طرابلس: بعد اشتباكات طرابلس الأخيرة، تسارعت التحركات السياسية محليا ودوليا، للبحث عن مخرج للأزمة الليبية وإنهاء الانسداد السياسي الذي أوصل البلاد مجددا إلى مرحلة الاقتتال.
وتذهب عدة قراءات للمشهد السياسي الليبي بما فيه لدول أعضاء في مجلس الأمن، إلى أن وجود حكومتين في البلاد كان السبب الرئيس في اشتباكات طرابلس التي وقعت نهاية أغسطس/ آب المنصرم، ما تزايدت على إثره الدعوات لن تكون للبلاد حكومة موحدة.
وفشل المفاوضات بين وفدي مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، وغياب مبادرات جدية، ناهيك عن شغور منصب ممثل أممي يشرف على عملية التفاوض.. قاد الأوضاع نحو مواجهة عسكرية حتمية، سبقها احتقان شديد بين مختلف الأطراف.
واشتباكات طرابلس الأخيرة، أكدت أن الخيار العسكري لن يحسم الصراع، ولن يقود البلاد إلى الانتخابات، وإنما سيحسن الوضع التفاوضي لطرف على حساب آخر.
ويتداول في الساحة الليبية خياران، الأول إما تشكيل حكومة ثالثة وهو ما ترفضه حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي لا تريد تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
أما الخيار الثاني فالذهاب إلى الانتخابات وفق القوانين التي أجريت بها انتخابات 2014، تنفذها مفوضية الانتخابات، وتشرف على تأمينها حكومتا الدبيبة وباشاغا، كل في مناطق سيطرته.
أول مبادرة جرى تقديمها بعد اشتباكات طرابلس، جاءت من أعضاء مجلس الدولة في طرابلس، حيث وقع 58 عضوا منهم بيانا، يطرح مبادرة جديدة،
تقضي بإجراء انتخابات برلمانية، اعتمادا على القانون رقم 4 لعام 2012، دون الحاجة إلى قوانين جديدة أو قاعدة دستورية.
وتقترح المبادرة إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، لكنها تركت التقدير لمفوضية الانتخابات.
ويتولى البرلمان الجديد تشكيل حكومة جديدة، وإنجاز الاستفتاء على دستور دائم، وإجراء الانتخابات الرئاسية.
ولم تقدم المبادرة توضيحات بشأن السلطة التنفيذية التي ستشرف على تأمين الانتخابات وتركت الأمر غامضا، لأن الدخول في مثل هذه التفاصيل من شأنه إجهاض هذه المبادرة في المهد، بالنظر إلى الانقسام الحاد بين الحكومتين ومن يدعمهما.
وأشارت المبادرة إلى أن الاختلاف حول عدم ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، كان من بين المسائل التي عرقلت إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، لكنها لم تقدم مقترحات لتجاوز هذا الانسداد، الذي يتعلق بإصرار خليفة حفتر، قائد قوات الشرق، على الترشح للرئاسة دون التخلي عن جنسيته الأمريكية وبزته العسكرية لفترة طويلة.
ولقيت هذه المبادرة ترحيبا من كتلة “برلمانيون ضد التمديد” في مجلس النواب المعارضة، والمحسوبة على رئيس حكومة الوحدة.
ولم يعلن رئيس مجلس الدولة خالد المشري، تبنيه لهذه المبادرة لكنها تتوافق مع تصريحات سابقة له، في حين لم يبد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب أي تفاعل معها.
بالموازاة، سلم وفد عن مؤتمر المسار الدستوري، الذي يضم أحزابا وشخصيات سياسية واجتماعية، عقيلة صالح، نسخة من القاعدة الدستورية، التي أعدوها، في لقاء جمعهم به نهاية أغسطس.
ولم يتضح بعد فحوى القاعدة الدستورية، وكيف عالجت مأزق ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، إلا أنه سبق لها وأن عقدت مؤتمر بطرابلس في 11 أغسطس، حيث تسعى من خلاله إلى عودة الأحزاب كفاعل سياسي في حل الأزمة التي تعيشها البلاد.
تكثف في الفترة الأخيرة الحديث عن حكومة ثالثة، رغم معارضة عدة أطراف لهذا المقترح باعتباره تكرار لتجارب سابقة فاشلة أبعدت البلاد عن الانتخابات بدل الذهاب بها نحو حكومة منتخبة.
فيما ترى أطراف دولية أن وجود حكومتين، من شأنه دفع ليبيا نحو الحرب الأهلية، لذلك يقترحون تشكيل حكومة ثالثة او دمج حكومتي الدبيبة وباشاغا في حكومة واحدة.
وهذا ما أشار إليه النائب صالح فحيمة، في تصريح لقناة محلية، قائلا “هناك حديث عن تشكيل حكومة ثالثة، أو سيناريو آخر بدمج الحكومتين وإعطاء الثقة لحكومة جديدة”.
وتحدث فحيمة، عن وجود أصوات في مجلس النواب والبعثة الأممية تدعم فكرة حكومة ثالثة.
ويتم الترويج إلى أن مصر تدفع أيضا نحو هذا الخيار، من خلال دعوتها لكل من عقيلة صالح وخالد المشري، للاجتماع بالقاهرة، لبحث إمكانية تشكيل حكومة ثالثة، واقتراح أسماء لتولي رئاستها، وهو الاجتماع الذي لم يعقد في الفترة المحددة له.
مجلس الأمن الدولي، بدوره، وصل إلى نفس الخلاصة، بعد تأكيده، في أول سبتمبر/أيلول الجاري، على أهمية الحوار الوطني الشامل الذي يهدف إلى “تشكيل حكومة ليبية موحدة” قادرة على بسط سيطرتها على جميع أنحاء البلاد.
ورحب المشري، برسالة مجلس الأمن لليبيين، خاصة وأنها تتحدث عن نفس “المبادئ” التي دعا إليها بإجراء الانتخابات في أقرب الآجال، وتتولى حكومة موحدة قادرة على بسط سيطرتها على كامل البلاد إجراء الانتخابات وتأمينها.
وكان المشري، أول من بادر باقتراح تشكيل حكومة ثالثة مصغرة قادرة على إجراء الانتخابات، في يونيو/حزيران الماضي، نظرا لرفضه حكومة باشاغا، وقناعته بأن حكومة الدبيبة لا يمكنها تنظيم الانتخابات لعدم سيطرتها على المنطقتين الشرقية والجنوبية.
وعارض عقيلة صالح، فكرة حكومة ثالثة حينها لتمسكه بحكومة باشاغا، إلا أن اشتباكات طرابلس الأخيرة، كشفت عن صعوبة دخولها العاصمة والعمل منها، خاصة في ظل تمترس كتائب قوية خلف الدبيبة.
وهذا الواقع الجديد من شأنه دفع عقيلة وحفتر، للتخلي عن حكومة باشاغا، والبحث عن خيارات جديدة، بتشجيع من القاهرة.
لكن أكثر دولة كانت صريحة في الدعوة لحكومة ثالثة.. إيطاليا، حيث غرد مبعوثها الخاص إلى ليبيا نيكولا أورنالدو، عقب مكالمة هاتفية مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في 22 أغسطس، قائلا “شددتُ على الحاجة إلى جسم تنفيدي موحد وشُمولي لقيادة البلاد إلى الانتخابات”.
فإيطاليا تريد الاستثمار أكثر في قطاع الغاز الليبي، لتعويض الغاز الروسي الذي يمثل 40 بالمئة من وارداتها.
لذلك تحتاج روما أن تكون لليبيا حكومة موحدة تستطيع التفاوض معها على زيادة إمدادات الغاز، خاصة في ظل وجود أنبوب “السيل الأخضر” العابر للبحر الأبيض المتوسط والذي ينقل الغاز الليبي إلى إيطاليا.
إلا أن هذا الحل ترفضه حكومة الوحدة، وتتمسك بفكرة أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، رغم إدراكها صعوبة إجراء انتخابات في ظل الانقسام الحاصل.
وشدد الدبيبة، في تصريح صحفي، أنه “لا توجد حكومتان في ليبيا، فحكومة الوحدة الوطنية من تتولى مقاليد الأمور في البلاد كاملة”.
فالدبيبة، مصر على أن تشرف حكومته على إجراء الانتخابات في كامل البلاد، دون مشاركة أو تنسيق مع حكومة باشاغا، أو أي حكومة ثالثة، وعزز موقفه هذا نتائج المواجهات الأخيرة في طرابلس.
(الاناضول)