المالكي والأسد: بقاء الكرسي ودمار الوطن

حجم الخط
34

تصعب قراءة ما يجري حالياً في العراق على ضوء «منجزات» رئيس وزرائه المنتهية ولايته نوري المالكي وحدها، رغم طول القائمة الكارثية لهذه الأعمال وأثرها الفظيع على شعبه وعلى المنطقة ككل.
لكن التذكير بأهمها لا يضرّ وهو: جعل العراق، وهو البلد الغنيّ اقتصاداً وثقافة وحضارة، واحداً من أكثر البلدان فساداً وتخلّفا وتراجعاً على كافة الأصعدة.
لتأمين «خطف» البلد «الى الخلف» (في استعارة للمصطلح السينمائي) كان على المالكي أولاً تجميع الصلاحيات العسكرية بين يديه، وتكييف الأجهزة الأمنية لتكون طوع إشارته، وافساد وتطويع مؤسستي البرلمان والقضاء، ليستخدم كل صلاحياته الواسعة هذه في إعادة تكرير الاستبداد العراقيّ المزمن، ولكن بالانتخابات، التي نشهد الكثير منها في المنطقة العربية حالياً!
كان حلّ الجيش العراقي وتصفية الكثير من كوادره العلمية الذي يحسب للاحتلال الأمريكي والاستخبارات الإيرانية والإسرائيلية، الخطوة المنهجية الأولى لإعادة تفكيك العراق وإعادة قولبته، وجاء بعده قانون «اجتثاث البعث» ليكمل مطاردة كوادر الدولة السابقة وأيّ خصم سياسي محتمل، ومع مجيء المالكي اكتملت مركزة الاستبداد والتدمير المنهجي لأسس المواطنة بتدعيم انفصال العراقيين إلى شيعة وسنة وأكراد وتأكيد قانون الغلبة على الجميع.
لكن وزن الاضطهاد الأكبر وقع على المكوّن السنّي الذي تعرّض لإقصاء مبرمج فتح الباب واسعاً أمام التنظيمات الراديكالية السنية المتطرّفة، فأعطى بذلك دينامية كبيرة أحيت سرديّات النزاع القديمة جداً بين السنّة والشيعة، فتحوّلت الصراعات السياسية التي أدواتها الأحزاب والنضالات المدنية والنقابية والاعتصامات والتظاهرات الى خلافات دموية لا يمكن حلّها حول علي وعمر وأبو بكر وعثمان وعائشة وفاطمة، وهو ما أعطى حقنة إنعاش أيضاً لكل أشكال النزاعات في التراث الإسلامي التي مادتها صراعات السنة والشيعة والدروز والنصيريين والزيديين والأباضيين، خالقة جوّاً محموماً من التعصّب الأعمى، أججته مطامح إيران الإقليمية ودعم ميليشياتها من حوثيين وحزب الله ولواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق والحرس الثوري وغيرها، وكذلك فضائيات السلفيّة الطائفية المقابلة، فانتعشت تنظيمات «جبهة النصرة» و»داعش» و»أنصار الشريعة» و»الشباب»، وهو ما خلق مشهداً مرعباً في كل المنطقة العربية وجوارها.
جاءت الثورة السورية عام 2011 لتعطي أملاً كبيراً للعراقيين بإمكانية كسر الطوق الإيراني الممتد من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت، وحاولت بعض المحافظات السنية استخدام طرق الاعتصام والتظاهر السلميّة، كما فعلت الشعوب العربية في غير مكان، فتضافر القمع الأمنيّ مع انعدام التعاطف الشيعي والكرديّ ليقضي على أمل سنّة العراق بإمكانيات العمل السلمي ويشككهم بالهوية الوطنية العراقية أيضاً.
وكما تأثر العراقيون بالثورة السورية، تأثر السوريون بالصيرورة العراقية، فتجادلت التحوّلات التي طرأت على بلاد الشام، من عسكرة وتطييف وتجذّر وتطرّف، مع استعارة خبرات الحركات الراديكالية في العراق، وكان اكتمال ذلك في ابتداع ما سمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي اعتبرها النظام السوري هديّة من السماء لضرب الأسس المدنية والديمقراطية للثورة السورية واستخدامها فزّاعة للدول الغربية تسمح بتعويمه وإعادة تأهيله عالمياً.
وفي المقابل استعار النظام العراقي تكتيكات النظام السوري فتداول الإعلام قصص هروب المئات من أفراد تنظيم «القاعدة» من السجون العراقية، وغيرها من قصص عن هروب حاميات عسكرية وأمنية (كان آخرها هروب الجيش العراقي في الموصل) لاستدراج التنظيم لاحتلال المدن السنّية، ومن ثم محاصرتها واستهداف حاضنتها الاجتماعية بالبراميل المتفجرة والقصف المدفعي وتحويلها الى كمّ اجتماعيّ بائس ومهمل يتلقّى معونات النزوح.
وبذلك تكتمل إنجازات نوري المالكي والأسد وتثبت نجاعتها، وتؤكد أهليتهما لحكم الشعبين للأبد، فالشعب العراقي الذي يعاني الأمرّين من فساد السلطة وتغوّلها وفشلها في تقديم أولويات الحياة الكريمة، من ماء وكهرباء وطرق وسكن وأمن، أعاد انتخاب رئيس وزرائه المزمن، كما فاز شريكه السوريّ في الاستبداد، بشار الأسد، أيضاً برغم مئات آلاف القتلى والرهائن والسجناء وملايين النازحين.
يجسد نموذجا المالكي والأسد في تفكيك وحدة وهويّة بلديهما للحفاظ على الكرسيّ نموذجاً متطرّفاً لكنّه لا يختلف كثيراً عن ممارسات أنظمة عربية وإقليمية، وهو أمر لا يبشّر، أبداً، بالخير لشعوب المنطقة.
يبقى أمر بسيط وحيد يجب تذكير المستبدين به: إذا لم تعامل البشر كآدميين فسيعودون إليك كوحوش، وسيلتهمونك فيما يلتهمون.

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صداميه:

    الله يرحمك صدام العرب ليتك تشوف حال العرب من بعدك !
    ماذا تنتظرون من امه قتل صدامهاا ؟!

  2. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم العراق وسوريا خربتهما ايران في العلن ومن ورائها اسرائيل وامريكا في السر.ايران تعمل طائفيا بالعلن وبالسر تدأب لاعادة امجاد الامبراطورية الفارسية ولن يكون ذلك الا اذا قهرت العرب واذلتهم عبر سحق السنة حاملى الاسلام الحق والاقرب الى فهم الاسلام الصحيح، اسلام محمد (ص) واسلام القرآن الكريم المحفوظ في صدور اهل العلم وكتبهم قديما وحديثا وهي تسعى كذلك لهدم اسس الاسلام الصحيح بواسطة الترهات والخزعبلات الشيعية المحرفة لدين الله الحق وايران تسعى من وراء ذلك الى سحق امكانية انتصار الصحوة الاسلامية وبلوغ اهدافها في كنس الاستعمار وربيبته اسرائيل ولجم التغول الصفوي الارعن والساعي الى اعادة امبراطورية فارس على حساب الوجود العربي الاسلامي مستعينة بالصهيونية العالمية ومتحالفة معها،وفي المقابل على هذه الامبراطورية الفارسية الجديدة ان تتعايش مع اسرائيل وقمع كل ما هو عربي او اسلامي ومهما بلغت درجة وحشية ودموية هذا القمع؛كما هو حاصل الآن في العراق وسوريا
    استهداف الاسلام من اعدائه لا يخفى الا على كل جاهل او مغفل ؛والاعداء في رأيي الشخصي هم الصهيونية العالمية واسرائيل اولا وصفويو ايران واشياعهم وعملاؤهم كالمالكي والاسد وحزب الله وغيرهم ثانيا،والانقلابيون العسكريون ومن يشايعهم من انظمة الفساد والتبعية ثالثا؛يضاف الى هؤلاء الثلاثة اعلاه امريكا وروسيا ومن يدور في فلكهما من الدول الاخرى رابعا
    والعمل هو رص صفوف جنود الصحوة الاسلامية ومواصلة الجهاد وترك النتيجة على الله مع العمل الدؤوب االواعي لكل الاخطار ولكل الاعداء وليكن الشعار هو الثبات على الحق مهما علا زبد الباطل وانتفش وان يمتثلوا قوله تعالى(الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ،فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)

  3. يقول Carawan:

    رد الى محمد علي مسكين المالكي اعجبني تعليك ان ذهب المالكي ويشتكي على سوريا في الامم المتحدة العربان يتهموه بالعمالة لامريكا وان وقف الى جانب سوريا اتهموه بالعمالة لايران شي محير والله اضحكني هذا التعليق . الحل عندي تغير الدستور الطائفي ومشاركة السنة بكل شي بدون تميز او اقصى وان رفضوا الاكراد ابعاد الاكراد وجعلهم يستقلوا ومنع التعامل معهم وطردهم من كركوك .

  4. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    “بقاء الكرسي ودمار الوطن”

    كلمات جميلة عن السياسة والكراسي للفنان التونسي القدير لطفي بوشناق, للأسف بقية القصيدة فيه كلام ومعاني, لكن …

    ‘ابني سألني
    يا أبي أسمع كلام عن السياسة
    وما دريت معنى السياسة يا أبي
    قالو نظام قالو عالم فيه أضواء وظلام
    واختلط في فكري وذهني الكلام
    يا أبي خبرني شو معنى السياسة ؟
    السياسة يا بني تعلم الأنوار والحرية والأمل
    والسياسة تعرف تكون وطن
    وتعلم الناس العمل وتفتح أبواب التحاور
    بين أوجاع المواطن والرئاسة
    والساسة يا بني في أرضنا لعب وكياسة

  5. يقول سامح // الامارات:

    * حياك الله أخي ( أسامة ) وجميع الأخوة القراء والمعلقين .
    شكرا .

  6. يقول Hassan:

    الكرسي هو وطن كل مستبد. وثمة من يعتقد أن للظالم وطن. الوطن زمن رخص الأوطان يجب أن يكون عزيزا ويفتدى بالأرواح. ولن يتحرر الوطن إلا بضرب وطن من يؤيد من لا يهمه الوطن. إيران وبدون ادعاء البعض والمزايدة على إسلامها هي التي قطعت العراق وسوريا ولن تتراجع عما هي ماضية فيه إلا بتفكيكها وعلى العرب أن يتخذوا من إيران موقفا لردعها لأنها هي أداة الصهاينة والأمريكان والغربيين والروس للإجهاز بها على الوطن العربي. دهاء الفرس هو سلاح أعداء العرب الذي استثمروه للقضاء على العرب. أما آن لك يا أمة العرب أن تحدي من تقدم إيران وحلفاءها؟

  7. يقول Salim:

    على الشعوب العربية ان تتقبل الاديان والمذاهب الاخرى
    وتتعايش مع من يدينها بكل محبة واحترام ولن تقوم للعرب قائمة
    طالما يعادون المذاهب الاخرى او يعادون دول الجوار بل يكون هناك تعاون
    فيما بينهم ويجب معادية اي دولة لديها علاقة تجارية مع الصهاينة
    وليس كما ورد بتعليق سامح يريد يعادي دول الجوار لاختلاف المذاهب وهذا المطلب مطلب اسرائيلي ان تقتل الشعوب العربية والاسلامية بعضها
    في سبيل الصهاينة .

  8. يقول محمد طاهات / عضو في رابطة الكتاب الأردنيين:

    بسم الله الرحمان الرحيم , وبالله نستعين , وبعد.
    عجبي عجبي عجبي من بشار الأسد والمالكي والسيسي , اليسوا هم بشر ؟ أليسوا هم عرب ؟ أليسوا هم مسلمين ؟ كيف لهم وهم يحملون هذه المسميات الثلاث يفعلون هذا الفعل ؛ البطش والقتل والدمار والخراب لبلادهم وديارهم وشعبهم العربي الحر الأبي , ألا يجدون طريقا آخر غير هذا الطريق والطرق الأخرى كثيرة ومريحة ومفيدة لشعب عربي حر أنهكته الحروب والاستعمار والقتل والدمار والخراب من شعوب الأرض . أمن أجل ايران ؟ وايران ألم تقم بثورة ضد الطغيان والاستبداد والظلام والخراب ؟ وكلنا صفقنا لها وأيدنا ثورتها . لماذا تريد لنا الخراب ونريد لها العمار ؟ أليسن هي دولة مسلمة ؟ أمن أجل الكرسي والمنصب ؟
    ألم يقل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : لئن تنقض الكعبة حجرا حجرا خير عند الله من أن تهدر كرامة مسلم , فما بالك بقتله وهدم بيته فوق رأسه وتجويعه , إذن والحالة هذه أنتم بريؤون من الاسلام , أم تريدون اسلاما يتلاءم مع مصالحكم وغاياتكم وأهدافكم ؟
    وأنت أيها السيسي كيف تفعل هذا الفعل بشعبك العربي الحر الأبي , كيف لقضائك لاأقول لقضاء مصر أن يحكم خلال دقائق على المئات من المصرين بالاعدام ؟ أي قضاء هذا ؟ أيوجد قضاء في لدنيا لاأقول في الوطن العرب حسب , وتدعي أنك ستقود مصر الى الأمان والتقدم والنهوض وأنت تحكمهم بالكرباج ,.
    لماذا الشعوب تسير الى الأمام ونحن نسير الى الخلف . لقد تجاوزت معظم شعوب الأررض هذا الذي يحدث في وطني , وبقينا نحن الاسثناء الوحيد . عجبي

  9. يقول Fissel:

    الاسد والمالكي الزعمين الوحيدون الذين يدافعون عن الشعوب العربية من الارهابيون المجرمون السفاحون جنود الصهاينة اذا كان الارهابيون رجال اتحدى اكبر واحد فيهم ان يتجرا ان يرفع حاجبه امام سيده الصهيوني هولاء الجبنا الذين يقتلون الابريا من العرب بل تجد بعض المعلقين من يكبر تكبر على ماذا هل حرر فلسطين ام يقتل اطفال ونسا العرب منذ عشرات السنين انكم اصبحتم اضحوكة العالم .

  10. يقول ساميه سوادي (سوريا):

    يامسكين ياالمواطن السوري والعراقي واللبناني، مبتلي بالأسد والمالكي وحسن عدو الله ومن قفاهم شلة ملالي النفاق والكذب.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية