بيروت – «القدس العربي»: أطلق «مصور براغ» جوزف كوديلكا عنان عدسته لتؤرخ جريمة جدار الفصل العنصري الذي أقامه الصهاينة في فلسطين المحتلة. فهذا الفنان الذي يختار موضوعاً ويترك لعينه أن تلاحق تفاصيله لم يكن يتخيل أن جداراً آخر سينمو بعد جدار برلين، رغم كونه لم يشاهده مطلقاً.
زار كوديلكا فلسطين المحتلة في العام 2007، وقف أمام الجدار مراراً وتكراراً بهدف تعميق رؤيته. عمل بحرية مطلقة تحت تأثير ما يراه بعيداً عن الرأي البشري كائناً من كان، ووثق مئات الصور. حلّ كوديلكا ضيفاً على بيروت مفتتحاً معرضه «الجدار/ بيروت» في دار النمر للثقافة والفنون في 12/9 والذي ينتهي في 22/12 من العام الجاري، وكان التواصل معه والأطلاع المباشر على أفكاره على درجة من الأهمية.
يرى كوديلكا في الصورة البانورامية قدرة هائلة على تصوير المساحات المدمرة. استعمل تلك التقنية كثيراً، فهي برأيه تتوافق مع الرؤية البصرية للإنسان، وقادرة على إبراز أفقية المساحة. تردد إلى فلسطين المحتلة على مدى ثماني سنوات كي يطمئن بأن مشروعه أصبح متكاملاً. كانت له سلسلة موسعة من الصور البانورامية مجتمعة ضمن ألبوم مطوي على هيئة أوكورديون بطول 22 متر، يضم 35 صورة تمّ توليفها في شريط واحد بشكل يشبه الجدار. أن يمضي مصور ثماني سنوات في توثيق واحدة من الجرائم التي لا تحصى والتي ارتكبها الصهاينة بحق شعب فلسطين أمر نتوقف عنده لنسأل عن الرسالة؟ لم يتحدث كوديلكا عن الرسالة مباشرة لكنه قال ما هو أعمق من أي رسالة في كلمات: «ينسى من يبني الجدران بهدف سجن حركة الآخر، بأن فعلته ترتد عليه، ويصبح الجدار سجنه. فالجدار ليس له فعل الإقفال على جهة هي الهدف، بل يقفل كذلك على من بناه».
وعن كيفية اختياره لموضوع الجدار شرح كوديلكا التفاصيل التي تحمل نظرته إلى الصورة والهدف منها: «عندما دُعيت لزيارة الجدار بهدف تصوير أضراره إلى جانب مجموعة من الزملاء المصورين، رفضت في المرة الأولى. فلم أكن أرضى بأية رقابة على كيفية رؤيتي لهذا الجدار. لاحقاً وافقت على الإنضمام للمجموعة شرط أن لا تكون صوري ضمن كتالوغ مشترك، بل أن أنفرد بكتالوغ خاص. لم أكن اريد أي تأثير على رؤيتي للجدار إسرائيلياً أو فلسطينياً. فطوال مسيرتي مع الكاميرا لم أكن ضمن مجموعات. كما أني ابتعد عن التواصل البشري لدى مهمتي في التصوير كي لا اتأثر بأية رؤية. أصور منفرداً، وأنقل ما تراه عيني. أعرف أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين لا تتقدم نحو الجدار، فهم يعيشون حالة نكران لوجوده، ومنهم من لا يعرف بوجوده. أما في الجهة الفلسطينية فكثر يمرون أمام الجدار، ويعيشون غضباً حياله، فهو وجد لأذيتهم وللحد من حركتهم، ولهذا صلتهم به مختلفة. عندما أكون مع الفلسطينيين أصل لنقاط يستحيل فيها العبور للجهة الأخرى. بعكس حال الإسرائيلي حين أكون برفقته فالبوابة تفتح له على الحواجز جميعها. فدائماً كنت أتابع مهمتي وبرفقتي دليل فلسطيني أو إسرائيلي. وإلى بيروت وصل كوديلكا في خريف سنة 1991. كان ضمن بعثة من ستة مصورين لهم شهرتهم العالمية. قصد المدينة مرتين في ذاك الخريف وشرد في الأسواق التجارية والمدينة العتيقة المــدمرة. عمل طول الوقت في نقل ما يستحيل على سواه أن ينــقله. ابن براغ الذي لن ينسى ذاك الربيع الذي اجتاحت خلاله الدبابات السوفياتية عاصمة بلده افتقد في زياراته التالية إلى بيروت وجود الذاكرة. وقال: الذاكرة في غاية الأهمية. هي درّة ثمينة لا يجب خسارتها، نسيانها أو تناسيها. بالنسبة لي لن انسى في حياتي يوم 23 آب / أغسطس قبل 50 سنة عبرت. في ذلك اليوم كانت الدبابات السوفيتية في براغ. لم اجد تلك الذاكرة في بيروت. وكذلك في بلدي تشيك، الجيل الجديد لا يعرف ربيع براغ، والروس بدورهم يرغبون بأن لا يعرفه أحد. لا يجب أن تنسى الشعوب ما مرّ في تاريخها.
وكالة ماغنوم للصورة التي تعاونت مع دار النمر في انجاز المعرض، تضم بعضاً من أهم مصوري العالم وهي نشأت سنة 1947. وتعمل على ايصال المعرض إلى المتلقي في أوروبا وكانت محطته الأخيرة برلين، وفيها أثار اهتمام كل من شاهده. وكان لمتابعي المعرض هناك المقارنة بين جدار الفصل العنصري في فلسطين والجدار التي قسّم برلين لحوالي عقدين وأكثر.
تقول مسؤولة الإعلام في ماغنوم أن الوكالة تتكون من 50 مصوراً يعملون على الأرض وهي تشبه التعاونية في اسلوب عملها. وأفادت بأن كثير من هؤلاء المصورين يعملون في المنطقة العربية و«اعتقد أنهم يغطون ما يحدث. فماغنوم فعّالة في الدول العربية مــنذ تأسيسها».