تشتهر لعبة التنس بأنها للارستقراطيين ولأصحاب الطبقة المخملية، وقد تكون من هذه الخامة غالبية مشجعيها اليوم، لكن ممارستها لم تعد مقتصرة عليهم، رغم تكلفتها العالية في تجهيزاتها وممارستها مقارنة بألعاب أخرى مثل كرة القدم، لذا كانت قلة من اللاعبين العرب نجحت الى حد ما في البروز فيها رغم غياب الألقاب الكبيرة، ولعل أبرزهم المصري اسماعيل الشافعي الذي تألق في السبعينات، وبلغ مركز الـ36 في التصنيف، قبل يظهر فجأة في التسعينات الثلاثي المغربي كريم العلمي وهشام أرازي ويونس العيناوي، واليوم يحاول التونسي مالك الجزيري مع مواطنته أنس جابر رفع لواء العرب في الساحات الدولية.
لكن الاكثر غرابة في مسيرة العرب في هذه اللعبة، أن فعلاً مواطناً من بلد عربي أحرز لقب بطولة كبرى من “غراند سلام” الأربع، بل أكثرها شهرة ورونقاً بطولة ويمبلدون الانكليزية، وفي الواقع ستجد علم مصر الى جانب اسم بطل نسخة 1954، لكن شيئا واحداً غريب في الامر، أن اسم البطل ليس عربياً.
نعم أحرز لقب ويمبلدون 1954 المصري ياروسلاف دروبني، صاحب القصة الغريبة، ليس في انتصاره باللقب، بل بكيفية حصوله على الجنسية المصرية.
ولد دروبني في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1921 في مدينة براغ، في ما كانت تعرف حينذاك بتشيكوسلوفاكيا، أو عاصمة التشيك اليوم، وكان عاشقا للعبة التنس، لكنه زاولها هاويا، ووصل تصنيفه الأول في أواخر الثلاثينات، مثلما احترف ممارسة لعبة هوكي الجليد التي أبدع فيها، لكنه صنع اسمه في لعبة التنس، حيث أحرز 3 ألقاب “غراند سلام”، اثنان في بطولة فرنسا وواحد في ويمبلدون، بالاضافة الى لقبي زوجي رجال وزوجي مختلط في البطولة الفرنسية، الى جانب العشرات من ألقاب البطولات الأخرى.
في الواقع فان دروبني حطم الرقم القياسي في عدد الجنسيات التي حملها مشاركا في بطولة ويمبلدون، وكان عددها 4، ومنها المصرية، وجاءت أولى مشاركاته في ويمبلدون العريقة في نسخة عام 1938، عندما كان في السادسة عشرة من عمره، ومثل حينها بلده الأم تشيكوسلوفاكيا، وبعدها بعام واحد اجتاحت القوات الألمانية النازية بلاده، فأصبح ممثلاً لما عرف بـ”محمية بوهيميا ومورافيا”. وبعد الحرب العالمية الثانية شارك في ويمبلدون للمرة الثالثة في 1949 بجنسية تشيكوسلوفاكيا، لكنه حاول الابتعاد والنأي بنفسه عن تقلبات السلطة في بلاده، ليقرر هجرة تشيكوسلوفاكيا في صيف 1949، بعدما سئم ممارسات الشيوعيين ودعاياتهم واستغلالهم لصورته، كونه أشهر رياضيي البلاد في ذلك الوقت الى جانب عداء المسافات الطويلة ايميل زاتوبك. وكان واضحاً حينها ان حرية دروبني مكبلة وقيود السلطة بدأت تنهكه، ليقرر بعدها الرحيل من غير رجعة. وهو قرر ذلك مع زميله في بطولة كأس ديفيز للتنس فلاديمير جيرنك، خلال بطولة غشتاد في سويسرا في صيف 1949، بعد رفضه الانصياع الى أوامر الحكومة السوفيتية بعدم اللعب والمشاركة في هذه البطولة. وقال حينها: “كل ما أملك قميصين وفرشاة أسنان و50 دولاراً”.
في ذلك الوقت كان دروبني وجيرنك أهم عنصرين في الفريق التشيكوسلوفاكي المشارك في كأس ديفيز، وقاداه مرتين الى الدور قبل النهائي عامي 1947 و1948، وفاز دروبني بـ37 مباراة من أصل 43 لعبها في هذه المسابقة.
في هذا الوقت أصبح دروبني مشرداً بلا وطن أو جواز سفر أو هوية، وحاول مرارا وتكراراً الحصول على الجنسيات الامريكية والاسترالية والسويسرية بدون نجاح، الى أن عرضت عليه مصر جنسيتها، فاغتنم الفرصة ووافق ومثل مصر في بطولات التنس من 1950 الى 1959، وبينها انتصاره الشهير بلقب ويمبلدون في 1954، ليصبح المواطن المصري الوحيد الذي يتوج بلقب بطولة كبيرة، لكن بحلول ذلك الوقت كان يعيش دروبني في بريطانيا، وفقط في مشاركته الاخيرة ببطولة ويمبلدون في 1960 مثل فيها بلده الاخير بريطانيا، عندما كان في الثامنة والثلاثين من العمر.
في مسيرته أحرز دروبني بالاضافة الى ألقاب البطولات الكبرى، 130 لقباً وكان مصنفا بين العشر الأوائل من 1946 وحتى 1955. وكان الرياضي الوحيد الذي يحرز ألقابا في التنس وأيضاً في رياضة هوكي الجليد، التي مارسها بالتوازي مع لعبة التنس. وتوفي دروبني في لندن في 13 سبتمبر/ أيلول 2001.
مقال رائع ومعلومات مفيدة