المشكلة مع برلين

حجم الخط
0

الاسرائيليون لا يغادرون الى برلين بسبب اسعار «الملكي» مثلما يطيب عرضه ممن لهم مصلحة في هذا التشهير الشرير. فالشأن الاسرائيليون يغادرون الى برلين بسبب جدعون ساعر. بمعنى، ليس جدعون ساعر تحديدا – الذي حتى قبل أن يغادر وزارة الداخلية يبني عودته كمن اكتشف نور الدين ومحبة الرب والسبت. بل «جدعون ساعر» كاسم رمز، كثقافة سياسية وجوهر اسرائيلي طورته حكومات اليمين في العقود الاخيرة على الارض اليائسة لفشل اتفاقات اوسلو.
مبادؤها هي خليط لكل ما ينبغي للوعي الليبرالي أن يرفضه: العنصرية (شعب مختار، محوط بشعوب دونه)، الانعزالية (الضحية الدائمة، التي كل كيان آخر يريد فقط أن يضرها وبالتالي لا يمكن الثقة به او اقامة علاقات تعاون ما معه). سحق النخب الثقافية (يساريون) والكفر بسلطة القانون (صلاحيات محكمة العدل العليا مبالغ فيها ويجب كبحها). هذه ثقافة سلطوية تتحلل بسرور من ذخائرها الديمقراطية. ويقودها اناس لا يفهمون – او لا يريدون ان يفهموا – معنى الامر.
الحملة الصليبية لساعر في الايام الاخيرة ضد محكمة العدل العليا، المحاولة المتجددة لتشريع قانون رفضته محكمة العدل العليا المرة تلو الاخرى، الاقتراح بتقييد قوة محكمة العدل العليا، وسخرية رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست، ميري ريغف، التي شوهت المرة تلو الاخرى اسم القاضي عوزي فوغلمان – إذ ان كل الاشكناز في المحكمة هم ذات الشيء يظهرون ان السودانيين بالاجمال علقوا في واقع لا ينتمون اليه ابدا.
ليس الرأس الاريتري هو ما يطلبونه، بل رأسنا – نحن الشباب العلمانيين، الليبراليين، ذوي التوجه اليساري الذين نريد دستورا وليست دولة شريعة، نريد محكمة وليس حاخامية، نؤمن بقدسية الحياة وليس بقدسية الوقوف الخاصة باوريت ستروك. نريد أن نواصل رؤيا الصهيونية لابائنا واجدادنا، مستعدين لان نتجدد للخدمة الاحتياط ولدفع الضرائب، ولكننا نرفض ان نستعبد للرؤيا المسيحانية لحفنة مشاغبة وعنيفة سيطرت على مقدرات الدولة؛ نرفض العيش والموت من اجل المستوطنات.
الشباب الذين لا يصوتون ولن يصوتوا لجدعون ساعر ولبنيامين نتنياهو لانهم لا يشترون شرائح التزييف للفلكلور اليهودي البخس ولا التخويفات واحتفال المخاوف الخيالية. وخلافا للروح التي يبثها ساعر وريغف فان من يتعالى حقا على الجمهور ليسوا قضاة المحكمة العليا ومؤيدوهم النخبويين بل أصحاب الاحابيل القومية اليهودية.
أين كانت ميري ريغف، جدعون ساعر وآييلت شكيد قبل أن يصلوا طالبي اللجوء؟ لماذا لم يعملوا في حينه في صالح ساحات الضائقة في جنوب تل أبيب؟ فهل كان الوضع هناك جيدا لدرجة أنه لم يكن مطلوبا تجندهم من اجل سكانه؟
ولما كان هؤلاء الشباب ليسوا ذخرا انتخابيا بل مجرد عائقا في الطريق، مع الالتماسات الى محكمة العدل العليا، مع المنظمات اللجوجة، مع العرائض والمظاهرات «الهاذية»، مع الشك المثير للاعصاب الذي لا يمكن ازالته في كل مرة في ظل استخدام الكلمة السحرية «الكارثة» خير تشجيعهم على الطيران من هنا، السخرية منهم، عرضهم كيهود مضادين ليهوديتهم، عديمي الشخصية ممن عادوا الى برلين بسبب الطمع بالمال.
مفهوم ان من حق كل انسان ان يعيش في أي مكان يختاره. وأتفهم من حسنوا ظروف حياتهم، سواء في برلين أم في اماكن اخرى، بل واحسدهم. بحيث أن المشكلة هي ليست المغادرة نفسها، بل الفراغ المتبقي هنا، في هذا المكان، الذي يملأه مؤيدو يريف لفين، مصفقو ميري ريغف، اتباع جدعون ساعر وجنود نفتالي بينيت. برلين هي مدينة ساحرة، باستثناء أنها تجتذب اليها القوى التي نحتاجها نحن جدا هنا، ولا سيما الان.

هآرتس 8/10/2014

رفيت هيخت

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية