المسلسل الإنكليزي «بيكي بلايندرز»… صعود الفاشية في أوروبا

حجم الخط
1

يمكن أن نقول إن هذا المسلسل هو النسخة التلفزيونية من الفيلم السينمائي «العراب» للأمريكي فرانسيس فورد كوبولا، وذلك من عدة نواح متعلقة بالسيناريو وعموم الفكرة، فنحن هنا أمام عصابة تعتمد على العائلة، نقطة قوتها هي أولاً ذكاء زعيمها، وثانياً علاقاته، وليس ذلك في السلاح والرجال، أو ليس في ذلك وحسب، فهنالك عصابات أخرى تفوق «بيكي بلايندرز» في ذلك، لكن النصر أخيراً، في نهاية كل موسم، يكون لهذه العصابة/العائلة.
الموسم الخامس من المسلسل الذي ألّفه الإنكليزي ستيفن نايت، أصبح متاحاً على شبكة نتفليكس بدءاً من الشهر الماضي أكتوبر/تشرين الأول، بعدما عُرض على «بي بي سي 1» في أغسطس/آب، علماً بأن موسمه الأوّل عُرض على «بي بي سي 2» في 2013، ومواسمه جميعها متاحة حالياً على الشبكة الأمريكية.
المسلسل الذي استوحى العصابة وبعض قصصها من واقع وُجد في مدينة برمنغهام في السنوات ما بعد 1890، واقع عصابة لها الاسم نفسه وفي مدينة برمنغهام كذلك، لكنّه المسلسل، اتخذ لنفسه زمناً هو عشرينيات القرن الماضي، في موسمه الأول ليمتد أخيراً في موسمه الأخير، إلى بدايات صعود الفاشية في 1930.


يعتمد المسلسل على العصابة/العائلة، وكل من العصابة والعائلة يعتمد على الأخ الأوسط وهو توماس شِلْبي، أسفل منه في التراتبية القيادية أخوه الأكبر آرثر والأصغر جون، إضافة إلى عمتهم بولي. لتوماس سيطرة تامة على العصابة، لا يشاركهم حتى بأفكاره أو خططه في مرات عديدة، لكن عدم مشاركته هذه متعلقة بالكيفية التي يقضي فيها أخيراً على أعدائه، إذ ينزوي بنفسه ويسرح ليخرج أخيراً بفكرة يقضي بها على أعدائه، وهم قادة عصابات أخرى في كل من برمنغهام ولندن وحتى نيويورك، التي سيأتي منها أفراد عصابة، في الموسم الرابع، للنيل ثأراً من عصابة «بيكي بلايندرز»، وهذه العصابات تتراوح بين الإيطاليين واليهود والبروتستانت، علماً أن عائلة شلبي ذاتها هي من جذور غجرية.

يدور المسلسل حول التمدد الذي يبدأ لعائلة شلبي والعصابة الصغيرة في حيهم الصناعي الفقير في بيرمنغهام، إلى سيطرة على المدينة بعد تصفية العصابات الأخرى، امتداداً بالنفوذ إلى لندن

يدور المسلسل حول التمدد الذي يبدأ لعائلة شلبي والعصابة الصغيرة في حيهم الصناعي الفقير في بيرمنغهام، إلى سيطرة على المدينة بعد تصفية العصابات الأخرى، امتداداً بالنفوذ إلى لندن، يتخلل ذلك (عبر المواسم الخمسة) سيطرة على جهاز الشرطة في برمنغهام، وتأثيرها على شخصيات سياسية وتجارية مهمة، مروراً إلى شركات عديدة بعضها في نيويورك، تابعة كلها لعائلة شلبي، أو تحديداً لتوماس شلبي، وكل ذلك بذكائه وحدسه وخططه، إلى الموسم الأخير حيث سيكون توماس عضواً في البرلمان البريطاني بعدما نال في المواسم الأربعة ميداليات تكريمية عدّة من الدولة، إثر قتاله في الحرب العالمية الأولى في فرنسا ثم تعامله الاستخباراتي مع الدولة البريطانية، ما نال، بفضلها وتحت مسميات وهمية، ميداليات تكريمية وصفقات تجارية لتصدير أسلحة ومشروبات كحولية وغيرها.
العائلة صغيرة، تصبح ثرية مع قصور لأفرادها، وشركات تجارية تموّه عمليات قتل واغتيال وسرقة واحتيال، إضافة إلى الاستحواذ على سوق الرهانات في سباق الخيل. كل ذلك يُرافق الثراء الذي سيجعل من العائلة العصابة الأقوى بقائدها اللامع الذي صار عضو البرلمان البريطاني، والذي سيخطط لأن يتزعم الحزب الفاشي الجديد الذي سيُعلَن في بريطانيا مع بداية العقد الجديد (الثلاثينيات)، يتزعمه كي يطيح به من الداخل، في عمل استخباراتي. جريمة وتجارة وسياسة، كوكايين وأسلحة ثقيلة وخفيفة، وفاشية واغتيال وابتزاز، رجال دين قتلة وشرطة مرتشية ومحقق فاسد وشرير، هذه كلها أجواء المسلسل الذي يصوّر حقبة تاريخية مهّدت لصعود الفاشية ثم الحرب العالمية الثانية، ثم إلى ما نعيشه اليوم في عالمنا، في أوروبا تحديداً حيث تعود الفاشية بأشكال جديدة/قديمة.
خرجت المواسم الأربعة في السنوات التالية تباعاً: 2013، 2014، 2016، 2017. والموسم الخامس الذي أُتيح مؤخراً على نتفليكس بدأ حلقته الأولى بالأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا ومنها العالمَ، وانتهت بيوم إعلان الحزب الفاشي الجديد في بريطانيا. وهنالك كلام عن موسمين، سادس وسابع، وقد صرّح مؤلّف المسلسل بأنّه سيواصل الحكاية إلى الغارة الأولى على برمنغهام في الحرب العالمية الثانية.
وكل من المواسم الأربعة الأخيرة، يتم التمهيد له في نهاية الموسم السابق، لتنشأ عقدة جديدة في حياة العائلة، عقدة غير ودية تتعلق بالأعداء، أعداء جدد لم نعرف بهم أو مستمرون من الموسم السابق، تنمو العقدة وتتعقد أكثر حياة العائلة/العصابة، تتداخل أكثر التناقضات، يصعب الحل أكثر، تسيل دماء كثيرة، إلى أن تُحل العقدة في الحلقة الأخيرة بقضاء توماس شلبي على كامل أعدائه، بأسلوب كذلك اعتمده فيلم «العراب» في أجزائه الثلاثة، وهو القضاء على أكثر من فرد في أكثر من مكان بتزامن ينقله المسلسل (Peaky Blinders) في الحلقات الأخيرة لمواسمه، بشكل مكتوب جيداً ومصوّر كذلك جيداً، بموسيقى هي كذلك جيدة ولافتة.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلي محمد من المملكة المغربية:

    اضع كلمات ادا سمح لنا منبر القدس شكرا بين قوسين رغم ان كل ربما يعرف ان المسلسل اوالسلسلة وجه من وجوه السينما فالمسلسل يمكن ان يكون في حلقات محدودة على حسب الحدث اوالقضية ليظل العاشق في شوق وكدالك السلسلة بعض الشيء لاختلاف بسيط وغالبا المسلسلات لاجنبية تكون مقتبسة من التاريخ وكأن لسان حالها يقول انظروا نحن لم نصل الى ماوصلنا اليه من تقدم على اكثر من باب بطرق سهلة مررنا من فم المرارة لازالت لنا كلمة فالكاتب المحترم له مواضيع اخرى بلغة السينما

إشترك في قائمتنا البريدية