لم تكن استعادة القائمة المشتركة لقدرتها على إيصال ثلاثة عشر نائباً، مثلما حصل في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مفاجئاً، إلا لأن المشرق العربي برمته يعيش في مرحلة تراجع سياسي وثقافي مروعة:
انقسام فلسطيني مديد أوصل القضية إلى الحضيض، وعكس نفسه في داخل الداخل عبر انقسام القائمة المشتركة إلى قائمتين في الانتخابات التي جرت منذ ستة أشهر.
استبداد يصل إلى ذروة انحطاطه في مصر وسوريا.
انهيار دفاعات المشرق برمتها عبر الاندفاعة الخليجية إلى صفقة القرن، ما أدى إلى خمول شامل ووهم لم يكن سوى اسم آخر للوهن.
وحالة التعفن اللبنانية التي سمحت للعملاء والقتلة بأن يجدوا في جزء من السلطة ملاذاً، وإلى آخره…
الاستفاقة الفلسطينية المحدودة التي فرضت تشكيل القائمة المشتركة، كانت الشكل الدفاعي الوحيد في بلاد بدت وكأنها سقطت في الخمول. من هنا يجب أن نقرأها في سياقها المهم والمتواضع في آن معاً، على أمل أن تكون مقدمة لاستفاقة فلسطينية شاملة، داخل احتمالات الربيع العربي الذي أثبتت أن جذوته لم تمت، وهذا ما رأيناه في الثورة السودانية، وما تشير إليه الاحتمالات المصرية التي لا تزال غامضة الملامح.
لم يكن هناك من خيار آخر أمام الأحزاب الفلسطينية في أراضي 1948 سوى استعادة الوحدة ولو على مضض. فالانتخابات السابقة أوضحت أن الانقلاب على الوحدة هو انتحار جماعي، وهذا ما عبر عن نفسه في نسبة التصويت المنخفضة، وفي ذهاب ألوف الأصوات العربية إلى القوائم الصهيونية.
كانت رسالة الناس واضحة؛ فالوحدة، على الرغم من هشاشتها، ومن ألاعيب السياسات الضيقة، تحولت إلى حقيقة. فالفلسطينيون في الوطن المحتل يواجهون فاشية عنصرية صهيونية أفلتت من عقالها يقودها نتنياهو، ووسيلتهم لمقاومتها تبدأ بوحدتهم. إعلان تشكيل القائمة بعد مخاض عسير ومماحكات لا معنى لها كان كفيلاً بأن يغفر الناس للوقت الضائع وللممارسات السياسية غير الناضجة.
لكن التعويل على الغفران والسكر بانتصار ناقص لا يكفيان، فالصعوبات تبدأ الآن، وهي صعوبات تحتاج إلى رؤية جديدة لمواجهتها، من أجل أن لا يذهب هذا الإنجاز هباء.
لم يعد من المجدي النظر إلى القائمة المشتركة بصفتها تحالفاً انتخابياً مؤقتاً، فالمشاركة في الانتخابات لا معنى لها إذا لم تكن جزءاً من مشروع وطني ومن برنامج عمل يحوّل «الأقلية» الفلسطينية في الوطن المحتل إلى كتلة شعبية متماسكة، تبني ذاتها ومؤسساتها السياسية والثقافية، كي تحمي نفسها من وحش التمييز العنصري الإسرائيلي، وتكون جزءاً فاعلاً من المشروع الوطني الفلسطيني الذي يحتاج إلى تجديد جذري.
أربع مهمات كبرى تنتظر القائمة المشتركة.
1 ـ التحوّل إلى مؤسسة ديمقراطية تعبّر عن النبض الشعبي الفلسطيني، وتطرح مشروعاً سياسياً قائماً على المواطنة المتكافئة والمساواة، في مجتمع إسرائيلي تزداد فيه العنصرية والشوفينية ودعوات التفوق اليهودي. إن النقطة الأولى في البرنامج الفلسطيني يجب أن تكون تمزيق قانون القومية العنصري وإلغاءه. وهذه مسألة نضالية كبرى لا يمكن الوصول إليها عبر تكتيكات برلمانية محدودة التأثير. قانون القومية والممارسات التمييزية ضد الفلسطينيات والفلسطينيين في وطنهم المحتل يجب أن تسقط عبر نضال متواصل وبناء كتلة شعبية متماسكة.
2 ـ إن وعي أهمية الوحدة يجب أن يتجسد في برنامج وطني مشترك، فالأحزاب العربية آتية من تواريخ مختلفة، وهناك خلافات أيديولوجية واضحة فيما بينها. هذه الاختلافات يجب أن تتحول إلى عنصر قوة بدل أن تكون عنصر ضعف. وهذا يحتاج إلى رؤية موحدة لمهمات الحاضر والمستقبل. لا أحد أكثر من فلسطينيي الداخل يعرف معنى أن يعيش المرء في ظل نكبة مستمرة وبلا توقف منذ سبعة عقود. والبرنامج ليس مجرد خطاب سياسي عام، إنه رؤية متكاملة تبدأ برفض العنصرية وتمتد لتشمل حقوق الهيئات المحلية، والاعتراف بالقرى، ووقف هدم البيوت وإلغاء قانون كيمينتس، وضرورة مواجهة العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني.
3 ـ إن بناء مؤسسات فلسطينية ديمقراطية في داخل الداخل يجب أن يعيد فتح النقاش حول احتمالات نضال مشترك عربي- يهودي. صحيح أن اليسار الإسرائيلي تبخّر واندثر، لذا يجب استنباط وسائل عمل وتواصل جديدتين، يكون عنوانهما الأساسي هو المساواة والنضال ضد نظام التمييز العنصري وضد الاحتلال والاستيطان. يبدو هذا المطلب مستحيلاً اليوم، لكن تجارب الشعوب علمتنا أن الممكن الوحيد يبدأ باقتحام المستحيل. إن خلخلة الوعي الصهيوني ليس عملاً فكرياً وثقافياً فقط ينطلق من الدفاع عن الحق والحقيقة، بل هو أيضاً انعكاس لمقاومة الشعب الفلسطيني وتأثيرها على الوعي الإسرائيلي.
4 ـ قدمت الوحدة، رغم أنها لا تزال هشة وانتخابية، نموذجاً على القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة أن تستخلص دروسها. الخطر في المناطق التي احتلت عام 67 أكبر مما نعتقد، وهو يبدأ بالضم الزاحف، الذي قد يكون قد تلقى صدمة بعد الانتخابات، لكنه لن يتوقف حتى لو وضعت اليوم جانباً أشكاله القانونية، ويمتد في سياسات الطرد والتطويع والتركيع. ولن يوقف هذا المسار سوى مقاومة فلسطينية موحدة وجديّة. إن مسؤولية سلطتي رام الله وغزة، وهما سلطتان لا سلطة فعلية لهما، عن التردي الفلسطيني صارت فاقعة. لم يعد الأمر مسموحاً أو مقبولاً. إما الوحدة وتجديد المقاومة وإما الاندثار.
كان الفلسطيني «المتشائل» الذي رسم ملامحه أستاذنا الكبير إميل حبيبي هو تجسيد حي للنضال من أجل البقاء، بعد حرب النكبة عام 1948. لكن في مواجهة احتمال فصل جديد من النكبة بممارساته الوحشية، لم يعد أمام «المتشائل» من خيار، فها هو يطلب من أبنائه وأحفاده اليوم أن ينزعوا عن وجوههم قناع التشاؤل، وأن يقاوموا دفاعاً عن وجودهم وعن كونهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.
لا شك أن فلسطينيي داخل الداخل ليس لديهم اي وسيلة اخرى للوقوف في وجه الصهيونية الفاشية العنصرية سوى النضال السياسي ولكن فلسطينيي خارج الخارج عليهم أن يدعموا نضال اخوتهم بكل الوسائل والوسيلة الاولى هي توحيد الكلمة والوقوف صفا واحدا امام صفقات النذالة المشتركة بين اعاريب الهرولة والصهاينة. كلنا متشائلون وسيأتي اليوم الذي سنكون فيه متفائلين
مبروك فالكنيست اصبح مكان العمل الوطني.
تنعش هذه المقالة آمالنا في انجاز الوحدة ورص الصفوف استعدادا لما هو آت،من قبل الاحتلال ، والذي لا نعتقد بأنه خيرا، ويجب أن يكون الاستنفار على كافة المستويات، والله الموفق