وما المذيعة إلا امرأة ضربت شعرها في الخلاط مع “حبة مانجه” صفراء فاقع لونها، ثم في حجرة المكياج أعطوها “سكينة معجون”، حتى انتقلت من جدران بيت مهجور لتصبح “عروسة المولد”، وما المذيع إلا كائناً عادياً استخدم “الفوزلين” في إظهار شعره لامعاً، فإذا كان من أصحاب الشعر الناعم، فقد جمع بين الحسنيين، وهكذا تحول المحامي خالد أبو بكر على رقة صوته وضعف حنجرته إلى مذيع، وجرى اعتماده من قبل أهل الحكم مذيعاً رسمياً، فلا معنى بعد ذلك للخبرة والتدريب، فماذا في المذيع سوى شعر ناعم وجُرعة “فوزلين” مناسبة! قالت العرب: “فازلين”، وقال الصعايدة: “فوزلين”!
ليس في المذكور ما يجعل منه مذيعاً إلا وفق المقياس سالفة الذكر، وإذا كان وباعتباره نصف محام، وجد طريقه أخضر للعمل الإعلامي، فلأن مصر لا توجد فيها ضوابط لممارسة العمل الإعلامي، فمصر بلد فيه توفيق عكاشة يعمل مذيعاً، فلا ضير إن قررت إحدى القنوات التلفزيونية تنصيب “أبو بكر” مقدم برامج، بقوة الدفع الأمني، لكن الجديد هو هذا الاعتماد الرسمي لمذيع ليس بمذيع!
عندما يتجاهل أهل الحكم المذيعين الخبرة في التلفزيون المصري، أو في غيره من القنوات الخاصة ممن يمكنه أن يؤدي الغرض فيقع اختيارهم على المذكور، تكون خيبة الأمل راكبة جملا، لا سيما وأن المستهدف أن يتم النفخ في الحدث، كما جرى في واقعة تسلم ضابط الجيش السابق هشام عشماوي، من قوات خليفة حفتر!
لم يكن في الأمر ما يستدعي نصب فرح العمدة، بالشكل الذي جرى، فالدور المصري لم يتعد عملية تسلم “عشماوي”، فمن ألقى القبض عليه هي مليشيات حفتر، وذلك منذ سبعة شهور مضت، ولا يعني استلامه، بعد استجوابه، ربما من مخابرات دول عدة، أن تقام الأفراح والليالي الملاح، وأن تنصيب الأنوار والزينات، وواقعة التسلم في حد ذاتها، ليست إنجازا أمنياً عظيماً، فخليفة حفتر هو جزء من محور الشر في المنطقة، وليس معقولاً أن يضن على قائد الانقلاب في مصر، بتسليمه مطلوبا مصرياً، وإن كان الغريب حقاً ألا يتم تسليمه كل هذه الفترة!
كما المذيع:
عندما هبطت الطائرة في المطار ظهر خالد أبو بكر، كما المذيع يمسك في يده ميكرفوناً، ثم يصعد للطائرة، وهو يزف بشرى لأعزائه المشاهدين بأنه الآن في الطائرة، وكأنه ينقل للإذاعة، وليس للتلفزيون، حيث يراه الناس، وليس بحاجة إلى الإعلان عن أنه في الطائرة، لأن المشاهدين يرونه بالفعل في الطائرة.
وقد استطرد بما أكد افتقاده لـ “صوت المذيع”، وهو يهتف بحنجرة ضعيفة، مخاطباً “هشام” ومخبراً إياه بأنه في مصر، وقد نجح أبطال القوات المسلحة المصرية في مهمة الإتيان به، وعدد عداً من الأسلحة العسكرية المختلفة، التي شكلت فريق عمل لهذه المهمة، التي أنجزها مدير المخابرات العامة في زيارة لليبيا، ثم يهتف مرة أخرى، وهو يقول: “حمد لله على السلامة يا هشام”.. قبل أن يلتف في اتجاه الضباط الواقفين وهو يهتف من جديد “تسلموا يا أبطال” وباعتبارهم عادوا من موقعة حربية، وكأن عملية تسلم المذكور عمل جبار وخارق للعادة!
لقد أضحكت عبارة “حمد الله على السلامة يا هشام” الثكالى، فكيف يخاطب إرهابيا عتويلاً ومطلوباً بذلك، في الوقت الذي يقوم فيه بتحميله عمليات إرهابية كبرى مثل اغتيال النائب العام؟
وقد كشفت عبارة الاستقبال عن ارتباك كبير، وافتقاده للمهارات اللازمة للقيام بهذه المهمة، على النحو الذي طرح سؤالاً هو لماذا كانت الاستعانة بغير مذيع للقيام بدور المذيع، بل وبقناة الأصل فيها أنها فضائية خاصة، ولم يتم تكليف التلفزيون المصري الرسمي بذلك؟!
إنها العقلية العسكرية، والتي وإن كانت تعرف قيمة الإعلام، وتخشى بأسه، فإنها تتحرك على قاعدة تفريغه من مضمونه، من خلال تصور هذه العقلية أنها الأمر ليس كيماء، وأن بمقدورهم أن يصنعوا صحافيين من الهواء، وهي العقلية نفسها، التي حكمت مصر لثلاثين سنة، حيث كان مبارك يرى أن هيكل كفاءته تتضاءل أمام سمير رجب، فالأخير يكتب سبع مقالات في الأسبوع، في حين أن هيكل كان يكتب “بصراحة” مرة في الأسبوع، فكان مبارك يتعامل مع الإنتاج الصحافي بالكيلو غرام!
الاستعانة بمذيع يفتقد لمقومات العمل الإعلامي (إلا بدهنه شعره بالفوزلين) هو امتداد لسياسة حكم، بدأت بحوار الحملة الدعائية للسيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث قامت مخرجة وليست مذيعة بالمهمة، وهي ساندرا نشأت، فلم يوكل لهذه المهمة مذيع أو صحافي محترف!
لعل الحاكم العسكري بهذا الفشل يؤمن بأن المذيع مهنة، وأنه لا يمكن تخليق الإعلامي في المصانع الحربية.
إن “الفوزلين” لا يصنع مذيعاً.
عملية تدمير محمود حسين
“يا فرحة ما تمت”؛ فلم نكد نسعد بحكم الإفراج عن زميلنا محمود حسين الصحافي في قناة “الجزيرة”، حتى فوجئنا بأن النيابة طعنت فيه، وعندما رفضت المحكمة الطعن، وأكدت على الإفراج، فوجئنا بالأمن لا يريد أن يطلق سراحه، وماطل في ذلك لأيام، ليتبين أنهم يعدون له قضية جديدة تم سجنه من جديد بمقتضاها، وهي قضية قيل إن أحداثها وقعت في سنة 2018، بينما كان “محمود” في السجن، وإلى الآن لم يتم إبلاغ أسرته أو محاميه بوقائع هذه القضية أو بالاتهامات التي أعادت صاحبنا إلى محبسه من جديد!
عامان ونصف العام، ومحمود حسين في السجن، بدون محاكمة، وعلى ذمة قضايا هلامية، لم يعلنوا حدودها، ولم يقدموه للمحاكمة، لأنهم يدركون أنه لا قضية هناك، وما نشر في البداية عن الاتهامات لم يكن منطقياً، مثل القول إنه منتم لجماعة إرهابية (الإخوان)، أو أنه وراء فيلم (العساكر)!
“محمود” هو ابن التلفزيون المصري، الذي كتبت عنه هنا في عهد الوزير صفوت الشريف، تحول إلى قطاع أمن ألحق به قطاع التلفزيون، ولم يعد بسبب الثورة هناك من يمكن أن يكون إخوانيا، ولم يفصح عن نفسه، فقد كنا في عهد مبارك نعرف الإخواني بترديد العبارة المتداولة: “لست من الإخوان ولكني أحبهم في الله”، ومشكلة الثورة أنها كشفت التنظيم والمنتمين إليه، فلم يكن هناك من يخفي إيمانه، بل إن هناك من هم من غير الإخوان، وكانوا يقولون بعد الثورة إنهم إخوان، وأحد الشباب كان لا يتوقف عن التعليق على كل نقد لي للإخوان وحكمهم، بما يدور حول هذه الرد: “فهل مطلوب منا أن ندفع بك عضواً في البرلمان فإن لم نفعل تهاجمنا”، فلما سألته ذات مرة إلى من تعود (منا) و(ندفع)، و(إن لم نفعل) أجاب: نحن الإخوان، وسألت وعلمت أنه ليس من الإخوان، ولكنه يدعي وصلاً بليلى في زمن انتصارها!
وفي هذه الأجواء، لم يثبت أن محمود حسين كان خلايا نائمة مثلاً، ولماذا نذهب بعيداً ووزير الإعلام صلاح عبد المقصود قال إنه عندما دخل مبنى التلفزيون لم يجد سوى ثلاثة أفراد من الإخوان. ولم يكن محمود منهم بطبيعة الحال!
فمحمود صحافي مهني وفقط، وعمل في “الجزيرة”، كما عمل من قبل مراسلاً لقناة “العالم” وغيرها من القنوات، ثم إنه ومنذ وقوع الانقلاب وانتقاله للدوحة، كان بعيداً عن “الدسك المصري”، وعن ملف مصر برمته، ثم إنه كان ضد فيلم “العساكر” ولم يشارك فيه وعلم به مثل عموم المشاهدين ومن خلال التنويه عنه!
لقد تجاوزت جهات التحقيق هذه الاتهامات لبلاهتها، واكتفت بتمديد الحبس له، بدون تقديمه للمحاكمة، لاعتقاد الجميع أنه لا قضية، حتى كان الحكم بإخلاء سبيله، ولم نكن نعلم ما ينتظره على يد سلطة باطشة، لا نعرف ماذا تريد، فيكون سجنه على ذمة قضية أخرى، من المؤكد أنها مثل سابقتها لا تقوم على أي أساس، فماذا يريدون؟ هل بذلك يبتزون قطر؟ وما شأنها قطر ومحمود مصري وليس قطرياً؟ وما هو الثمن المطلوب فيه؟ والحاكم العسكري لا يشبع أبداً، والذي لو اجتمع الخليج على قلب رجل واحد وقرر إشباعه، لكتبت صحف الخليج عن مساكن الإيواء، ولما شبع السيسي؟!
إن الهدف هو تدمير محمود حسين.. والله من ورائهم محيط.
أرض – جو
• وكأنهم يقرأون من كتاب واحد؛ فالمجلس العسكري في السودان يقرر إغلاق مكتب الجزيرة، بعد جولة له في بلاد الثورة المضادة، وكما فعل عسكر مصر!
• مساعد سابق لوزير الداخلية على قناة “اكتسرا نيوز”: ضبط عشماوي يعكس عراقة واحتراف الأمن المصري. لا يعرف سيادته أن من ألقى القبض على عشماوي هو الأمن الليبي!
• قناة “أون” وهي تحتفي بإنجازها التاريخي، كانت تكتب على شاشتها “أول حوار مع الإرهابي هشام عشماوي بعد أن تسلمته مصر”، في حين أنه لم يكن هناك حوار ولا يحزنون، فخالد أبو بكر كان يكلم نفسه، لدرجة أنه عندما قال عبارته المأثورة: “حمد لله على السلامة يا هشام”، يوشك أن يقول له “نورت مصر” لم يرد هشام عليه. حوار ليس حواراً.. ومذيع ليس مذيعاً، والعين صابتني ورب العرش نجاني.
• وها هو شهر رمضان يوشك أن يودعنا بدون البرنامج الديني للراقصة سما المصري، وقبل رمضان المقبل ستعلن ما أعلنته خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تقديمها برنامجا دينيا في الشهر الفضيل، وهو ما لم يحدث أبداً، لكن مع هذا ستجد من يتجاوب معها ويصرخ: “وا اسلاماه”!
صحافي من مصر
لقد أخطأ الصحافي محمود حسين بالذهاب لمصر السيسي برجليه! مصر أصبحت زنزانة كبيرة لكل حر وشريف!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تحية للقدس العربي
وتحية للكاتب المحترم
تتعجب في أمر المذيع في دولة رئيسها السيسي ومفجر ثورتها عكاشة وكاتب دستورها ممثلة وأمها المثالية راقصة .