تعبير اليتم الكوني، الذي صدح به السوريون منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة على نظام الأسد، لا مبالغة به، ويمكن أن يكون الأكثر صحة، لأنه لم يمنع واقعاً حاصرهم بتنوع المذابح والمجازر في أزمنتها وأمكنتها الموثقة في أطنان الشهادات والوثائق، المكتوبة والمرئية والمروية على شفاه الضحايا وأهلهم، ممارسة الإرهاب والقمع والقتل والإغتصاب والحرق والحصار والتطهير العرقي والقصف العشوائي بكل الأسلحة “المحرمة” والمُحللة بمفهوم النفاق الدولي، بقيت عناوين فاضحة لصمت المجتمع الدولي عن الإنتهاكات الفظيعة التي تعرض لها السوريون طيلة أحد عشر عاماً، في كل مدينة وحي وزقاق، يدور الحديث حول مجزرة متتابعة، بل حول مأساة لها إيقاع رهيب من التفاصيل الصادمة المروعة، إرتبطت الأماكن بأسماء المذابح، تشجرت حتى تكاد أن تجعل مستقبل السوريين لغزاً محيراً في تعايش المجتمع الدولي مع نظام المحرقة السوري.
ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية قبل أيام، عن مجزرة حي التضامن القريب من العاصمة دمشق، وتفاصيلها المرعبة، سبقته كواشف مخزية ومهينة للعقل البشري والإنساني، في الحولة والقصير وحلب وداريا ودرعا والمعضمية جديدة الفضل ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والغوطتين وكل منطقة ثائرة، أو شك النظام في ولائها على إمتداد الجغرافيا السورية، كان الرصد والتوثيق حاضراً لجرائم الحرب والابادة وضد الإنسانية التي انتهجها نظام الأسد، ولأن السوري رفض أن يكون ضحية عزلاء نجح في بعض الأحيان في سلاحه “الرديء” للتوثيق أن يُبلغ عن جرحه وعن جثته لعالمٍ عجز أن يرد عنه العزلة.
اقتلاع السوريين
أصبح اقتلاع السوريين من دفتر الحياة: ميزة الأسدية الحاكمة وعصاباتها المتشجرة، فسماع خبر المذبحة مختلف عن التدقيق في مشاهدها التلفزيونية للغير مرغوب فيهم في الحياة في ظلال سلطة النظام القمعية، ولا تندرج قضيتهم في حقوق الإنسان المفترضة، والضحية السوري من المنظور الأسدي في الزمن العربي الزاحف للتطبيع معه ومع جرائمه
والانحطاط الكوني الشامل لا يرى في السوري إلا “جثةً” لا حق لها، ورقماً بعشرات أو بمئات الآلاف في زنازين الموت، يأتيها زاهق الأرواح الأسدي حين تشرق الشمس وتغيب متسلياً بافراغ حقده الأزلي على الضحايا، ويلف الظلام الكون كله، ذلك عادي، لأن السوري غريب لا ترغب به البيئة العربية والبيئات المختلفة، ومن ترفضه البيئة يذهب إليها الجزار ليكمل مهمته بإزالة ما يخدش فاشيته.
دفن الضحايا جماعياً
بعد كل مجزرة، يهبط الموت على السوريين هادئاً، كما هبط على أشقائهم من أبناء فلسطين منذ سبعين عاماً، وظن النظام أن دفن الضحايا جماعياً وتحويل جثثهم لرماد يمكن أن يدفن الحقيقة في مستنقع الجريمة الآسن للأبد مستنداً لظنون المحتل ذاتها وغير مُدرك أن كل جريمة محفوظة في صدور وعقول أجيال الكارثة، ولأن المذبحة غدت وجهاً مستمراً لوجود النظام، واستمراره في تذوق دم السوريين والتلذذ في إعدامهم والرقص والغناء على جثث الضحايا، وحطام مدنهم وقراهم، فشلت في ايقاظ الضمير العالمي الذي يغضب بعد كل مجزرة، ثم سرعان ما يمتص النفاق الدولي الغضب، بعد أن يمتص التراب دم الضحايا.
وفي الحالات كلها يتبدد الغضب والشفقة والرحمة والتعاطف، كما في كل مأساة السوريين وفاجعتهم المرتبطة بالتراث الدموي للسلطة الحاكمة في دمشق، وبجذورها الحقيقية المُذكرة دوماً بدورها ووظيفتها في المجتمع السوري وفي محيطها وبيئتها العربية.
سلسلة جرائم الإبادة
تتضارب المؤشرات وتتعدد، أو بالأحرى تتناقض التوقعات، بعد سلسلة جرائم الإبادة التي اقترفها نظام الأسد، وهي مسألة توهم من ورائها، أنها حُسمت مع وصول أنظمة التطبيع العربي نسج خيوط التواصل معه، والقبول الإسرائيلي و البعض الغربي بسياساته التدميرية، لن يكون بمقدورها بأي حال من الأحوال مواجهة أسئلة مستقبل سوريا والسوريين، ولا مواقف التطبيع مؤهلة لفتح باب الأمل أمام السوريين دون عدالة للضحايا، ودون تحقيق مطلب المحاسبة للنظام عن كل الجرائم.
لأسباب بسيطة، أن الشعب السوري المطحون بالقمع والإرهاب والقتل والدمار الشامل، له كلمة أخرى سيقولها مجدداً حتى لو عجزت رموزه المراهنة عن فتح باب الأمل، واستمر النفاق الدولي بمحاباة الجلاد
أخيراً، الكشف عن جرائم نظام الأسد وعصاباته بحق السوريين وأشقائهم اللاجئين الفلسطينيين، والقبول ضمناً بوجود الجلاد واستمراره بارتكاب جرائم الإبادة، وتجاهل وتغييب محاسبته في الوقت الذي يرفع فيه الصوت عالياً ضد جرائم حليفه الروسي في أوكرانيا، فهذا إقرار بالعجز والضعف العربي والدولي، وعليه ينبغي للسوريين وقادتهم في المعارضة عدم الرضوخ والاستسلام واليأس انطلاقاً من ثوابت أكد عليها ملايين السوريين لافشال كل ألاعيب تجميل السفاح لتحقيق غرضه من المذابح، والمؤشرات المتوفرة لدى كل سوري أن المجزرة في كل سوريا هي المفتاح الصدئ للبوابة الأسدية، وهو ما يستدعي عملاً يُسقط إلتماس البراءة للجلاد حتى لا تسقط الحجة الأخلاقية في القضايا الكبرى وأهمها جريمة المحتل والطاغية.
كاتب فلسطيني
اللهم فرج على الشعب السوري أينما حل وارتحل
في الأيام القادمه ، سنشهد ونسمع قصص لم تروى في تاريخ ولا حتى في قصص الخيال او افلام الرعب ، في الايام القادمه ستحدثنا انفسنا ماذا فعلنا لهؤلاء الشباب والشابات المعتقلين في سجون النظام الفاسد ، سنسمع احداث وآلام من بقية ذاكرته على قيد الحياة ، ما لم ترى عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال بشر.