المترجم المصري عبد المقصود عبد الكريم: اللغة العربية تتطور أبطأ مما ينبغي

حوار: محمود أبوحامد
حجم الخط
0

أثرى الشاعر والمترجم المصري عبد المقصود عبد الكريم ــ مواليد عام 1956 ــ المكتبة العربية بالعديد من الترجمات الهامة والمتنوعة، خاصة في الرواية والشعر والتحليل النفسي، محاولاً فتح آفاقاً ثقافية ومعرفية جديدة من خلال لغة الضاد. متناولاً طرح أفكار متجاوزة للراكد والمألوف في الثقافة العربية، ولا أدل على ذلك من اختيارات محسوبة لمؤلفين وكُتاب غربيين كان لهم أعظم الأثر في ثقافاتهم المحلية، والثقافة الإنسانية بوجه عام. كذلك يضع الرجل على عاتقه إعادة ترجمات يراها عتيقة وغير أمينة للنص الأصلي، كما في أعمال د. هـ. لورانس على سبيل المثال.
وفي هذا الحوار يوضح عبد الكريم رؤيته واختياراته للترجمة وعالمها ..

□ كيف كانت بداية علاقتك مع الترجمة، وما هي أهم الكتب التي ترجمتها ولماذا؟ وكيف تتم المفاضلة بين مؤلف أو عمل وآخر؟
■ كانت البدايات حرة تماما، لم تكن وراءها مؤسسة من أي نوع. كانت بدايات حرة في كل شيء. كان أول كتاب أكمل ترجمته كتاب د. هـ. لورانس «فانتازيا الغريزة» وكنت أترجمه بإحساس غريب، بأن لورانس ألفه لأترجمه؛ كتاب يجمع مجالي اهتمامي، الأدب وعلم النفس، أو التحليل النفسي تحديداً، ترجمته مع نفسي ولنفسي في 1989، ونشرته دار الهلال في 1992 ثم صدرت منه طبعة ثانية في 2019 عن دار آفاق.
أهم الكتب التي ترجمتها، سؤال من الأفضل توجيهه إلى شخص آخر؛ لكن عموما أعتز بكتابي عن لاكان، ورسائل همنغواي، وعشيق الليدي تشاترلي، وأعمال الجنوب افريقي كوتسي، وقد ترجمت له أربع روايات، القائمة طويلة؛ ويبدو أن الكتب الأخيرة التي ترجمتها، ومنها، مثلا، حكمة السيكوباثيين، تحقق رواجا من نوع ما. يبدو أنني تورطت في إجابة سؤال ما كان ينبغي أن أتورط في إجابته؛ ويبدو أنني على وشك ذكر قائمة طويلة، لكنني أتوقف فورا! للمفاضلة ظروف كثيرة؛ إنها غالبا في الوقت الحالي تتم باتفاق بيني وبين الناشر.

□ ما بين الترجمة كصنعة وحرفة ومعرفة عميقة باللغة، والترجمة كإبداع. كيف يمكننا التفريق بين مترجم وآخر، وهل خيانة الأمانة تحدث في الشعر أكثر من باقي الأجناس؟
الترجمة موهبة، دون موهبة في التعامل مع اللغة، لا يمكن لأحد أن يكون مترجما جيدا مهما أتقن من لغات. الترجمة إذن موهبة، أي إبداع، وصنعة وخبرة. والترجمة تختلف من مؤلف إلى آخر، بل ومن كتاب إلى آخر؛ وبالطبع من نوع معرفي إلى آخر، والمترجم بصدد البدء في ترجمة رواية، مثلًا، يتسلح بأدوات ربما تختلف تماماً عن الأدوات التي يتسلح بها وهو بصدد البدء في ترجمة كتاب علمي، أو ذي طبيعة علمية. لاحظت، بالنسبة لي، حتى بناء الجملة يختلف؛ قد أقبل أن تطول مني لتكون أوضح ما تكون في كتاب علمي، ولا أقبل أن تزيد كلمة واحدة في عمل أدبي. وبالنسبة للخيانة، يمكن القول إنها خيانة، لكنها خيانة من نوع فريد، وليست خيانة أمانة بحال من الأحوال؛ في الدراسات والكتب ذات الطبيعة العلمية تتضاءل هذه الخيانة إلى أقصى درجة، ويبقى الإنجاز إنجازاً للمؤلف، إنجازاً ساهم شخص ما في نقله إلى لغة أخرى. مع الأدب يختلف الوضع كثيراً، المنتج الأدبي المترجم عمل مشترك بين شخصين: مؤلف ومترجم. وأشعر مع العمل الأدبي المترجم بأنه عملي بقدر ما هو عمل المترجم. فالمت
رجم مبدع يمثل جسر التواصل بين الثقافات؛ حجر ضخم في أساس أي حضارة وأي ثقافة تسعى للتطور والانفتاح على مختلف الثقافات؛ الترجمة اعتراف بوجود ثقافات أخرى إلى جانب ثقافة أمتي! أمتي ليست وحدها في الكون.
أما في الشعر فنصل إلى ذروة الخيانة، إلى خيانتين إذا جاز التعبير. أفترض دائما أن مترجم الشعر ينبغي أن يكون شاعراً، أو على الأقل يتمتع بحس شعري، وهنا يكون النص الشعري المترجم نص المترجم أكثر مما يكون نص المؤلف. حين يترجم الشاعرُ شعراً ينحاز بالضرورة إلى لغته الخاصة، وتكون الترجمة من إبداعه، وبالتالي يمكن أن يترجم نصا شعريا عشر مرات، وفي كل مرة يكون له مذاق مختلف.

2021-08-01_19-48-29_675780

□ ثمة من يرى أن هدف الترجمة هو التعبير بالضبط عن دلالات ومعنى كل كلمة وعبارة في النص الأصلي. ومن يرى إن الهدف هو إنتاج نص لا يُقرأ كترجمة، وإنما كنص جديد بروح إصداره الأصلي نفسها .. ما رأيك؟ وما الصعوبات التي قد تلاقيها أثناء الترجمة؟ وماذا عن العربية من بين اللغات؟
■ لا أظن أن هناك تعارضا بين الرأيين، لا تعارض بين التعبير بدقة عن دلالات النص الأصلي، ولنقل كل عبارة، ونتجاهل كل كلمة، على أن يكون النص مشبعاً بروح اللغة التي نقل إليها، وإلا تحول إلى مسخ؛ لكل لغة خصائصها، وإذا احتفظ النص المترجم بخصائص اللغة الأصلية تكون الترجمة مشوشة في أفضل الأحوال، إذا اعتبرت ترجمة. الصعوبات جمة، كل عمل يحمل صعوباته الخاصة، وبعضها صعوبات ربما لم يواجهها المترجم من قبل، وربما لم تخطر على باله. والعربية لغة بين اللغات، ليست كائنا مجرداً، ولا تحمل قيمة مجردة؛ إنها مثل كل اللغات تكتسب قيمتها من أهلها؛ المشكلة الكبرى مع العربية أنها لا تزال لغة شبه مقدسة، إن لم أقل مقدسة؛ إنها تبدو أحياناً لغة أعتق مما ينبغي؛ إنها تتطور بالطبع، لكن بأبطأ مما ينبغي.

□ هل قمت بترجمة إلى العربية من خلال لغة وسيطة، وهل ثمة صعوبات واختلافات؟
■ نعم، ترجمت عدة كتب عن لغة وسيطة، منها مجموعة شعرية لشاعر بولندي، ومجموعة شعرية لشاعر تركي، وكتاب بعنوان «التفرد والنرجسية» وكتاب «إسطنبول» لأورهان باموق. هناك رؤية مختلفة فقط، خاصة في الأعمال الأدبية، ببساطة يمكن للمترجم أن ينظر إلى الأمر على أنه يترجم الترجمة لا الأصل، خاصة إذا كانت الترجمة إلى اللغة الوسيطة محل ثقة؛ في الدراسات والأعمال العلمية وشبه العلمية، لا أرى أي مشكلة في الترجمة عن لغة وسيطة!

□ تلعب المعرفة والثقافة والدراسات الأكاديمية دوراً مهماً في تطوير الترجمة وآلياتها ومرجعياتها، لكن هناك من يرى أن المعايشة اليومية للناطقين بلغة ما يقربك من روح اللغة وعاميتها ومعاجمها المحكية. ما رأيك في ذلك؟
■ نعم، تلعب المعرفة والثقافة دورا مهمّاً؛ والمعايشة أمر بالغ الأهمية، لكن تحقيقه ليس ميسورا في الغالب؛ ولا ننسى أن التقريب من روح اللغة وعاميتها أمر نسبي دائما؛ تخيل أن المرء نفسه لا يلم باللهجات العامية لبقاع وطنه الأم؛ العامية تختلف من بقعة لأخرى؛ ولو افترضنا أن المترجم سيطارد العامية في وطن المؤلف، في كل بقاع ذلك الوطن، أو بعض البقاع، فإنه قد يقضي حياته دون أن يترجم عدة صفحات. الوضع المثالي رائع نظريّا لكن تحقيقه مستحيل غالباً.

□ ماذا عن حركة الترجمة وتطوراتها في الوطن العربي بشكل عام، وماذا عن الترجمة من العربية إلى لغات أخرى؟ وهل ثمة انتقائية تشوب هذه الاختيارات؟
■ إجمالاً يمكن الحديث عن حركة نشاط ملحوظة في الترجمة إلى العربية عبر عدد من المؤسسات المتخصصة في الترجمة، المركز القومي للترجمة في القاهرة، على سبيل المثال، والسلاسل الخاصة بالترجمة، سلسلة الجوائز عن الهيئة المصرية العامة للكتاب على سبيل المثال، وعدد من المشاريع الخاصة بالترجمة في عدد من الدول العربية، مشروع كلمة على سبيل المثال، بالإضافة إلى وجود ازدهار حقيقي في نشاط دور النشر الخاصة في الترجمة، وليس من قبيل المصادفة أن تكون معظم الأعمال التي ترجمتها مؤخرا لدور نشر خاصة، وهو دور يحسب لها على كل المستويات، ومنها على سبيل المثال دار آفاق في القاهرة، ودار العين، ومؤسسة صفحة سبعة للنشر والتوزيع في السعودية، والدار الأهلية في الأردن. أظن أن الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى أمر يهم أصحاب تلك اللغات بالدرجة الأولى؛ وعادة يتم اختيار الأعمال طبقًا لحسابات خاصة بهم.

□ تبرز إمكانات الترجمة كأداة لتحريك الراكد على مستوى النماذج المهيمنة في الدين والثقافة والسياسة. كيف يمكن لذلك أن يتحقق في حالة عدم التكافؤ بين اللغة العربية واللغات المترجم منها؟
■ لا يمكن أن يحدث أي شيء قبل تغيير عقول الناطقين بالعربية، ولا يمكن لذلك أن يحدث إلا بثورة شاملة في التعليم وثورة مقابلة في الثقافة! الترجمة تساعد لكن لا ننتظر الكثير في ظل غياب ثقافة القراءة؛ وفي ظل طباعة 1000 نسخة في معظم الأحيان، وأحيانا أقل! إنها مأساة حقيقية، أن تترجم كتابا يطبع منه عدد محدود، لا يباع كله غالبا!

٭ كاتب وصحافي فلسطيني/سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية