الخرطوم ـ «القدس العربي»: تستعد قوى المعارضة في السودان إلى إعلان «اضراب سياسي عام»، ردا على تعثر مفاوضاتها مع المجلس العسكري الحاكم الانتقالي للبلاد، بشأن تسليم السلطة للمدنيين.
وقال بيان صدر الثلاثاء عن تجمع المهنيين السودانيين، الركيزة الأساسية في تحالف قوى «الحرية والتغيير» الذي قاد الاحتجاجات في السودان «من أجل تمام الوصول للانتصار نفتح دفتر الحضور الثوري للإضراب السياسي العام».
وقد استؤنفت مساء الإثنين في الخرطوم المفاوضات بين المجلس العسكري الحاكم وقوى الاحتجاج حول تشكيلة مجلس سيادي يدير شؤون البلاد، وسط استمرار الخلاف حول الجهة التي ستتولى رئاسته.
وكانت المفاوضات بين الطرفين استؤنفت ليل الأحد وتواصلت حتى فجر الإثنين من دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
وأوضح بيان التجمع، الذي بدأ التظاهرات ضد نظام الرئيس عمر البشير في كانون الأول/ديسمبر، «نؤكد على أن ترتيباتنا التي بدأنا بها حراكنا الثوري تُستكمل من أجل تحديد ساعة الصفر وإعلان العصيان المدني والإضراب السياسي العام بجداول معينة».
وليل الاثنين، أكد بيان مشترك بين المجلس العسكري الحاكم في السودان وتحالف قوى الاحتجاج (الحرية والتغيير) بأن مفاوضات الاثنين حول تشكيلة مجلس سيادي يدير شؤون البلاد، انتهت من دون التوصل إلى اتفاق وأنها ستتواصل.
نقطة الخلاف
وقال البيان «ما تزال نقطة الخلاف الأساسية عالقة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول نسب التمثيل ورئاسة المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين».
وأضاف «نعمل من أجل الوصول لاتفاق عاجل ومرضٍ يلبي طموحات الشعب السوداني ويحقق أهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة وستواصل اللجان الفنية بين الطرفين أعمالها».
قوى إعلان «الحرية والتغيير»، قالت في بيان إن «المجلس العسكري لا يزال يضع عربة المجلس السيادي أمام حصان الثورة، ويصر على إفراغها من جوهرها وتبديد أهداف إعلان الحرية والتغيير وتحوير مبناه ومعناه».
وأضاف البيان أن «تجمع المهنيين السودانيين يرى أنه لا مناص من إزاحة العربة لينطلق حصان الثورة نحو خط النهاية، فالمجلس السيادي الذي يشترط المجلس العسكري متعنتاً أن يكون برئاسة عسكرية وبأغلبية للعسكريين، لا يوفي شرط التغيير، ولن يعبِّر عن المحتوى السياسي والاجتماعي للثورة».
وزاد: نؤكد على أن ترتيباتنا التي ابتدرناها منذ بدايات حراكنا الثوري تُستكمل من أجل تحديد ساعة الصفر وإعلان العصيان المدني والإضراب السياسي العام بجداول معينة، وندعو الجهات والمكونات التي لم تكتمل اتصالاتها مع قيادات الإضراب في القطاعات المهنية والحرفية والخدمية كافة والتي أعلنت جاهزيتها إلى التوقيع ورفع التمام».
وشمل جدول الحراك الأسبوعي لقوى «الحرية والتغيير»، الثلاثاء على الوقفات الاحتجاجية للقطاعات المهنية والعمالية والحرفية في كل مؤسسات الدولة في القطاعين العام والخاص والتمهيد لإضراب القطاعات المهنية، على أن يخصص اليوم الأربعاء لاعتصامات مسائية في الأحياء وأماكن التجمعات وتنظيم ندوات في الأندية وميادين الأحياء والمقاهي عبر لجان الأحياء، ليختتم الأسبوع غدا الخميس بمليونية «البناء والتعمير» التي تتجه من كل أحياء ومدن العاصمة صوب مقر الاعتصام أمام قيادة الجيش.
وبالفعل، نفذ أمس أساتذة جامعة الخرطوم وموظفو بنوك وشركات اتصال وقفات احتجاجية، حسب شهود عيان و«تجمع المهنيين السودانيين».
وقال شهود عيان إن موظفي البنك الزراعي (حكومي) نفذوا وقفة احتجاجية أمام مبنى رئاسة البنك، ورددوا هتافات، منها: «حرية سلام وعدالة». وذكر «تجمع المهنيين السودانيين» أن العاملين في البنك الزراعي في الخرطوم ومدن سنار وسنجه (جنوب شرق) نفذوا وقفات احتجاجية، لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى المدنيين.
الخلاف مستمر حول نسب التمثيل… ووقفات احتجاجية للقطاعات المهنية والعمالية والحرفية
وأضاف أن المحتجين «أبدوا استعدادهم لتنفيذ الإضراب، الذي دعا له تجمع المهنيين».
وتابع أن موظفي بنكي «النيل والتنمية» (حكومي) و«البنك السوداني الفرنسي» (حكومي) نفذوا وقفة احتجاجية، الثلاثاء، للتأكيد أيضا على ضرورة تسليم السلطة.
ومضى التجمع قائلا إن أساتذة جامعة الخرطوم وموظفي شركات الاتصال «زين» و«إم تي إن» و«هواوي» نفذوا وقفات احتجاجية، طالبوا خلالها بمدنية السلطة، وأعربوا عن تأييدهم للإضراب والعصيان المدني.
صديق يوسف، عضو وفد التفاوض عن قوى» الحرية والتغيير»، قال إن «موقف القوى حول توزيع نسب المشاركة في المجلس السيادي هو سبعة مدنيين وثلاثة عسكريين ورئاسة مدنية، لكن المجلس العسكري تمسك بسبعة عسكريين وثلاثة مدنيين ورئاسة عسكرية».
وأضاف في تصريحات صحافية عقب الجولة الأخيرة: « تنازلنا بحيث يكون المدنيون أصحاب أغلبية بسيطة (6 إلى 5) ورئاسة مدنية. أيضاً رفض المجلس ذلك».
وحول مستقبل التفاوض، قال: «الحد الأقصى لما يمكن أن نقدمه من تنازل هو مناصفة في العدد مع المجلس العسكري ورئاسة دورية، علما بأن العسكري يصر على أن تؤول الرئاسة له طوال الفترة الانتقالية».
تعقيدات وضغوط
الكاتب والمحلل السياسي، خالد التيجاني، اعتبر أن «الحديث عن اتفاق بنسبة 95 ٪ بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، يجافي الواقع، ويشير إلى وجود خلافات لا يتم التطرق إليها في وسائل الإعلام».
وأضاف لـ«للقدس العربي» أن «الحديث عن الاتفاق على مجلس سيادي شرفي، ثم الخلاف على الرئيس ونسب المشاركة، يؤكد أن هنالك شيئا ما في غرف التفاوض لا يراد الإفصاح عنه».
وحسب التيجاني فإن «المرحلة الحالية من التفاوض لا تخلو من تعقيدات كبيرة متعلقة بالضغوط التي يعاني منها الطرفان، حيث يبدو للمراقبين أن المجلس يتماطل وكذلك أن قوى الحرية والتعبير ليست على قلب رجل واحد، فضلا عن أن قواعد الطرفين تمارس ضغوطا شديدة تتمثل في السقف العالي للمطالب وعدم المرونة في التفاوض كما يبدو للبعض».
وبين أن «الوضع الحالي ليس في مصلحة الطرفين، ولا في مصلحة البلد» مضيفاً أن: «المعتصمين أصيبوا بالإحباط بعد حالة فرح عابر بتغيير سلس حسب معطيات الأيام السابقة من التفاوض، وعدم وجود إدارة حكومية تقوم بالمهام والأعباء اليومية وتقديم الخدمات يخلق حالة من الفراغ تغري جهات أخرى بالتدخل وملء هذا الفراغ، وهنالك مواقيت لا تنتظر مثل الموسم الزراعي وغيره».
أما الكاتب والمحلل ماهر أبو الجوخ فقال لـ«القدس العربي»: «في ما يتصل بالقضية المفصلية المتعلقة بمسار التفاوض الحالي بين الطرفين والخاصة بتكوين مجلس السيادة أو ما يُعرف باسم هيكلة مجلس السيادة والمتصلة بنسب المكون العسكري والمدني ورئاسة المجلس، فمن الواضح أن المباحثات المشتركة بين الطرفين لم تحقق أي اختراق ظاهر حول هذه القضية».
لكنه، رأى في الوقت نفسه أن «ما تم التوصل إليه يمثل انتصارا لثورة الشعب، خاصة فيما يتعلق بشكل الحكم البرلماني وضمان استحواذ قوى الثورة على حق تكوين الحكومة الانتقالية المدنية والأغلبية في البرلمان القومي».
وأضاف: «هذا الواقع سيمكنها (قوى الثورة) فعلياً من الانتقال لخانة تطبيق برنامج ورؤى الثورة، سواء في القضايا المرتبطة بتركة النظام البائد ومحاسبة قادته، أو تلك المتعلقة بالترتيبات المستقبلية للبلاد وتحقيق الانتقال الديمقراطي».
وشدد على «ضرورة تعزيز عملية التحول الديمقراطي في البلاد عن طريق استكمال الشراكة بين قوى الحرية والمجلس العسكري».
وزاد «لا تزال يوجد العديد من التحديات الأمنية التي تجابه الوضع الحالي ولا تستطيع قوى الحرية التعاطي معها، خاصة في ما يتصل بملف التعامل مع الميليشيات المسلحة التابعة للنظام البائد، والجماعات الإرهابية، وإعادة هيكلة القوات العاملة في المنظومة الدفاعية والأمنية بما يتواءم مع المجتمع الديمقراطي، وهي المهام التي تحتاج إلى استمرار الشراكة مع المجلس العسكري لحين انتهاء المرحلة الانتقالية».