لا شيء يوحي بالثقة في أي خطاب يتعلق بالحرب في أوكرانيا، لا حقائق صلبة ولا شكوك تستند إلى حبكة مقنعة، حتى تسمية الأحداث نفسها تثير التساؤل، البعض يفضل تسمية ما يجري بالغزو الروسي لأوكرانيا، هذه مسألة تبدو صحيحة على أساس دخول الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية والتفاوت الهائل في موازين القوى.لكن فكرة الغزو لا تصمد كثيراً أمام فرصة تجنب كل ما يحدث، بمجرد وصول ضمانات أمنية مكتوبة لتجنب انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، الذي بقي يتشدق بأحقية كييف في تقرير ذلك حتى عشية الغزو، وبعد تصاعد الأحداث والدخول في المرحلة العملية ميدانياً، أصبح الحلف نفسه يتملص بصورة علنية من تقديم أي نوع من الحماية لأوكرانيا، التي لم تصبح بعد عضواً، والمشهد العام من الأعلى، يتقدم الروس بوتيرة أبطأ مما يتوقعه ويريده المتحمسون، وفي المقابل، يبدو الأوكرانيون متعلقون بأكثر من سيناريو، من غير أن يحسموا نوع المعركة التي يريدونها.
هل استدرج الغرب بوتين إلى مستنقع أوكرانيا؟ مع أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لم يستبعد ذلك في لقائه مع قناة «الجزيرة» إلا أن هذا سؤال من المبكر طرحه، لأنه يتعلق بالنتائج النهائية لما يحدث في أوكرانيا، خاصة أن الغرب نفسه يخسر من صورته أمام العالم، وفي مواجهة شعوبه التي تظهر متشككة في قدرتها على الدفاع عن نفسها، أمام التغول في خطاب بوتين الذي يبدو أنه رجل أكثر نضجاً ووعياً من الرجال على الجانب الآخر.
بوتين رجل الدولة القومي وصاحب الخبرة الأمنية الواسعة والرجل الذي عايش الحرب الباردة في موقع قريب من سور برلين، يواجه على الطرف الآخر رئيساً عجوزاً يفتقد التركيز في البيت الأبيض، ورئيس وزراء لا تخلو سيرته من الخفة والعشوائية في لندن، وبيروقراطيا ألمانيا جديدا يظهر باهتاً مقارنة مع سلفه المستشارة ميركل، ورئيساً فرنسياً يشبه فتى الجوقة، الذي ينسى كلمات الترنيمة ويحاول أن يظهر متماسكاً داخل الدور الذي يفوق تأهيله وقدراته، والبقية في أماكن كثيرة من العالم ليست أحسن حالاً، أما البائس الكبير على الرغم من محاولاته التمثيلية فهو الرئيس الأوكراني القادم من عالم الكوميديا. ألم يكن بوتين يفضل أن يتجنب الغزو في أوكرانيا؟ عملياً كان يمكن لأوكرانيا أن تكسب أشهراً أو سنوات بمجرد أن تتحدث عن تأجيل فكرة الانضمام إلى الناتو، أو الحديث عن عدم مواءمتها للوقت الراهن، وكان ذلك سيكون أقل تكلفة على بوتين من الخضوع لعقوبات اقتصادية تضعه تحت ضغط الوقت، وضرورة تحقيق انتصار محرج أمام الغرب، لا يستطيع أحد أن يتعرف على حدوده، خاصة أن الانسحاب من غير تحقيق أهدافه يبدو خياراً مستبعداً، وهذا الطرف أو ذاك، عليه أن يتجرع الكأس المرة التي ستحدد طبيعة موقعه من العالم في عقدين مقبلين على الأقل، ويبقى الفرق هو في استقرار الأهداف الروسية مقابل تأرجح الأهداف الأمريكية، وبجانب ذلك، قدرة أوروبا على الاعتراف بأن التسوية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم المثالي الذي تخيله الأوروبيون لم يعد قابلاً للاستمرار من غير مراجعة موجعة وصريحة، يجب أن تبدأ من الادعاءات الرئيسية التي يقدمها نموذج الدولة الأوروبية وتدحضه قوى اليمين، التي تتخذ مواقف سلبية من اللاجئين والمهاجرين والعلاقات الدولية تبدو على تطرفها أحياناً أكثر واقعية وتعبيراً عن الروح الأوروبية.
التسوية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم المثالي الذي تخيله الأوروبيون لم يعد قابلاً للاستمرار من غير مراجعة موجعة وصريحة
لعبة الناتو هي انكشاف للقيم الأوروبية، وللتبعية الأوروبية للمهاجرين القدماء، الذين أخذوا معهم الروح الحقيقية للقارة العجوز في العالم الجديد، وأخذوا يعيدون تصديرها بإقصائيتها وعنجهيتها، وتدفع أوكرانيا ثمن التوثب الروسي تجاه مقاومة هذه الروح، وثمن الانتهازية الأوروبية، التي تحاول أن تبحث عن طرف يتحمل أخطاءها والعبء المادي والأخلاقي لقراراتها ومشكلاتها وتصرفاتها.
أوكرانيا، الأرض الجميلة والمفتوحة والموطن الأول للأمة السلافية الروسية، تعيش أزمة هوية متوطنة، تحاول اللحاق بقطار أوروبا، ووسط القصف والاحتمالات الصعبة التي تعيشها، يوقع رئيسها طلباً للانضمام للاتحاد الأوروبي، وبالطريقة الغامضة نفسها تستقبل أوروبا طلبه في هذا التوقيت وهذه الظروف، البعض يتحدث عن معاملة خاصة، لكن الأغلبية تقول إن دراسة الطلب ستستغرق سنوات من الزمن، والأوكرانيون الذين يظهرون شيئاً من العنصرية في التعامل مع الجاليات العربية والافريقية، يعتقدون بأنهم يمكن أن يتحولوا بين ليلة وضحاها إلى ايطاليا أو فرنسا أو ألمانيا، يتناسون حقائق بسيطة تتعلق بأوروبا نفسها، فالاتحاد الأوروبي شيء، والناتو شيء آخر مختلف، في الناتو يمكن أن تجد تركيا، لكن ليس في الاتحاد الأوروبي، على الأقل في المدى المنظور، فما الذي يمكن أن يدفع إلى قبول أوكرانيا؟ ما الذي يجعلها تبني آمالاً عريضة، في الوقت الذي تصطف في الانتظار صربيا ومقدونيا وألبانيا، وتبدو البوسنة مستبعدة عن الحسابات الأوروبية. المستنقع الأوكراني ليس عسكرياً، بوتين وبايدن وغيرهما وجوه بارزة لا تمثل سوى الجزء المرئي، أما في العمق، فالكثير من القيم والأخلاقيات السياسية والاجتماعية تخضع لاختبار كبير يمثله الإنسان الأبيض، الذي يرى نفسه في المركز الأنجلو ـ ساكسوني، ويتدرج هبوطاً إلى الجرمان والسلاف، ويظهر ذلك في تراتبية أخذت تظهر مع أزمة كورونا، وتتعمق مع حرب أوكرانيا، وفي وسط ذلك، تظهر الثورة على ذلك كله، على التمييز ضد اللاجئين من العرب والافارقة، ويظهر شاب مغربي يقبض على سكين لينظم صعود العرب والافارقة في القطارات بجانب الأوكرانيين، احتجاجاً على استيلائهم على حق الهرب من الحرب مع أنهم طرف فيها، وهذه الصورة ليست عرضية في الحرب، إنها صورة المستقبل للأسف، صورة تعزز قطع الطريق، الذي مارسته بعض الدول على المعدات والمستلزمات الطبية مع بداية وباء كورونا، صورة لما يمكن أن يكون عليه العالم في العقود المقبلة، صورة يجب أن يلتفت لها الجميع في حرب أوروبية جديدة يمكن أن تفكر في البحث عن مواضع أخرى للاشتباك للتخفيف عن القارة العجوز بما تحمله من أنانية تحتاج إلى وقفة مطولة وجذرية.
كاتب أردني
استفزاز روسيا للعالم بالقرن العشرين باحتلالها عدة مناطق بمظلة إتحاد سوفياتي أدى لتكاتف دولي لحصاره وعزله عن العالم وصولاً لانهياره اقتصادياً واجتماعياً وانسحابه من 15 دولة محتلة وتحجيمه بإتحاد روسي، والآن بالقرن 21 تعود روسيا لإستفزاز العالم لكن بمظلة إتحاد روسي باحتلالها مناطق خارجه ابتداء بجورجيا وسوريا وأوكرانيا وسيقود ذلك لتكاتف دولي لحصاره وعزله عن العالم وصولاً لانهياره اقتصادياً واجتماعياً وتفكيكه واستقلال مناطق القوقاز وقوميات أخرى محتلة وإبعاد روسيا عن بحر الأسود وبحر قزوين وبحر البلطيق
ازدواج الشخصية جزء اساس من الشخصية الأوربية.لكنهم يغطونها ببهرجة الألوان ( الحضارية ).هم نسخة من هوليوود.أكشن مخادع ويظهرون على حقيقتهم في الأزمات..
لقد عانيت منه كثيرا في دبلن إبان دراستي في الجامعة المفتوحة.