المجتمعات

حجم الخط
0

لا نقول هذا من باب التهويل أو المبالغة لأن مجريات الأحداث الماثلة أمام أعيننا تشير بكل وضوح إلى جنوح المسار السياسي في العالم العربي بشكل عام وفي معظم دول ما يعرف بالربيع العربي بشكلٍ خاص نحوالإرتطام البيني بقوة مدمره داخل كياناتها التي عرفت كيف تثور على الظلم ولم تتمكن من رسم صورة ولو خيالية لشكل العدل الذي ستبني صرحه على أنقاض ذلك الظلم الذي عاشته في ظل الدكتاتوريات التي لا يلوح في الأفق أي مؤشر على أنها تستحق أن تسمى ‘بائدة’ على الأقل في القريب العاجل لأننا على ما يبدو سنتداول تسميتها بالسائدة تارةً والبائدة تارةً أخرى لردح من الزمن لا يعلمه إلا الله.
هذه القوى السياسيه رغم تعدد مسمياتها من الإسلاميين والليبراليين والقوميين والعلمانيين،إلا أنها في الفترة الأخيرة وبعد احتدام الخلافات في ما بينها فإنها قد تقاطبت وتجاذبت بشكلٍ متسارع لتنقسم إلى فريقين اثنين ليسا بالضرورة في حالة من التجانس التام في صفوف كل فريق على حده، وإنما يري كل فريق أن لدى كافة فصائله من الخوف والكراهية تجاه الفصيل الآخر ما يكفي لجعل هذه الفصائل تنضوي تحت لواء واحد لكي تصل إلى نوعٍ من التوازن مع أو التغلب على الفريق الآخر.
هذا الواقع الخطير سيؤدي إلى صراع إراداتٍ مرير بين أبناء الشعب الواحد الذي يبدو أنه يسير بخطىً حثيثه نحو الإنشطار إلى نصفين متباينين إلى درجة تكاد أن تجعل منهما شعبين مختلفين في دولة واحده دون أن يملك أيٍ منهما أغلبيةٍ ساحقة تمكنه من فرض إرادته على الطرف الأخر دون أن يترك مجالاً للقوى الخارجيه الإقليمية والدولية من ترجيح كفة فريقٍ معين على لفريق الآخر وإدخالهما في صراع شبه وجودي قد يؤدي إذا ما حصل الصدام إلى إحداث تصدع بنيوي في كيان الدولة ومن ثم تفجيرها من الداخل، نظراً لأن مصالح هذه القوى الخارجية والإقليمية تقتضي شلها وتحويلها إلى دولة فاشله.
ما الذي يجعل الأمور تتطور على هذا النحو في المجتمعات العربية دون أن نرى لها مثيل لدى المجتمعات الغربية؟
للإجابه على هذا السؤال لا بد من مقارنة العقلية التي تحكم الشعوب العربية مع تلك التي تحكم الغربية لنتبين الأسباب التي تؤدي إلى هذا الصدام الخطير بين أبناء الشعب الواحد لدى شعوب العرب من جهه، والأسباب التي تؤدي إلى الحيلولة دون وقوعها لدى شعوب الغرب من الجهة المقابلة.
وبقصد الإيجاز فإننا سنكتفي بذكر بعض الأسباب الجوهرية التي أدت إل عدم وقوع الشعوب الغربية في مثل تلك الفتن التي تعصف بالبلاد العربية ونترك للقارئ الكريم استخلاص العبر لكي يتبين منها مواقع الخلل التي أدت ببلاد الربيع العربي إلى السقوط في أتون هذه الكارثة المدمرة.
أولاً: إن الشعوب الغربية التي دفعت أثماناً باهظه في رحلتها نحو الحرية والعدالة الإجتماعية خلال القرنين الماضيين قد تمكنت من تطوير آليات ومعايير قيمية مذهلة في فيما يعرف بِـ’فن إدارة الخلافات’ التي وعت أنها لا بد أن تنشب بين قيادات أحزابها السياسية ولهذا فقد سعت بكل طاقتها من أجل الإرتقاء بالجماهير التابعة لها لتبني هذه الآليات والمعايير التي تحولت إلى قيمٍ أصيلة تعتنقها كافة شرائح المجتمع.
هذا الوعي الجماعي الذي سلم لآليات الإحتكام إلى صناديق الإقتراع في تحديد الجهة المخولة بالوصول إلى سدة الحكم لم تكن لديه مشكلة في الوقوف خلف القيادة الجديدة قلت نسبة نجاحها أو قصرت، لأن الفصيل الذي لم ينجح يفكر بعقلية تمكنه من استيعاب صدمة الهزيمة ليقوم من فوره بمعالجة الأسباب التي أدت به إلى الإخفاق في نيل ثقة الناخبين ويستغل الفترة الزمنية المتاحة لإعادة النظر في سياساته التي أدت لهذه الهزيمة دون أن يخرج إلى الشوارع للقفز على النتائج لمجرد شعوره بأنه الأكثر أهلية لقيادة الشعب.
ثانياً: إن كافة الفرقاء السياسيين من قيادات الأحزاب السياسية مجمعة على أن التفاعل والمنافسه السياسية مهما احتدمت بينها فإنها لا تبرر لكائن من كان مجرد التفكير بطلب العون المادي أو المعنوي أو بأي شكل من الأشكال من قوى خارجية من أجل الفوز على غرمائها الساسيين داخل بلادها، وأن هذا العمل يرقى إلى درجة الخيانة العظمى ولو تورط أي طرفٍ فيه بالتلميح أو التصريح فإنه سيؤدي به على الأقل إلى هاوية الإحتراق السياسي حتى بين أفراد حزبه الذين سيلفظونه ويتبرأون منه فور إثبات تورطه فيه.
ثالثاً: من الواضح أن المجتمعات الغربية قد تمكنت من تحصين دولها من سطوة الجيوش التي تقف فعلياً على مسافة واحده من كافة أطياف الشعب وتعلن ولائها المطلق للقيادة الساسية المنتخبة وتلتزم بهذا المبدأ الراسخ الذي لم يخرج عليه أي جيش من جيوش الدول الغربية التي تتبنى النظم الديمقراطية تحت أي ظرفٍ من الظروف.
رابعاً: إن أي من جيوش هذه الدول لا يستطيع أن يحصل على مساعداتٍ مالية من دولة أجنبية مهما كانت حليفة أو صديقة لأن ميزانيات دفاعة تحدد من قبل السلطة السياسية وحدها رغم أن هذه السلطة تقوم بالإقتراض من دولٍ أخرى وهي وحدها صاحبة اليد العليا على هذا الجيش في التمويل والتعيين والإقاله لكي يبقى الجيش مخلصاً وطائعاً للسلطة التي ينتخبها الشعب وبالتالي لذلك الشعب الذي هو مصدر السلطات وليس لأية جهةٍ أجنبيةٍ تمده بالمال ليراها ولية نعمته.
زياد علان العينبوسي نيويورك
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية