المجد للكرة الكلاسيكية عبر الخبيرين مورينيو وأنشيلوتي!

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: «إذا سمحت لي أود إرسال رسالة إلى صديقي المدرب العظيم كارليتو (كارلو أنشيلوتي)، دعنا نذهب ونحتفل بالنهائيات»، بهذه الكلمات العاطفية البسيطة، أصاب المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو عصفورين بحجر واحد، منها لعب على الوتر الحساس، بتحفيز نفسه وصديقه القديم لاستعادة الأيام الخوالي والمجد الأوروبي، بنفس الطريقة التي تشاركا بها حكم القارة العجوز للمرة الأولى في مسيرتهما الكروية قبل عقدين من الزمان، ومنها أيضا استغل الفرصة والحدث النادر، للرد على المنتقدين والمشككين في عودته مرة أخرى لتحديث أرشيف بطولاته، تاركا الصحف والمواقع الرياضية، يفتشون في دفاترهم القديمة، لإعادة توثيق إنجازاته وأرقامه القياسية لمواليد الألفية الجديدة، قبل أن ينفض الغبار عن نفسه ويصعد مرة أخرى إلى القمة، بعد سنوات من التخبط والتجارب الفاشلة، بنفس سيناريو عودة أنشيلوتي لتدخين السيجار بطريقته المعتادة في احتفالاته بالألقاب.

مفارقة البداية

لمعرفة سبب رسالة مورينيو الى صديقه أنشيلوتي، بعد تأهل المو مع فريقه روما إلى نهائي البطولة المستحدثة «المؤتمر الأوروبي» (كونفرنس ليغ) ووصول الإيطالي مع ريال مدريد إلى نهائي دوري الأبطال، سيتعين علينا العودة إلى الوراء قرابة الـ20 عاما، وتحديدا الى عام 2003، حين افتتح «السبيشال وان» سجل ألقابه القارية، بقيادة ناديه الأسبق بورتو الى الفوز بكأس الاتحاد الأوروبي (اليوربا ليغ حاليا)، بعد نهائي ماراثوني أمام سيلتك الاسكتلندي، أقيم على ملعب «أولمبيك دي إشبيلية» يوم 21 مايو / أيار من نفس العام، وانتهى بفوز الفريق البرتغالي بنتيجة 3-2، في ما كانت أول مباراة تطبق فيها قاعدة الهدف الفضي في الأشواط الإضافية، وتبعه أنشيلوتي بأسبوع واحد فقط، بتحقيق أول لقب دوري أبطال في مشواره التدريبي، وكان ذلك في نهائي «أولد ترافورد» بين عملاقي الكرة الإيطالية ميلان ويوفنتوس، الذي يُعرف إعلاميا وجماهيريا حتى وقتنا هذا بالنهائي الأكثر مللا في تاريخ المسابقة، ليس فقط لانتهاء الوقتين الأصلي والإضافي على نتيجة البياض، بل لاعتماد كارليتو ونظيره في السيدة العجوز آنذاك مارتشيلو ليبي على طرق دفاعية مبالغ فيها، حتى من حضر المباراة، يتذكر جيدا، أنه على مدار 120 دقيقة، لم تشهد القمة الإيطالية الخالصة سوى فرصة واحدة محققة، تلك التي كانت كاللوحة التي رسمها جيجي بوفون بتصديه الخيالي لرأسية بيبو إنزاغي شبه المستحيلة، لكن في الأخير، ابتسمت الكأس ذات الأذنين لكارلو وفريقه المدجج بالنجوم والأساطير من نوعية باولو مالديني وأليساندرو نيستا وأندريا شفيتشينكو، كأول بطولة قارية في سيرته الذاتية كمدرب، لتمر سنوات النجاح سريعا على مورينيو وأنشيلوتي، إلى أن تبدلت موازين القوى في النصف الثاني من العقد المنقضي، بصعود أسماء جديدة وتوحش آخرين بأفكارهم العصرية، أو ما تُعرف «كرة القدم الحديثة» أمثال بيب غوارديولا ويورغن كلوب وماوريسيو بوتشيتينو، توماس توخيل وزين الدين زيدان إلخ، وجاء ذلك على حساب فئة الصفوة آنذاك، وعلى رأسهم المو وكارليتو وآخرين فقدوا كثيرا من رونقهم وتصنيفهم، من أغلى وأفضل مدربي العالم منذ بداية الألفية، إلى أسماء تجاوزها الزمن، وأحيانا عاطلين عن العمل لفترات ليست بالقصيرة، قبل أن يمنحهما القدر فرصة لا تقدر بثمن، للصعود مرة أخرى إلى هرم القمة، وأيضا في مايو / أيار السعيد للاثنين، بحصول المدرب البرتغالي على بطولة المؤتمر الأوروبي، بعد فوز روما على فينورد الهولندي بهدف نظيف، وبالمثل توج صديقه بالكأس ذات الأذنين، بإسقاط ليفربول في نهائي «سان دوني» بنفس النتيجة.

أرقام ومعجزات

ما بين 2003 و2022، شهدت مسيرة كلا المدربين تقلبات بالجملة، لكن القاسم المشترك بينهما، كان تحقيق النجاحات المدوية، سواء على الصعيد المحلي أو القاري أينما ذهبا، لا سيما في فترة البناء على أول مجد أوروبي، كما فعلها البرتغالي المثير للجدل في العام 2004، عندما صدم العالم بقيادة بورتو لمعانقة ذات الأذنين للمرة الأولى منذ هدف أسطورة الجزائر رابح ماجر في ثمانينات القرن الماضي، وفعلها بإقصاء أندية بحجم مانشستر يونايتد في دور الـ16، في أوج لحظات سير أليكس فيرغسون مع الشياطين الحمر، وقاهر حامل اللقب في تلك النسخة، ديبورتيفو لاكرونيا في نصف النهائي، وفي الأخير افترس موناكو في نهائي «فيلتينس ارينا» بثلاثية بلا هوادة، كآخر فريق من خارج الدوريات الخمس الكبرى يفوز بدوري الأبطال، وفي الموسم التالي 2004-2005، حط الرحال إلى وطن مهد كرة القدم، ليضع حجر أساس مشروع تشلسي، بالصورة التي يبدو عليها الآن، في بداية حقبة المالك الروسي السابق رومان آبراموفيتش، وحسنا فعل، بتحقيق الهدف المنشود بأثر فوري، بوضع البلوز كتفا بكتف مع جبابرة الحقبة مانشستر يونايتد وآرسنال وليفربول، وذلك بعد نجاحه في فك شفرة الدوري الإنكليزي الممتاز في موسمه الأول، وبرقم قياسي لن يمحى من الذاكرة لعقود، باستقبال 15 هدفا فقط، وذلك في الموسم التالي لمعجزة المدفعجية تحت قيادة الأستاذ آرسين فينغر، بحصولهم على كأس البريميرليغ الذهبي بدون هزيمة واحدة، وفي نفس موسم تتويج أحمر الميرسيسايد بكأس الأبطال الخامسة في تاريخه، بعد الدقائق المجنونة أمام ميلان أنشيلوتي في نهائي اسطنبول الشهير، ناهيك عن مانشستر يونايتد نسخة شيخ المدربين المخيفة، ورغم ذلك، لم يكتف مورينيو بأول لقب بريميرليغ لأسود غرب لندن منذ نصف قرن، بل أضاف لقبه الثاني والثالث في تاريخ الكيان في المواسم التالية، ولولا سوء طالعه في نصف نهائي الأبطال أكثر من مرة، لختم ولايته الأولى في غرب عاصمة الضباب بأكثر من 6 بطولات محلية، لكن سرعان ما نجح في تعويض ما فاته مع أسود لندن، في تجربته الأكثر نجاحا مع الإنتر، الذي فاز معه بأول وآخر ثلاثية في تاريخه حتى إشعار آخر، وهي ألقاب «السيريا آه وكوبا إيطاليا ودوري الأبطال» عام 2010، والتي كانت بوابته لتحقيق حلمه الكبير، بالجلوس على عرش مملكة «سانتياغو بيرنابيو»، أو كما يقول فرصة العمر، بتدريب ناديه المفضل ريال مدريد.
ورغم نجاح مورينيو في تقديم أعظم وأرقى نسخة للنادي الملكي ربما في كل العصور، والحديث عن الفريق المخيف الذي ختم حملة الليغا 2011-2012 بـ124 هدفا، بيد أنه لم ينجح في الهدف الرئيسي الذي جاء من أجله إلى مدينة «فالديبيباس»، وهو إخضاع كأس دوري الأبطال العاشرة، بخروج متكرر من دابته السوداء الدور نصف النهائي، إلى أن قرر الرئيس فلورنتينو بيريز عزله من المنصب المرموق مع نهاية موسم 2012-2013، معها بدأت مسيرته التدريبية تأخذ أول منحنى منخفض، والأمر لا يتعلق بالتراجع الكبير في حصيلة ألقابه، سواء في ولايته الثانية مع تشلسي أو آخر تجربتين في البريميرليغ مع مانشستر يونايتد وتوتنهام، بل للصورة التي طُبعت في الأذهان عن فرقه، في ما يُعرف بأسلوب «ركن الحافلة»، الذي كان سلاحه لتحقيق البريميرليغ مع البلوز عام 2015، كآخر بطولة بمسمى «بطولة كبرى» متعارف عليها بين النقاد والمتابعين في سيرته الذاتية، قبل دخوله في فترة الترنح التدريبي، او بالأحرى قبل حذفه من فئة مدربي الأندية الكبرى، عقب طرده من مشروع إعادة مانشستر يونايتد إلى سابق عهده، وما تبعها من تنازلات، تجلت في آخر وظيفتين، بقبوله تدريب توتنهام وروما، كمؤشر على خروجه من دائرة مدربي أندية الصفوة.
وفي عالم مواز، عاش الميستر كارليتو، نفس التقلبات في فترة ما بعد أول دوري أبطال في أرشيفية التدريبي على حساب البيانكونيري، هو الآخر، حفر اسمه في تاريخ شياطين ميلانو، بالفوز بكل البطولات المحلية، بالإضافة لكأس دوري الأبطال السابعة في تاريخ النادي، والتي جاءت عام 2007 على حساب ليفربول، ردا على صدمة اسطنبول 2005، قبل أن يخوض أولى تجاربه خارج جنة كرة القدم، باستكمال ما بناه مورينيو في «ستامفورد بريدج»، محققا ثنائية البريميرليغ وكأس إنكلترا في موسمه الأول 2009-2010، ثم الدرع الخيرية في بداية موسمه الثاني والأخير، ومنه انتقل إلى باريس سان جيرمان، الذي فاز معه بالليغ أون، وكان بوابته لتحقيق الحلم الكبير، بقيادة ريال مدريد في عام 2013، ليلعب دور عراب «العاشرة» في موسمه الأول، بجانب كأس الملك، التي جاءت من أنياب برشلونة في نهائي 2014، الشهير بمقولة المعلق التونسي رؤوف خليف «بيل شد وهرب». وكما حدث مع المو، انخفضت أسهم كارليتو في سوق المدربين بعد انفصاله عن اللوس بلانكوس، ووضح ذلك في طريقة خروجه من آخر فريقين قبل اعتذاره عن استكمال مهمته مع إيفرتون، بالتعرض للإقالة مع بايرن ميونيخ ونابولي، قبل أن يقع اختيار فلورنتينو بيريز عليه، ليقود الميرينغي في فترة ما بعد زين الدين زيدان، ويحقق ما فاق توقعات أكثر المتفائلين، بالخروج من موسمه الأول الانتقالي بثلاثية الكأس السوبر المحلية والليغا رقم 35 وكأس دوري الأبطال الرابعة عشرة.

أساطير القرن الجديد

كما أشرنا أعلاه، كانت السنوات الخمس الماضية، هي الأصعب لكلا المدربين في مشوارهم التدريبي، وشاهدنا معاناة مورينيو في تجربته القاسية مع مانشستر يونايتد، التي تعرض خلالها لكم غير مسبوق من الانتقاد والهجوم اللاذع، رغم نجاحه في الموسم الأول، في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بالفوز بكأس الرابطة ثم الدوري الأوروبي، قبل أن يمر عقد من دون أن يتوج النادي بلقب قاري، وفي موسمه التالي، حقق ما يصفه حتى الآن بأهم إنجاز في رحلته التدريبية، قيادة اليونايتد الى المركز الثاني في جدول ترتيب أندية البريميرليغ موسم 2017-2018، إلا أنه راح ضحية النتائج المتواضعة في بداية موسمه الثالث، وما زاد الطين بلة، إخفاقه في تحقيق تطلعات رئيس نادي توتنهام دانيال ليفي في فترة ما بعد مؤسس المشروع ماوريسيو بوتشيتينو، لينتهي به المطاف بتجربته الحالية مع روما. وبنفس الطريقة، واجه أنشيلوتي المجهول مع بايرن ميونيخ في الحقبة التي تلت الفيلسوف بيب غوارديولا، حتى أنه أقيل من منصبه بعد أقل من موسمين في سُدّة حكم «آليانز آرينا»، وذلك بسبب اهتزاز النتائج والأداء في موسمه الثاني، من دون النظر لما قدمه للنادي في موسمه الأول، بإبقاء البوندسليغا في المقر البافاري، بجانب الوصول لدور الثمانية لذات الأذنين، معها غاب عن أضواء الشهرة والنجومية، لدرجة أنه كان يشغل وقته بكتابة مقالات تحليلية لموقع «Goal» العالمي، إلى أن عاد لممارسة وظيفته المفضلة، بالإشراف على مشروع نابولي بعد رحيل مواطنه ماوريتسيو ساري عام 2018، لكنه كرر نفس مأساته مع البايرن، بتذوق مرارة الإقالة بعد عام ونصف العام، ليحط الرحال إلى المملكة المتحدة في نفس شهر طرده من فقراء الجنوب الإيطالي في ديسمبر / كانون الثاني، بتولي قيادة إيفرتون بعقد مدته أربع سنوات ونصف السنة، بيد أنه هذه المرة، اضطر الى فسخ عقده بشكل أحادي بعد عام ونصف العام أيضا، وذلك لصعوبة مقاومة فرصة العودة إلى «سانتياغو بيرنابيو» في ولاية ثانية.
ومع بداية الموسم الجاري، وبالأحرى بعد تعيين مورينيو مدربا لروما وعودة أنشيلوتي الى الريال، لم يتوقع أكثر المتفائلين من مشجعي الناديين، هذه النهاية السعيدة، أن يفعلها المو، وينتشل الفريق من براثن الضياع، تعويضا عن نتائجه المخيبة للآمال على مستوى الكالتشيو، بجانب الهزيمة الكارثية أمام بودو غليمت بالستة في دور مجموعات المؤتمر الأوروبي، وذلك بقيادة النادي لأول لقب منذ حقبة الملك فرانشيسكو توتي، تحديدا منذ آخر بطولة دخلت خزائن الذئاب في موسم 2007-2008، وكانت كوبا إيطاليا على حساب النيراتزوري، ليعزز مورينيو مكانه ضمن عظماء وأساطير الألفية الجديدة، كثالث أكثر مدرب تتويجا بالألقاب في أوروبا، بعد بيب غوارديولا والأوكراني ميرسيا لوسيسكو، والثاني على مستوى الدوريات الكبرى بعد الفيلسوف الكتالوني، بما مجموعه 25 بطولة مع فرقه السابقة بورتو وتشلسي والإنتر وريال مدريد ومانشستر يونايتد وآخرها لقب المؤتمر الأوروبي، ليصبح أول مدرب في التاريخ يتمكن من تحقيق البطولات الأوروبية الثلاث على مستوى الأندية.
وبنفس الكيفية، عاد أنشيلوتي من بعيد في تجربته الحالية مع الملكي، على عكس أغلب التوقعات في بداية مهمة خلافة زيزو، بأنه لن يقدم أي جديد، بعد التعاقدات الخجولة، بالاكتفاء بضم ديفيد آلابا وكامافينغا، بعد السماح بخروج القائد الأسطوري سيرخيو راموس وشريكه في الدفاع رافاييل فاران، بخلاف حملات التشكيك في أفكاره وقدرته على تحقيق ولو جزء بسيط من آمال وتطلعات الجماهير البيضاء، وذلك بطبيعة الحال، استنادا إلى أرقامه وإحصائياته المتواضعة في تجاربه السابقة بعد الوصول إلى القمة مع الريال في الولاية الأولى، بجانب تدهور سمعته في السوق، كمدرب فاته قطار الأندية الكبرى، لكن على أرض الواقع، أثبت العكس، مضيفا 3 ألقاب جديدة إلى سيرته الذاتية، استهلها بالكأس السوبر الإسبانية ثم لقب الليغا وآخرها كأس الأبطال الرابعة عشرة، التي يراها أغلب النقاد والمتابعين الأصعب، ربما في تاريخ النادي، لنجاحه في إقصاء صفوة المرشحين للقب باريس سان جيرمان وتشلسي ومانشستر سيتي وليفربول في نهائي «سان دوني»، في ما اعتبره البعض، انتصارا للكرة الكلاسيكية على أساتذة الحداثة والكرة المعاصرة، لكن الأهم بالنسبة لكارليتو، أن هذه الثلاثية، جعلته يفض الشراكة مع الأسطورة السير أليكس فيرغسون، ويصبح رابع أكثر مدربي أوروبا تتويجا بالألقاب، على بعد لقبين فقط من صديقه البرتغالي وتسعة عن ملك الألقاب في الألفية الجديدة بيب غوارديولا، صاحب الـ32 بطولة مع برشلونة وبايرن ميونيخ وفريقه الحالي مانشستر سيتي. والسؤال الآن: هل ستستمر صحوة مورينيو وأنشيلوتي وتكون سببا في تقليص فارق الألقاب مع غوارديولا في المرحلة المقبلة؟ أم بالعامية المصرية مجرد «حلاوة روح» وبعدها سيواصل البيب تعزيز مكانه على رأس قائمة المدربين الأكثر حصولا على البطولات في القرن الجديد؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية