القاهرة ـ ‘القدس العربي’ ذكرت صحيفة ‘الشروق’ في تغطيتها امس التي قام بها زملاؤنا مصطفى عيد ومصطفى حمدي ومحمد نصار، ان ‘نتائج التصويت في قرية العدوة مسقط رأس مرسي جاءت كاسحة لصالح نعم في أربع لجان فرعية، حيث بلغت سبعمئة وثلاثة أصوات مقابل ستة وأربعين صوتوا ضده، بالإضافة الى عشرة أصوات باطلة’، حسب نص التحقيق المنشور في الصفحة الأولى. أما ‘اليوم السابع’ فقد انفردت بسر خطير آخر، إذ نشرت صورة زنكوغرافية عن شهادة وفاة مكتوب فيها، جمهورية مصر العربية شهادة وفاة شعبية، اسم المتوفى الإخوان المسلمون، تاريخ الوفاة 15 يناير/ كانون الثاني سبب الوفاة، الغباء السياسي والخيانة، مكان الدفن، صناديق الانتخاب’، أما من وقع على الشهادة، فكان الشعب المصري مع ختم النسر.
لكن زميلنا وصديقنا الرسام الكبير الموهوب جمعة فرحات، حذرنا في ‘الفجر’ من اعتقاد أنصار الرئيس الاسبق مبارك انهم الذين حققوا نصرا بهذا الخروج الكبير ضد الإخوان، وقال ان قريبا له، غضب جدا وهو يشاهد مذيعة في التلفزيون تقول، نعم، نعم، والراديو كذلك، فصرخ قائلا:
قلت نعم، بس مش عشان انتوا قولتولي أقول نعم وتفكروني بنظام مبارك ومرسي.
وهذا حقيقي، لأن أنصار مبارك ونظامه يتحركون بنشاط، ولكن مساعيهم ستخيب، فهذه مرحلة تاريخية أغلقها المصريون بالضبة والمفتاح.
وعلى مدى يومين واصلت الصحف نشر أخبار عن المشروع المقدم للكونغرس الأمريكي باستئناف المساعدات لمصر، بعد الاستفتاء، وقرار هيئة التحقيق القضائية المنتدبة من محكمة الاستئناف بادراج أسماء عشرين شخصا على قوائم المنع من السفر، في قضية إهانة السلطة القضائية، وشملت القائمة أسماء إخوان مسلمين وناصريين ومعارضين للإخوان.
كما نصبت قوات الجيش كميناً في شمال سيناء لعدد من الإرهابيين وقتلت أحدهم.
وإلى شيء من أشياء عندنا:
على السيسي تركيب إمبراطورية
الجيش الاقتصادية من جديد
ونبدأ بما تيسر من المعارك والردود المتنوعة، ولدينا منها الكثير والمتنوع، والمثير أيضاً بدءاً من يوم الثلاثاء وزميلنا في ‘الشروق’ محمد عصمت الذي أبدى رأياً لافتاً بقوله:
‘التصويت بـ’لا’ لا يعني سوى سقوط خريطة الطريق أخلاقياً وسياسياً، وفتح الباب أمام مافيا الإخوان للاستمرار في مسلسل النصب العلني الذي يلعبونه منذ شهور تحت اسم ‘عودة الشرعية’ أحيانا ‘والرئيس الغائب’ أحياناً أخرى، للسطو على الحكم مرة أخرى.
قول ‘نعم’ للدستور الجديد، تؤجل هذا السيناريو الدموي، لكنها لا تلغيه إلا في حالة واحدة فقط، هو أن يحكم مصر نظام ديمقراطي حقيقي، تشير كل التكهنات الى أن رئيسه سيكون الفريق عبدالفتاح السيسي، وهو ما يضعنا أمام السؤال اللغز: هل يصبح السيسي هو ذلك الجنرال الثوري الديمقراطي؟، قد يمكنني أنا شخصياً الإجابة بـ’نعم’، إذا بدأ السيسي بإعادة فك وتركيب إمبراطورية الجيش الاقتصادية، ووضعها تحت قيادة مدنية، وساعتها فقط سيثبت السيسي فعلاً أنه رجل الأقدار الذي يمكنه خوض معارك الوطن الكبرى في الحرية والعدالة الاجتماعية، وأن قولة نعم للدستور كانت فعلاً في محلها’.
لا بديل عن التصالح مع المجتمع
وإعادة اكتشاف جوانبه الإيجابية
ونظل في ‘الشروق’ لنكون مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور عمرو حمزاوي وهو يواصل الشكوى المرة مما يحدث له ولغيره من الناشطين، بقوله:
‘لكي تنجح الأصوات والمجموعات المدافعة عن الحريات في مهمة البحث عن مداخل ومساحات للبناء الديمقراطي، في واقع يهيمن عليه المكون العسكري ـ الأمني وتخترقه نصوص دستورية وقوانين قمعية وانتهاكات متواترة لحقوق الإنسان ولكرامته، وتجتاحه المتوالية العبثية للعنف الرسمي والعنف الأهلي وتروج به مقولات فاشية العقاب الجماعي والكراهية، لا بديل عن التصالح مع مجتمع المواطنات والمواطنين وإعادة اكتشاف جوانبه الايجابية، من دون استعلاء وتجديد الثقة في قدرة الشعب المصري على الانتصار للحرية والحق والعدل ولاجل الديمقراطية لتنشيط خلايا الذاكرة الجماعية أن يساعدنا على تجاوز إحباطاتنا الراهنة من جراء رواج المقولات الفاشية والمعايير المزدوجة في التعامل مع حقوق الإنسان والصمت الشعبي بشأن عودة ممارسات الدولة الأمنية، أما استراتيجيتي فهي الاستماع إلى محمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب ومحمد قنديل’.
إذاعة التسجيلات والخوف
من عودة الدولة البوليسية
وإلى ‘وفد’ اليوم نفسه ـ الثلاثاء وزميلنا زكي السعدني الذي أبدى غضبه من قيام زميلنا وصديقنا عبدالرحيم علي بإذاعة تسجيلات لعدد من الناشطين عن اتصالات خارجية واقتحام مقر مباحث أمن الدولة في حي مدينة نصر اثناء ثورة يناير والاستيلاء على تقاريرها، فقال:
‘هذه التسجيلات الرخيصة تسيء إلى الجهات التي سمحت ببثها عبر القنوات الخاصة، وتؤدي الى إصابة الرأي العام بحالة من السخط العام وتجعله يتخوف من عودة الدولة البوليسية مرة أخرى، كما انها تذكره بما كان يحدث من البوليس السياسي في العهود السابقة، هذه الأعمال الخسيسة تتطلب من أجهزة الأمن أن تعلن براءتها منها حتى لا تفقد المكاسب الشعبية التي حققتها بعد ثورة 30 حزيران/يونيو، نتيجة انحيازها للشعب والعودة الى صفوفه ـ الشعب ـ مرة أخرى مع الجيش، لا تدسوا ثورتي 25 كانون الثاني/يناير و30 يونيو بهذه الأفعال القذرة والأعمال الواقعة التي تضر قبل أن تنفع وتعود بنا الى عصور الجواسيس وفضح خلق الله في قضايا مكانها الطبيعي هو النيابة العامة وليس الفضائيات. نعم هؤلاء خونة وعملاء وأعداء للوطن ارتكبوا أقدح جريمة وباعوا أوطانهم في سبيل الشيطان وتربحوا ويستحقون ما يحدث لهم من عقاب، ولكن في دولة القانون يتم ذلك من خلال تحقيقات النيابة، وهم الآن بين يدي العدالة، والنيابة هي الطريق الوحيد لكشف هؤلاء وتعريتهم أمام الرأي العام، وسيضرب الرأي العام تعظيم سلام لقراراتها ونتائج تحقيقاتها.
اجعلوا الشعب يشعر مرة في حياته بأن الجميع سواء، فلا نحلل برنامجاً موجهاً ينتهك أعراض البشر، ونوقف برنامجاً آخر ينتقد شخصية نعتز بها جميعاً، إذاعة هذه التسريبات من خلال الفضائيات أفقدها مصداقيتها وموضوعيتها لأنها تذكر الشعب بالماضي، الشعب قرف من هذه الوجوه الكئيبة التي تحاول أن تتصدر المشهد بارتداء ثوب الثورة والوطنية’.
نحن أمام قيادة عسكرية جماعية للانقلاب
ونقرأ لزميلنا وصديقنا مجدي أحمد حسين رئيس حزب المستقبل الجديد ورئيس تحرير جريدة ‘الشعب’ يوم الثلاثاء مقاله الذي يقول فيه:
‘لم أقل في أية لحظة إن السيسي مات، ولكن قلت أمراً ثابتاً بالوقائع: إنه مختف لإصابة أو مرض وقلت إن إصابته غير مميتة ولكنها تمنعه من الظهور، واعتقد ان ثلاثة شهور كفاية ليتعافى ككثير من المرضى أو المصابين، ومن ثم ليست لدي اية مشكلة أن يظهر، في ما يتعلق بالمصداقية الصحافية، ولكن لا استطيع أن أجزم بشفائه التام بعد، لأنه لم يظهر على الهواء، والدوبلير يمكن ان يتحدث طالما انه دوبلير السيسي، ونبرة الصوت يمكن التحكم فيها، ولكن الموضوع اصبح لدي أخطر من كل ذلك، فالسيسي لا تختلف ثقافته ومصطلحاته في الحديث عن الدوبلير الرقاصة، فما الذي يقول السيسي ولا يستطيع أي إنسان سطحي أن يقوله، ولم يعد شيئاً خطيراً ان يكون هو المتحدث أو البديل، فالنتيجة واحدة في إطار أننا أمام قيادة عسكرية جماعية للانقلاب، وهم أيضا بالمناسبة لا يتخيرون عن السيسي في الثقافة، المشكلة الأكبر ان شخصاً كالسيسي قبل اختفائه أو الآن لا يقول إلا كلاما فارغا يقال على أي مقهى أفضل منه، وكل حديثه على طريقة ‘يا نور عيني قد الدنيا يا حبايبي الجيش يحب الشعب والشعب يحب الجيش’. قلت منذ زمن إن عبادة الحجر منطقية اكثر من عبادة السيسي لأن الحجر لا يرتكب حماقات السيسي ولا يتحدث بأي بلاهات السيسي يصلح للدخول في مسابقة ‘أتفه رجل في العالم’ ولديه فرصة كبيرة لتحقيق مراكز متقدمة ولكن أن تسمع كل هذا الكلام الفارغ تمجيدا له فهو أمر يفوق التصور’.
إبراهيم يسري: ‘يا شعب مصر
واصل ثورتك واهزم الدولة العميقة’
اما جريدة ‘الشعب’ فقد أشارت إلى تصريحات السفير السابق بوزارة الخارجية، الذي لعب دوراً مهماً في النضال ضد نظام مبارك، وعملية نهب موارد مصر، إبراهيم يسري، قال فيها عن اسباب سحبه لمبادرته للتصالح معه. ‘الأسباب كثيرة، على رأسها استمرار خطف الرئيس محمد مرسي وإصرار الانقلابيين على تمرير وثيقة الخمسين، والمضي قدماً في الاستفتاء على دستور الانقلاب وحبس الحرائر، واقتحام الحرم الجامعي وعدم احترامه، والاعتداء الوحشي على الطلاب وقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، واستمرار عمليات القمع التي تحدث من الجيش والشرطة، واستمرار سقوط الشهداء، فبهذا الاسلوب المجرم لا يمكن ان يكون هناك أي أمل أو فرصة للحوار أو المفاوضات بين مختلف الأطراف، ومما يؤكد عدم توفر النوايا للتوصل الى تسوية تفاوضية بتنازلات متبادلة ولذلك لا أجد أمامي خياراً إلا سحب اقتراحي بالتفاوض حول التوصل الى حل وسط يحقق اكثر قدر ممكن من مطالب كل طرف، ان الشعب المصري سينتصر بكل تأكيد في نهاية المطاف، وستعلو الإرادة الشعبية فوق الإرادة الانقلابية العميقة، الانقلاب سوف يندحر وينتهي خلال الخامس والعشرين من يناير الجاري.
‘يا شعب مصر واصل ثورتك، وأعلن غضبك، واهزم الدولة العميقة، واهدمها هدماً تاماً، وانسف كل أركانها، واتخذ إجراءات وخطوات ثورية وليست إصلاحية، كما حدث سابقاً، وعلى من يريد الوصول للسلطة وإصلاح الوطن الآن عليه ان يهدم الدولة العميقة ويبيدها تماما، بكل عناصرها سواء ‘الإعلام أو القضاء أو الشرطة أو كافة العناصر الأخرى’ مهما كلفنا ذلك من تضحيات من اجل رفعة وطننا وفي سبيل قضيتنا العادلة. ما يحدث هو مخطط غربي أمريكي أوروبي صهيوني، والعقلية العسكرية تسير في ذات الاتجاه ولا تخشى غضب الغرب أو المجتمع الدولي، أو ما يقال عن محاكمات في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لا ننتظر ان تكون هناك ضغوط من الخارج قد تجبرهم على التراجع’.
مصر بحاجة إلى العقلاء
لإعادة بناء التوافق الوطني
وننتقل الى جريدة ‘المصريون’ لنتعرف مع كاتبها ورئيس تحريرها جمال سلطان على الاسباب التي تمنع الدستور الجديد من ان يحل ازمة مصر يقول:’ يبدو أن المزاد الانتخابي بدأ يميل إلى التهدئة والتواضع بعد يومين من التشنج والعصبية الشديدة وضرب الأرقام الاعتباطية، ويبدو أن هناك ‘عقلاء’ نصحوا البعض بأن يلاحظوا عواقب نشر أرقام غير قابلة للتصديق، فبعد أن كنا نسمع بيانات حكومية أمس عن نسبة حضور وصلت إلى تسعين في المئة، انخفضت بعدها عبر رئيس نادي القضاة المستشار الزند إلى ثمانين في المئة، ثم انخفضت عبر رئيس مركز ابن خلدون الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى خمس وخمسين في المئة، ثم وصلنا في صباح اليوم إلى نسبة أربع وثلاثين في المئة تقريبا، حسبما قال مركز ابن خلدون نفسه، ولا أدري ما الذي جعله يتراجع عن الأرقام التي سبق وأعلنها. المهم أن الداخلية هي الوحيدة التي تتمسك حتى الآن بأن نسبة الحضور تجاوزت الخمسين في المئة، والمشكلة تبقى دائما في خيال الإخوان ودستور محمد مرسي الضاغط على أعصاب الحكم الحالي وصراع الشرعيات. القضية لم تكن أن تفوز ‘نعم’ في التصويت الحالي، فهي مفروغ منها لأن الصوت الآخر لم يذهب أصلا للجان وقرر مقاطعة الحكاية كلها، ولكن كانت المعضلة في نسبة الحضور، والهاجس الذي أقض مضاجع كل خصوم الإخوان وأنصار الفريق السيسي هو أن تأتي نسبة الحضور أعلى من نسبة حضور التصويت في استفتاء الدكتور مرسي، لأن أي نتيجة غير ذلك ستطعن في مشروعية 30 يونيو من جذرها، فقد خرج لاستفتاء مرسي الأخير حوالي سبعة عشر مليونا من المواطنين، وسواء من قبل أو رفض إلا أن المشاركة كانت تعني الثقة والمصداقية والمشروعية أيضا، وبالتالي فلو جاءت نسبة المشاركة في استفتاء الفريق السيسي أقل من 17 مليون سيكون ذلك هزيمة، حتى لو حصلت ‘نعم’ فيها على المئة في المئة وليس التسعين كما يحتفل البعض الآن، أيضا هناك معضلة في أن أنصار الفريق السيسي ضخموا كثيرا من حشود 30 يونيو/ حزيران التي كانت مبررا لإطاحة العسكريين لمرسي ونظامه وشرعيته، وقد وصلت أرقامها التي أذيعت حسب ما يشبه الإجماع بين مؤيديها إلى ثلاثين مليون متظاهر، البعض وصلها إلى ثلاثة وثلاثين مليون متظاهر، والبديهة السياسية توجب أن يكون المصوتون أكثر من المتظاهرين، أو على الأقل هم نفس العدد، فلا يعقل أن تقول ان ثلاثين مليونا تظاهروا لي ثم لا يخرج لك سوى نصفهم في الاستفتاء الدستوري، وهذا ما جعل الإعلام الموالي للفريق السيسي والنظام الحالي يسارع من أول ساعة في أول يوم لكي يعلن الانتصار النهائي وأن المشاركة ستتجاوز الثمانين في المئة، لأن الجميع كانت عينه على رقم الثلاثين مليونا. مشكلة الدستور الحالي ليس فقط تحدي النزاهة والشفافية، ولكن مشكلته الأخطر أنه مصبوغ بالدم والصراع السياسي العنيف والانقسام المجتمعي والأهلي الخطير، وهو ما يضعف من قيمته ومن رسالته، الدساتير تصنع لتأسيس عقد اجتماعي جديد يطمئن له أبناء الوطن بكل تياراتهم وأعراقهم وطوائفهم، ويمثل أوتادا للدولة الجديدة يبنون حوله مؤسساتها وقوانينها، لكن الدستور الحالي لم يكن معنيا بذلك قدر عنايته بنسخ شرعية النظام الذي سبقه، وإذا كنا نلوم دستور مرسي بأنه لم يكون توافقيا، وهذا ما أضعف شأنه وهيج المعارضين ضده، فإن الدستور الحالي هو أسوأ بكثير من دستور مرسي إذا قيمناه وفق هذه الرؤية، لأنه ليس فقط غير معبر عن توافق وطني، بل ولد في أجواء إقصائية وفاشية لا تسمح أبدا ببناء أي مؤسسات ديمقراطية أو حتى حياة اجتماعية هادئة وآمنة وسليمة ما زالت مصر في حاجة إلى جهد كبير ومكثف من العقلاء والأمناء لإعادة بناء التوافق الوطني والبحث عن مخرج من الأفق المسدود والمهدد لمستقبل البلد’.
هل تمرض الدول وتموت
الإمبراطوريات وتورث؟
وفي العدد نفسه من ‘المصريون’ نقرأ للكاتب حسام فتحي رأيه في مصر التي يقول عنها انها ابدا لن تصبح رجل العرب المريض:’ أبداً لن تكون مصر رجل العرب المريض، كما كانت تركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى. نعم فالوصف الذي اطلقه”القيصر الروسي نيكولاي الأول على الدولة العثمانية (رجل أوروبا المريض) ظل يرن في أذني ويعشش في ذاكرتي منذ سنوات المعرفة الأولى، وكان التساؤل الملحّ: هل تمرض الدول؟ وتموت الامبراطوريات وتورث؟ وكانت اجابة ‘التاريخ’ واضحة لا لبس فيها، فالدول تمرض وتضعف وتهزل وتذهب قوتها ويخور بأسها، فتصبح مطمعا للكلاب قبل الأسود.
فكم من امبراطوريات انهارت، وكم من ممالك سقطت، وكم من دول اضمحلت قواها وذهب بريقها بعد أن كانت تحكم ما وراء حدودها، وها هي تركيا بعد ان كانت تبسط سيطرتها على شمال افريقيا كله، تجد بريطانيا وفرنسا وايطاليا تتسارع كل منها لأخذ نصيبها من (تركة الرجل المريض) دون أن تتمكن (الاستانة) من ابعاد الذئاب عن ممتلكاتها.
تذكرت قصة (رجل اوروبا المريض) بعد ان بدأت القصص تنسج اليوم حول نفوذ مصر الذي انتهى، وقوة مصر التي تلاشت، وقرار مصر الذي فقدته القاهرة، وأصبح فجأة وقد بدأت تتقاذفه أياد كثيرة، هذا الذي يتردد مؤلم لكل مصري وطني، يعرف قيمة مصر، ويدرك قامتها، ولديه ‘مجرد’ اطلاع على مجريات التاريخ، ومعطيات الواقع، وحقائق الجغرافية، فمصر لم تتوسع جغرافيا حتى تضمحل الآن.
ومصر لم تحتل اراضي لدول اخرى حتى تنكمش عنها اليوم.
ومصر لم تبسط نفوذها الديني او الثقافي على شعوب دول اخرى، بل لعبت دورا قدريا تجاه الامتين العربية والاسلامية، بحكم وجود الازهر، ودور العلم الاخرى، وتوافر العنصر البشري.
وما يحدث اليوم هو ان ‘مصر’ تعرضت ‘لهزات’ اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية قوية، لها اسبابها العديدة، وكان اهمها تراكم وتكالب ثالوث الدمار: الفقر والجهل والمرض على مدى عهود عديدة، فوصلنا الى ما نحن فيه الآن. ونحن قادرون – بإذن الله وعونه- وبوقوف الشرفاء الى جوارنا، من تجاوز ‘المحنة’ التي نمر بها، ونحن نثق تماماً بأن اخوتنا الشرفاء الذين وقفوا الى جانب المحروسة، في محنتها، لم يفعلوا ذلك طلباً لنفوذ سياسي يمارسونه على القاهرة، او مصلحة اقتصادية قد تنتقص من مصالح مصر، او تدخُّل سافر أو غير سافر في شؤونها الداخلية، او فرض وصاية على ارادة شعبها.
فالمحنة ستندحر، والأزمة ستنحسر، والظروف ستتغير، وستبقى المواقف يذكرها التاريخ الذي لا ترحم ذاكرته الحديدية أحداً.
عاشت ‘مصر’ حرة أبية مستقلة وليخسأ كل من يفكر لحظة في سلب ارادتها أو تجويع شعبها او الحصول على نصيبه في تركة الرجل المريض فما كنا ولا كان. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء’.
تفاصيل يومية معتادة في مصر اليوم
وننتقل الى جريدة ‘الشروق’ عدد أمس الخميس لنقرأ مع كاتبها بلال فضل بعض تفاصيل الحياة اليومية للمواطن المصري :’ أدعوك اليوم لقراءة تدوينة رائعة للروائي محمد ابراهيم استأذنته في نشرها، لأنني وجدتها تلخص بما ترويه من وقائع حقيقية مأساتنا الوطنية التي تحولت إلى مجرد ‘تفاصيل يومية معتادة’ كما يقول محمد في عنوان تدوينته:
مساء أوقفنى جارٌ إخواني وحيَّاني، لم يرني منذ زمن، تعاملت معه بود، بينما مر علينا عم محمود راكبا دراجته القديمة من دون أن يُلقي علينا السلام، لم أعتد من عم محمود ذلك، فالرجل لم يتجاهلني أبدا، ودائما ما يُلقي السلام بحرارة، فتعجبت وتساءلت بصوت مُرتفع، ليرد جاري الإخواني، ‘ما سلمش عليك عشان واقف معايا، أصله ما بقاش يرد سلامي’. عم محمود عاش فترة من الزمن على مساعدات جاري الإخواني عندما مر بفترة عصيبة صحيا وماديا لم تساعده خلالها السلطة.
في إحدى مدارس الابتدائي، دخل المدرس الفصل، أخرج من شنطته صورة كبيرة للفريق السيسي وعلقها فوق السبورة، وفي خشوع طلب من التلاميذ الوقوف، ليحيوا جميعا الصورة. بينما كانت موظفة إدارية تقف في الخارج، تتحدث مع مديرها بخبث، أنها رأت فلانة وفلانة يُلوحون لبعضهما بعضي بعلامة رابعة، وأنه يجب أن يحقق معهما، أشعر بأننا في طريقنا لإصلاح التعليم في مصر، إصلاح الطالب والمعلم.
كنت أزور تلك السيدة المُسنة الطيبة، عادت لتوها من العُمرة، اعتادت أن تذهب لتزور بيت الله كل سنة، عرفتها بطيبة قلبها وحنانها، لم تنجب وكانت دائما ما تعتبرني ابنا لها، بينما كانت مذيعة الأخبار تتحدث عن مقتل عدد من أنصار الرئيس المعزول مرسي، وتعرض بعض الصور لتلك الأحداث التي وقعوا خلالها قتلى برصاص الداخلية. وبخشوع رفعت السيدة الطيبة يديها المتوضئتين للسماء ودعت: اللَّهم احفظ مصر وانصر المسلمين واقتل جميع الإخوان. بلعت ريقي في صمت، واستأذنتها في الرحيل.
قبل الفجر بقليل، كانت عربات الأمن المركزي تُحيط بالمكان، كسروا الباب، كانت الزوجة مُستعدة وترتدي لباسا مُحتشما، كانت تتوقع مجيئهم، أخبرتهم أن زوجها الذي يبحثون عنه غير موجود، لم يعيروها انتباها، ولم يُخرجوا إذن النيابة الذي يجعلهم يقتحمون بيتها ليلا، بحثوا عنه في كل مكان، لكنهم لم يجدوه، فكسروا أثاث المنزل كاملا، ثم رحلوا، لحسن الحظ لم يأخذوها هي بدلا منه، لعل صرخات أطفالها منعتهم.
سافر من الإسكندرية لحضور جنازة صديقه فى القاهرة، كان حزينا فصديقه فى مثل سنه لم يُكمل الخمسة والعشرين ربيعا، في الجنازة مشى صامتا وتليفونه المحمول على الوضع الصامت أيضا، وعندما انتهت مراسم الجنازة أخرج هاتفه من جيبه، وجد أن أحدهم اتصل به عشرات المرات، فعاود الاتصال به في لهفة وقلق. ليأتي صوت صديقه ليُخبره باكيا أن صديقا آخر في نفس عمره قد وقع قتيلا في الإسكندرية وجنازته بعد ساعة. لم يستطع اللحاق بجنازة صديقه في الإسكندرية.
اعتدت السفر معه صباحا، منذ شهور كان يملأ السيارة هجوما على مرسي، والجميع يؤيدون كلامه إلا رجلا ملتحيَّا يُحدثهم عن الديمقراطية، أمس الأول ركبت بجانبه، اشتكى من حال البلد، وغلاء المعيشة، ثم مال على أذني وهاجم السيسي بصوتٍ لا أكاد سماعه، كان خائفا، الجميع خائف.
أتاني يستشيرني، سيسافر للعمرة قريبا، كان ملتحيا بلحية صغيرة وقت التقاط صورة جواز سفره، حلقها الآن، كان يخشى أن يتم توقيفه في المطار شكا في كونه إخوانيا يهرب مُتنكرا، وهو لم ينتم لأي من الجماعات مُسبقا. كدت أخبره بثقه ألا يخشى شيئا، لكنني تراجعت، وبصوت متحشرج طلبت منه أن يضع جواز سفره في غسالة الملابس ويذهب به لمصلحة الجوازات ليستخرج بدل تالف، ويضع صورة جديدة بدون لحية.
فى المساء كانت المدينة بين سكَّير منتشٍ بقوته، وخوفٍ يعم أرجاء المدينة ويخيم عليها. لو كان اللي فات ظلم، فاللي جاى ظلمات.
‘يا بيه كلنا بنخاف من الحكومة، اللى ما بيخافش من الحكومة الحرامية الكبار بس، إحنا على باب الله، واللي بيروح مننا محدش بيزعل عليه’. بائع متجول مُتحدثا عن الشرطة’.
الناس البسطاء قرروا ممارسة
الديمقراطية كما ينبغي
ونبقى في العدد نفسه من ‘الشروق’ ومع الكاتب عماد الدين حسين وهو يمدح شعبه المصري يقول:’ الذي رأيته بعيني في مدرسة المبتديان الثانوية التجريبية يكذب أي شخص أو هيئة أو جماعة أو فضائية تقول ان الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان ‘مضروبا’ أو مزورا أو مزيفا أو ديكورا أو ‘فوتوشوب’.
ذهبت إلى مقر لجنتي الفرعية رقم 60 في هذه المدرسة المجاورة لدار الهلال في الثامنة مساء أمس الأول الثلاثاء، حتى أضمن ألا يكون هناك زحام، فلم اتخيل ان يستمر تدفق المواطنين إلى اللجان حتى هذا الوقت، خصوصا ان هناك يوما كاملا مايزال أمام الناس للتصويت. المفاجأة ان الطوابير كانت مستمرة، بل ان أحدها كان يلف حول المدرسة التي تحتل ناصيتين… نوعية الذين دخلوا للتصويت عينة عشوائية للشعب المصري وان كان عنصر السيدات طاغيا كما حدث في اليوم الأول في معظم اللجان. كانت هناك فتيات صغيرات، ثم سيدات يحملن أطفالا على أيديهن أو يصحبن أطفالهن في أيديهن، وكان هناك منظر في غاية التأثير: رجل طاعن في السن ‘يتعكز’ على كتف شاب صغير ولجنته في الدور الثالث بالمدرسة، هممت ان أذهب إليه وأسأله: ما الذي دفعه للمجيء للتصويت؟ لكن أحد الرجال استوقفني وسألني عن التوقعات، فلم استطع ان أذهب إليه. رأيت سيدات مجتمع ورأيت سيدات رقيقات الحال والجميع اشترك في الزغاريد، رأيت صنايعية ورأيت مهنيين، رأيت شبابا وشيوخا واطفالا بصحبة اسرهم. المدهش ان الناس كانوا سعداء ووجوههم باسمة بصورة لم أتوقعها في ظل حالة العنف والإحباط والانقسام التي يعيشها المجتمع…
لا اعرف كيف يجرؤ البعض على السخرية من البسطاء الذين قرروا ان يمارسوا الديمقراطية كما ينبغي، وينزلوا إلى التصويت، ليأتي من يتهمهم بأنه تم إكراههم وشحنهم قسرا إلى اللجان.
مرة أخرى مطلوب من كافة عناصر النخبة والمثقفين إعادة النظر في الكثير من منطلقاتهم وما يعتقدون أنها بديهيات خصوصا ما يتعلق بحكاية مزاج الناس وتطلعاتهم وأفكارهم، وان يتوقفوا مؤقتا عن إطلاق الأحكام والتعميمات.
الناخبون المصريون أرسلوا أكثر من رسالة وبأكثر من طريقة إلى النخبة وإلى المثقفين وإلى الحكام خلال الفترة من 25 يناير 2011 وحتى الاستفتاء على الدستور الجديد امس، لكن للأسف فان أغلب هذه الرسائل لم تصل إلى من يهمه الأمر’.
حكاية الدكتور كمال المنوفي
وختام تقرير اليوم،، ستكون حكاية لزميلنا وصديقنا في ‘الأهرام’ الدكتور أسامة الغزالي حرب يوم السبت في عموده اليومي كلمات حرة وهو ينعى زميله وصديقه استاذ العلوم السياسية الدكتور كمال المنوفي، عندما كان لا يزال طالبا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قال، وترقرقت دمعتان في عيني من وراء النظارة وأنا أقرأ.
‘سوف أشير إلى واقعة واحدة لا أنساها، فقد كان كمال يعيش في ‘المدينة الجامعية’ اعتماداً على مكافأة التفوق التي يصرفها شهرياً، ولكن حدث انه رغم تميزه في كل المواد في نهاية العام الدراسي الأول، إلا أنه أخفق في مادة الإحصاء، مما كان يعني فقده للمصدر الوحيد للدخل! فهداه تفكيره الى أن يرسل لجمال عبدالناصر رسالة سلمها الى الحارس الشخصي الذي كان يلازم عن بعد ‘هدى جمال عبدالناصر’ يلتمس فيها عدم إيقاف مكافأته بسبب إخفاقه في الإحصاء، وكانت المفاجأة أن جاءه رد الرئيس بسرعة تقرير مكافأة استثنائية حتى التخرج ووفى كمال بوعده وحافظ على تفوقه، فكان الأول على الدفعة، وبدأ حياته العملية ليكون واحدا من افضل أساتذة العلوم السياسية في مصر والوطن العربي، كما تقلد عمادة الاقتصاد والعلوم السياسية، في الاسبوع الماضي رحل العالم والاستاذ الجليل كمال المنوفي في صمت، متأثرا بالأمراض التي استوطنت جسده مثل ملايين الفلاحين الفقراء، مصراً على ألا يزعج أحداً بأخبار معاناته وآلامه، رحم الله كمال، ورحم الله الزعيم جمال عبدالناصر’.
الى اخواننا المسلمين في مصر اصبرواا وصابروا ورابطوا والله انه الاسلام عاد وقام بعد ان اسقطه اعداء الله واعداء رسوله وفاجأ الجميع بعودته في هذا التوقيت الصعب بعد ان فقدنا الامل لكن الله شاء ان ينعم علينا ويتفضل علينا بحمل الراية راية الجهاد والعزة وخيري الدنيا والآخرة من العراق الى الشام الى يمني الى مصر الكنانة الى ليبيا المرابطين ثم الى مكة والمدينة خير بقاع الارض فيا ايها المسلمون انها البداية ونحن لها رجالها وقاداتها ومجاهديها وتحية خاصة لاخوات الرجال المسلمات العفيفات الطاهرات اعطين عمرهن لاعداد القادة والمجاهدين والله انها من نعم الله علينا