عندما تحسست الممثلة أودري هيبورن بإصبع قدمها حرارة الماء في حوض الحمام، كانت سلوى تحمل صينية القهوة لأمها في البلكونة الصغيرة، استوقفها المشهد ووقفت تتابع بقية الفيلم القديم، انتقلت الكاميرا إلى زاوية بعيدة لستارة الحمام المنسدلة والمعبأة ببخار الماء، بينما يعلو صوتها بأغنية رقيقة نثرت من حولها فقاعات الشامبو لتملأ المكان، وتغطي عدسة الكاميرا منهية بذلك الفيلم بخروج كلمة THE END.
وضعت سلوى الصينية وجلست تعيد المشهد مرة ومرة في ذهنها في أدق تفاصيله، ورأت أن خوض مثل هذه التجربة تكريماً لذاتها في استقبال السنة الجديدة لن يكلفها سوى إحضار صابونة معطّرة بدلاً من شامبو الفقاعات، ليكتمل المشهد كبديلة لأودري في فيلم حديث. ساعة العصر كانت سلوى وأمها تشربان الشاي بالميرمية، وتراقبان المطر من خلف الشباك، خطر لها أن تدفع بالكلام عن خالتها التي هجرت أمها زيارتها منذ مدة طويلة، وذكّرتها بانتهاء السنة، وحان الوقت لتصفّى قلبها وتستقبل عامها الجديد بصلة الرحم، لمن هم أكبر سناً، وأكدت لها سلوى أن خطوة كهذه في رأس السنة ستعتبر مبادرة حميمية راقية لا يمكن أن يتوقف الكلام عنها في صالونات الأقرباء والأصدقاء، وأيضاً لقضاء الليلة بطولها في الحديث عما فاتها من أخبار العائلة حتى الفجر. راقت الفكرة للأم وانفرجت أساريرها، واعتبرتها انتصاراً لنفسها بغض النظر عن اي شيء…
في مساء اليوم التالي كانت سلوى تغلق الباب خلف أمها وهي توصيها بالسلام وتقبيل خدود خالتها، وعادت لتكمل شرب قهوتها، لم تكن متحمسة للقيام بترتيب البيت، دخلت غرفة أمها، وتناولت منشفتها الوردية، ثم أخرجت الصابونة المعطرة من حقيبتها، واتجهت نحو الحمام، أحكمت الحوض بالسدادة وانتظرته ليمتلئ، استراحت يداها على حوض المغسلة، تنظر لوجهها في المرآة، مررت كفها على شعرها ثم تناولت «بكلة» مزركشة ورفعت بها شعرها الفوضوي..
لفت المنشفة حول جسدها وأزاحت الستارة، كان الحوض قد امتلأ نصفه، والبخار غطّى كل شيء من حولها، أسندت كفها على الحائط، وهمّت بوضع اصبع قدمها لتتحسس سخونة الماء، زحفت يدها فجأة تعثرت وانقلبت في حوض الحمام، صرخت، وغضبت، لكنها تريثت…. ولم تشأ أن تفسد أجواءها لتعثّر لم يسفر إلا عن بلل المنشفة، «ربما حدث هذا مع الممثلة أودري، ولكن المخرج لم يعرضه في الفيلم»، وارتاحت لهذا التحليل… تنظر إلى الصابونة المعطرة داخل علبتها الملونة على حافة حوض المغسلة، «مممممم كيف سيكتمل المشهد وينتهي بالغناء، إذا لم تستخدم الصابونة؟ هكذا بدا من ابتسامة خفيفة لا تفارق شفتيها، خاصة أنها تدندن منذ الأمس بالأغنية ذاتها حتى حفظتها.. خطوتان فقط وتكون رغوة الصابونة تملأ وجه الماء، «هكذا أقنعت نفسها» أمسكت بحافة الحوض وتعلقت بالستارة وانكبت على حوض المغسلة خوفاً من أن تنزلق مرة أخرى، أمسكت بالصابونة والتفت لتعود إلى حوض الحمام، اهتزت الستارة القديمة وانخلع عامودها الصدئ ووقع فوق ظهرها، صرخت وأغرقت نفسها داخل الماء ليختنق صراخها. استجمعت رباطة جأشها وحاولت أن تسترخي وهي تدير الصابونة بين يديها وتملأ برغوتها وجه الماء وتعيد سماع الأغنية برأسها، تحسن مزاجها رغم الألم، وطمعاً في الاسترخاء أكثر! أسندت رأسها للخلف، لكنها لم تشعر بالراحة، حاولت أن تضع يديها أسفل رأسها لكنها لم تنجح وبقي ظهرها يؤلمها…
«كيف لم أنتبه لهذا الجزء… تمتمت»
صفنت قليلا تبحث حولها علها تجد الحل، لمحت الليفة الخشنة معلقة قرب الدوش، مدت يدها وأمسكت بحبلها المتدلي ونتشته إليها، لكنه علق، شدته بقوة أكبر فسقط الدوش بغفلة منها وارتطم بوجهها مباشرة وأصاب أنفها الذي نفر منه الدم، صرخت بذعر، ونهضت تتحسس الطريق لحوض المغسلة، وأخذت تغسل وجهها وتشد على أنفها لإيقاف النزيف، نظرت في المرآة! وهالها شكل أنفها المنتفخ وجهها الملطخ بالدم، مسحت البخار عن المرآة بكفها وغمرت أصبعها بالدم وكتبت فوقها وهي تدندن بأغنية ثورية تحفظها:
أنا ضحية مشهد لن يكتمل…. سلوى
٭ كاتبة من الاردن
متألقة دوما استاذة انعام.
رائعة.. وتصلح فيلما قصيرا