فاجأني ذلك البكاء وأنا غير مستعدة. فرغم أن نشرة الأخبار في المساء في القناة العاشرة افتتحت بخبر أن ‘الجيش الاسرائيلي احتجز ولدا فلسطينيا في الخامسة للتحقيق معه’، لم أكن أقصد أن أبكي بكاء الاطفال ولم أبتعد عن الشاشة. وآنذاك جاء الصوت من التلفاز وملأ البيت. هكذا بصورة عبثية من هنا الى هناك في منتصف الصيف، ولد وفلسطيني ايضا يبكي بكاء مُراً. يبكي ويبكي ‘الى عنان السماء’، كما كانت أمي تقول. ويقف حوله سبعة جنود أو ثمانية، ويتابع الولد الذي لا يشعر بالأمن لكونه محاطا بالجنود، البكاء. ويُبين أحد الجنود للمارة أن الولد رمى حجرا ويبكي الولد فلا يكف. ويأتي ضابط الى ‘الميدان’ ويقول للجنود ان ‘صورا كهذه تسبب ضررا اعلاميا’، والولد البكّاء يبكي. في مسائل الاولاد الخائفين الباكين ولا يهم من أي دين أو عرق أو جنس لا أكون في الحقيقة بطلة كبيرة، ويصبح من الصعب علي أن أتنفس بعد خمس دقائق بث. وانتظرت اعلان متحدث الجيش الاسرائيلي كالهواء للتنفس. وكان هناك ما يدعو الى الانتظار. والى ان جاء كانت تظهر على الشاشة تفصيلات قد تكون أهميتها ثانوية أو لا تكون: إن الولد وهو وديع مسودة قد أُخذ مع فتى مصاحب الى بيت والديه. وتقول أمه إنه ليس في الخامسة بل سيكون في السادسة في أيلول/سبتمبر. وتقول احدى الروايات إن الولد اختبأ في الخزانة الى ان جاء أبوه. وتقول رواية اخرى انه اختبأ تحت كومة فراش. واعتُقل أبوه وأُخذ الى قاعدة عسكرية معصوب العينين ومقيد اليدين ومعه وديع. وكان وديع الآن ممسكا بيد أبيه وهو ساكت. وانتظروا محاطين بجنود الجيش الاسرائيلي مجيء الشرطة الفلسطينية ثم قُطع المشهد. وجاء على لسان متحدث الجيش الاسرائيلي: ‘يؤسفنا أن منظمة ‘بتسيلم’ تختار بصورة منحازة نشر أفلام قصيرة من هذا النوع في وسائل الاعلام قبل استيضاح الامر مع الجيش الاسرائيلي. إن الحديث عن صغير رمى شارعا في الخليل بحجارة. واحتجزت قوة من الجيش الاسرائيلي هذا الصغير ونقلته الى والديه، ونقلته لمتابعة العلاج بصورة منظمة الى الشرطة الفلسطينية’. إن الاحكام سيقتلنا. إن متظاهرين في طهران والقاهرة واسطنبول وساوباولو واماكن كثيرة اخرى ينقلون بالهواتف المحمولة وأشباهها مقاطع فيديو تُبث مباشرة في العالم كله وعندنا يعظون ‘بتسيلم’ بالاخلاق. فلماذا لا يُسد ‘بتسيلم’؟ أليست تدعو الكثير جدا من القنوات في الكثير جدا من الدول واليوتيوب والشبكات الاجتماعية الى بث ‘صور تسبب ضررا اعلاميا’ وكل ذلك قبل الاستيضاح من الجيش الاسرائيلي! ولماذا لم تستوضح القناة التي بثت والصحف التي نشرت مع الجيش الاسرائيلي ما يفعلونه بولد لا تنطبق عليه سن المسؤولية الجنائية، ولماذا لا يعرف جنود الجيش الاسرائيلي الذين يخدمون في الخليل ما لا يجوز لهم فعله بولد لم يُتم الـ12 الى الآن؟ ولماذا عُصبت عينا الأب وقُيدت يداه، لماذا حقا؟ وقد استوضحوا. فكان جواب متحدث الجيش الاسرائيلي كالتالي: ‘ستفحص الجهات المختصة الأمر’. يا للتخفيف. إن الاحكام سيقتلنا. أيطرحون الملف على ‘بتسيلم’ أليس تسخين محركات التشريع أحكم؟ ألم يحن الوقت لاستصراخ عضو الكنيست ياريف لفين مثلا لسن قانون ‘بتسيلم’؟ وللاسكات والتقييد والابعاد؟ يمكن الى الآن ان نستوضح عند متحدث الجيش الاسرائيلي ما هي ‘الجهات المختصة’ وهل ستُسلم تلك الجهات استنتاجاتها الى وسائل الاعلام، ولماذا يُطلب الى بتسيلم أن ‘تستوضح الامر’ مع الجيش الاسرائيلي، وماذا يعني في الأساس جيش صغير وذكي؟ إن الزيادة من القضية كانت متوقعة ولم يتأخر مجيئها: فقد بيّن نائب الوزير في ديوان رئيس الوزراء أوفير ايكونيس في برنامج ‘لقاء الصحافة’ أن الحجر يمكن ان يقتل. من حسن الحظ أنه بيّن لأننا قد فوتنا على أنفسنا درس داود وجوليات. لا شك أننا ذهبنا الى البحر. وحينما يحتاج إيكونيس سيعرف ايضا كيف يُبين كيف نشأت القطيعة الاقتصادية مع اسرائيل. ليست ‘بتسيلم’ أيها الأحمق بل هو الاحتلال. الاحتلـ ااااااااال.