المسلسل اليوناني «دم زيوس»… الأسطورة بثيمات لونيّة

حجم الخط
0

بعد تجربة مخيّبة في مشاهدة مسلسل «دارك» (ظلام) الألماني على نتفليكس، وكان مضيغةً للوقت، كان لا بد من تفادي مشاهدة مسلسلات لفترة على هذه الشبكة، التي يصعب أحياناً إيجاد الجيّد فيها، ضمن تزاحم الممل والمبتذَل والاستهلاكي، ومن الجيد أنها ليست مصدر المشاهَدة الوحيد، خصوصاً في حالة الحجر التام، الذي دخلته فرنسا مجددا، وبعضٌ من دول أوروبا.
قد يقع أحدنا، بعد التجربة المخيّبة تلك، وأثناء التقليب بين الجديد، أفلاماً ومسلسلات، على ملصقات لافتة، كان أحدها لمسلسل عنوانه «دم زيوس» وكان أشدّ إلفاتاً من غيره لأسباب ثلاثة أولية: موضوعه، فالميثولوجيا الإغريقية وآلهتها موضوع محبَّب، وشكله، فرسومات هذا الأنيمي بديعة ومختلفة ومتميزة، يوحي البوستر بذلك ويؤكده الترايلر، وأخيراً لكونه بثماني حلقات لا تزيد إحداها عن نصف ساعة، فيكون، في كل الأحوال، خفيفاً على القلب.
يُشاهَد المسلسل في ليلة واحدة، كفيلم طويل من أربع ساعات، يُشاهَد كخيار مصيب، يزيل، نسبياً، حالة النفور التي يمكن أن تسببها مصيبةُ «دارك» الألماني المتكلّف والمكتوب بفذلكة مبالغ فيها، يرافقها أسفٌ على الوقت المهدور.
نبقى في «دم زيوس» (الأمريكي، لصانعَيه اليونانيّين بارلابانيدس) المبهر حكايةً وصورةً، الممتع مشاهدةً ومتابعة، فليس من السهل رواية واحدة من حكايات الأساطير حيث الآلهة تتصارع، في مسلسل بهذا القِصر، وبحوارات لا هي ثقيلة ولا مقحَمة، ولا هي خفيفة ولا مسطَّحة. وتكون المتعة مضاعفة في هذا المسلسل، موضوعاً في نقل الحكاية بسلاسة لا تخلو من المضامين الضرورية لها، وشكلاً في رسم وتلوين مبهرَين.
لم يقم صانعو المسلسل برسم وتصوير حكاية أسطورية يعرفها أو يعرف عنها الكثير من مشاهدي المسلسل، إنّما، وهذه جرأة في الطرح، أضافوا إلى مسلسلهم شخصية خيالية هي بطله، هيرون، ابن زيوس في المسلسل، وكما أنه لا ينتمي إلى الميثولوجيا الإغريقية، فهو لا ينتمي إلى عالم الآلهة. هو ابن زيوس من امرأة قروية، فانية، هو إذن نصف إنسان ونصف إله، وهو يمثل الخير، مقابل أخيه التوأم، ابن زيوس كذلك من الامرأة ذاتها، والذي تحول إلى شيطان، ممثلاً للشر. كأنّ التقابل بين الاثنين في المسلسل هو واقع الخير والشر في هذا العالم. كأنّهما، الخير والشر، أساساً، إنسانيان، أو نصف إنسانيين ونصف أسطوريين، نصف واقعيين ونصف متخيّلين.

ينقل المسلسل صراع ابنَي زيوس، ملك الآلهة في جبل أوليمبوس، هيرون وشخصية مأخوذة من أسطوريات غير إغريقية (يهودية/مسيحية) هو سيرافيم، الذي يتزعم الشياطين والتيتانس والجيانتس.

إذن، هيرون يتصارع مع زعيم الشياطين، بضع آلهة على رأسهم زيوس، يساندون الخير، وبعضهم، على رأسهم زوجة زيوس، هيرا، التي لغيرتها من علاقة زيوس (متعدد العلاقات بنساء وكذلك بآلهة) بالقروية الجميلة، تشن الحرب على زيوس، انتقاماً، راغبة بقتل هيرون، محرضةً باقي الآلهة عليه، وهو الذي أدخل إنساناً فانياً إلى جبَلهم ومملكتهم.
ينقل المسلسل صراع ابنَي زيوس، ملك الآلهة في جبل أوليمبوس، هيرون وشخصية مأخوذة من أسطوريات غير إغريقية (يهودية/مسيحية) هو سيرافيم، الذي يتزعم الشياطين والتيتانس والجيانتس. ضمن هذه التركيبة الأسطورية، الخالطة بين الحكايات المعروفة عن الإغريق، وتأليف خاص بالمسلسل، يبقى الفاصل عريضاً بين الخير والشر، بذلك يبقى المسلسل ضمن حدود الأساطير والكلاسيكيات في توزيع الخير والشر، بشكل مطلق، بين الشخصيات، إنّما، مضيفاً قيمة أرضية إليها من خلال «زعيمَي» الحرب، نصف الآدميين، أحدهما يأتي من حياة قروية بسيطة فقيرة، منبوذ من الناس لكونه «ابن حرام» كما يسمونه، والآخر شيطاناً مسيطراً، بكل ما فيه من شر بيّن لا نهاية له.
المسلسل (Blood of Zeus) الذي كان بعنوان آخر قبل أن تشتري نتفليكس (المحبة للدماء في أعمالها) حقوقَه، هو «آلهة وأبطال» يبدأ بنزالات، معارك صغيرة، وينتهي بالحرب، التي لا تبدو نهائية (كما أن نتفليكس تصمم على عرض موسمٍ ثان) فينتهي بشخصية جديدة تظهر لتكون «رئيسية» في الموسم التالي، ممهداً لحروب لا تنتهي ودماء لا تجف، لا تكون بين الآلهة والشياطين، أو بينها وبين الإنسان، بل بين الخير والشر، والشخصيات تتوزّع على أساس ذلك.
ليس المسلسل مرجعاً لهذه الحكايات الإغريقية، هو ليس ما روته الأساطير، هو عمل فني حديث، يستند إلى بعض تلك الشخصيات وعلى بعض حكاياتها، وهو، وقد أتى مكتوباً بشكل موصلٍ للمتعة إلى متلقّيه، أتى برسوم وتلوين، أو بثيمة لونيّة لكل مشهد، جاعلاً للشكل قيمة لا تقل عن المضمون، بل تزيده في حالتنا هذه، ولا بأس في أن يتفوق الشكل على المضمون في أعمال فنّية كهذه، حيث للخيال مساحات توازي الحكاية في خيالها. يمكن للإبهار البصري أن يكون قيمة إضافية أحياناً، خاصة إن أتى في مسلسل جيّد، وبسيناريو ممتع، يتلو مشاهدة بائسة لمسلسل يُتعب من كثر الملل المبثوث منه.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية