لا أدونيس، لا نزار قباني، ولا أي شاعر سوري، أو عربي آخر، حمل في شعره، وفي جسده، نُذرَ الكارثة، السورية والعربية، كمحمد الماغوط. كان عويلاً، وقهقهةً، متلازمين، في آن معاً. كان مرآة في غرفةٍ مليئة بالحصى المقذوف من – وفي- كُلِّ اتجاه..
ركل مؤخرة البلاغة العربية المترهلة، بقدمه الحافية… قدم الصعلوك.
كان- ببساطة- إنسانا لا يشبه إلاّ نفسه.
كان عظيما بطريقته، وشاعرا بطريقته، وما كان يُشبه أحداً سواه:
أنا طفل
ها أنا أمدُّ جسدي بصعوبة
لأدفن أسناني اللبنية في شقوق الجدران
أنا شيخ
ها ظهري ينحني
والمارة يأخذون بيدي
أنا أمير
ها سيفي يتدلى
وجوادي يصهل على التلال
أنا منسول
ها أنا أشحذ أسناني على الأرصفة
وألحق بالمارة من شارع إلى شارع
أنا بطل.. أين شعبي؟
أنا خائن.. أين مشنقتي؟
أنا حذاء.. أين طريقي؟
محمد الماغوط البري كالصهيل، الحزين كدمعة أم، والجارح كالصدق.
ذرفتُ على الخمسين يا محمد، وما زلت أقرأك كما قرأتك أول مرة قبل خمسة وثلاثين! أليس هذا بكثير؟
محمد الماغوط: أيها الساذج كالطفولة المستحيلة..!
في كل قصائده مطلعٌ لا تخطؤه العين، ولا يشبه مطلع شاعر آخر، ففي مرثيته الشهيرة المهداة إلى( السياب) يواجهنا مطلعها الساذج، والعظيم:
يا زميل الحرمان والتسكع
حزني طويل كشجر الحور
لأنني لست ممدا إلى جوارك
لكنني قد أحل ضيفا عليك
في أية لحظة.
إلى أن يبلغ المقطع العظيم الآخر، والشهير، بإطلاق، والذي لا يكتبه سواه :
هل تضع ملاءة سوداء
على شارات المرور وتناديها يا أمي
هل ترسم على علب التبغ الفارغة
أشجارا وأنهارا وأطفالا سعداء
وتناديها يا وطني
لكنْ أيَّ وطن هذا الذي
يجرفه الكناسون مع القمامة في آخر الليل؟
تشبث بموتك أيها المغفل…..
أيها التعس في حياته وفي موته
قبرك البطيء كالسلحفاة
لن يبلغ الجنة أبدا
الجنة للعدائين وراكبي الدراجات.
ما من شاعر أعاد للأرصفة كرامتها المهدورة ، كالماغوط؛ الرصيف في قصيدته مشنقة يتدلى منها مشنوقٌ بريء، يُشبه كُلَّ واحد، جائع، طريد، منا!
كالغربان المولية الأدبار
سأصرخ يا حبيبتي
إذا لم تعطيني سراجك في الليل
وسريرك في الزمهرير
ولقمتك في المجاعات
سأحشو مسدسي بالدمع
وأملأ وطني بالصراخ
إذا لم تعطيني جناحا وعاصفة
لأمضي
وعكازاً من اسنونو
لأعود….
بعكاز من السنونو يعود الماغوط إلى وطنه..!
عتب الماغوط الرومانسي على حبيبته لا يُشبهه عتب آخر؛ لأنه مشتقٌ من قاموسه المتفرد ذاته، بحيث تبدو كل مفردة، وكأنها خارجة كرغيف، للتو، من الفرن:
من أغلق كل هذه الأبواب والنوافذ
وترك دمي وحيداً في العراء
ينبح كجروٍ أحمر في أزقة العروق البشرية.
أنتِ.
من كسى جلدك بالقبلات
وزيَّنه كالستائر الأندلسية
بالشعر والدموع وطعنات السياط؟
أنا.
أنا وأنت يا حبيبتي
حطَّابان مقروران في غابة بائسة
كل منهما يحمل فأساً قاطعة
كحد السيف
ويهوي عليها شجدرة بعد شجرة
وغصناً بعد غصن
دون أن ندري
أن هذه الغابة هي..» حبنا».
هل يخلو شعره من عيوب؟ نعم؛ شعره كله عيوب، لكنها عيوب طفل. مَن نحن حتى نقتل الطفولة في طفل، أو نفرك منقار نسر بالمساحيق… مساحيق عصرنا، وكلَّ عصر آخر، في غرفةٍ مظلمة؟
يا طفلنا الأبدي:
أحبك.
شاعر عراقي
هو نفسه معتز رشدي الذي اترفه دائماً يعشق الحقيقه ولا يبالي ان كانت معفره بالتراب او مزركشه بكل ادوات التنوين والنصب ، مقاله تستحق القرائه في ذكرى طوداً سورياً عربياً ساخراً
لو كانت الموت عاقلة لا تاخد أمثال هؤلاء النبغاء…. نريد لهم طوال العمر حتى نستفيد منهم…