عقيمة
وشدد على أن المحاولة العقيمة لوقف النشر تمنح حماس نصرا وعيويا مهما، يضيف «بسبب السياسات الإسرائيلية بحظر نشر جارف من منطلق مفهوم خاطئ بأن هذا فعلا سيوقف النشر، فإن جهاز الأمن لا يستعد كما يجب لقيام حماس بنشر معلومات. لو انطلقنا من فرضية أنه من الممكن أن تنجح حماس في الحصول على معلومات وأنها لن تتردد باستخدامها لإرباك إسرائيل، فكان يمكن الاستعداد أفضل لتقليل الضرر الناجم عن مثل الحالة المطروحة أمامنا». ويرى أنه يمكن بمثل هذه الحالة أن تنشر إسرائيل معلومات مضللة تجعل المواد التي بحوزة حماس موضع شك. ويرى أن محاولة إسرائيل منع التعاطي مع «البضاعة الساخنة» التي تروج لها حماس محاولة ساذجة لأنها تحاول إرجاع الأشباح للقنينة التي خرجت منها.
في المقابل يرى المعلق العسكري في القناة الإسرائيلية العاشرة ألون بن دافيد أن هناك منطقا بمنع الإسرائيليين من الاطلاع على صور الجنود بهدف التداول في الشبكة حولها وتقديم معلومات عنهم تبحث عنها حماس، لاستكمال الصورة الاستخباراتية لعملية خانيونس وطرق عمل الاستخبارات الإسرائيلية.
الأمور بخواتيمها
وتخشى الرقابة العسكرية من أن نشر صور الجنود المشاركين بالعملية الفاشلة من شأنه كشف هويتهم الحقيقية، وهي تسعى لحماية مقدرات استخباراتية أخرى لا سيما أن حماس لم تستكمل حل لغزها بعد.
وقال موقع «واينت» إن إسرائيل تقدر أن حماس تبذل مساعي بالغة للعثور على المساعدين المتعاونين من غزة مع الاحتلال في هذه العملية ممن تعاونوا عمدا أو بسذاجة في عملية خانيونس.
وقال إن الرقابة العسكرية خشيت من قيام إسرائيليين بتشخيص أقاربهم أو جيرانهم في الصور التي نشرتها حماس، وبدون قصد الكشف عن معطيات جديدة عنهم، مما يساعد حماس باستكمال فك رموز العملية المذكورة والمساس بأمن إسرائيل. وأضاف ان المواد التي نشرتها حماس هي صور بطاقات هوية لجنود وصور شخصية أخرى لهم. ويتوافق المعلقون والمراقبون الإسرائيليون على أن الأمور بخواتيمها وبقدرة حماس على الإفادة من فوضى المعلومات في الشبكة من أجل التعرف على تفاصيل ما زالت مجهولة حتى الآن.