عندما أطلق الشعب السوري صيحاته مطالبا بالحرية للتحرر من نظام الأسد الجاثم فوق صدره، كان يعني، وإن لم يع جيل الأسد ما معنى دولة المؤسسات، لأنه لم يعرفها تحت ظل هذا النظام الذي حول كل المؤسسات المجتمعية والسياسية من نقابات، وأحزاب، وجمعيات، ونواد إلى مؤسسات تتبع للدولة، أو تتبع بكل بساطة لإسم الأسد، فحزب البعث هو الحزب القائد، وكل الأحزاب تتبع لقراراته وسياساته ضمن ما سمي بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” التي تجمع نتفا من مجموعات حزبية انشقت عن أحزابها. وصار لها حصص من النواب في برلمان “المصفقين”، وكل حزب لم يدخل في اللعبة الأسدية كان مصيره الملاحقة والمعتقلات كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال لا الحصر. لكن الشعب السوري في ثورته كان يبحث عن تغيير النظام، واجتثاث البعث، وبناء دول المؤسسات، في نظام ديمقراطي يضمن حرية الرأي والتعبير، ويفصل السلطات، ويضمن حرية الصحافة، واحترام القانون، ويحقق المساواة بين كل فئات المجتمع السوري.
المجلس الوطني السوري
تشكل المجلس الوطني كأول مؤسسة بعد الثورة من حوالي 270 عضوا يمثلون كل المكونات السورية من أكراد ممثلين في المجلس الوطني الكردي، وبشخصيات سياسية أو حزبية تمثل الأثوريين، والشركس، والتركمان، وجميع الطوائف الدينية ترأسه الدكتور برهان غليون، وكان مجلسا واعدا، خاصة وأن ما سمي بـ”أصدقاء سوريا” أي الدول الداعمة لسوريا كانت حاضرة في المؤتمر الأول في تونس في 17/ كانون الأول/ ديسمبر 2011. (عقدت جلسة أولى للمعارضة في أنطاليا في تركيا قبل تشكل المجلس الوطني وكانت فاشلة).
لاحظنا منذ البداية أن هناك مجموعة مندسين من قبل النظام، من ناحية، ومن قبل مجموع كانت تتبع لرفعت الأسد من ناحية أخرى، حاولوا تخريب جلسات اللجان التي تكونت في المجلس، ثم بدأت تظهر تكتلات داخل المجلس، تدور في فلك حزب الإخوان المسلمين، أو أن بعض الأعضاء كانوا يرون أن لهم أحقية في مناصب ريادية، لأنهم كانوا يقيسون أهمية المعارض تقاس بالفترة التي قضاها في سجون الأسد، الأمر الذي أجج بعض الخلافات داخل المجلس.
وازدادت الخلافات حدة بعد أن دخلت هيئة التنسيق ( تشكيل حزبي معارض من مجموعة أحزاب ذات توجه يساري يترأسها حسن عبد العظيم تشكلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في الداخل السوري)، وفرضت نفسها كهيئة معارضة لها توجهها السياسي ورؤيتها للثورة التي وجد البعض في المجلس الوطني أنها لا تتوافق مع طروحات المجلس.
واتضح سريعا أن “أصدقاء سوريا” وخاصة الولايات المتحدة التي كانت تدعم الجيش الوطني الحر قد غيرت اتجاه بوصلتها لا سيما بعد أن بدأت تظهر على الساحة السورية فصائل مقاومة ذات توجهات إسلامية متطرفة كجبهة النصرة التي أعلنت عن نفسها أنها تتبع للقاعدة في بداية الأمر، وسواها التي بدأت ليس بمواجهة النظام فحسب بل بمواجهة الجيش الوطني الذي خسر معارك كثيرة ضدها، وفضلت دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمواجهة فصيل أكثر تطرفا احتل مساحات واسعة من العراق وسوريا..”داعش”( الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وتمت داخل المجلس عمليات إقصاء لبعض الأعضاء وخاصة المستقلين منهم، ولم تكن هناك استمرارية في الرئاسة التي كانت تتبدل كل ثلاثة أشهر، وفضلت مجموعة من الأعضاء الانسحاب من المجلس، وأولهم الرئيس الأول للمجلس برهان غليون.
الائتلاف الوطني
تشكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1912 في العاصمة القطرية الدوحة على أنقاض المجلس الوطني المنهار وترأسه خطيب المسجد الأموي الشيخ معاذ الخطيب، وكان معظم أعضائه من المجلس الوطني المنحل، وبمعنى آخر أن هؤلاء الأعضاء حملوا خلافاتهم معهم إلى الائتلاف. لكنه ضم أيضا أعضاء آخرين يمثلون تنسيقيات الداخل وبعض الشخصيات الأخرى، ولم يضم هيئة التنسيق الوطنية، ورفضت معظم الفصائل المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليا) الانضمام إليه.
وتم الاعتراف به من دول الخليج والجامعة العربية (دون اعترافها أن الائتلاف الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري) وبعض مكوّنات جيش التحرير السوري.
واعتبرت فرنسا الائتلاف أنه (الحكومة الانتقالية لسوريا الديمقراطية) واعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالائتلاف بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، ثم تبعه 100 بلد في اليوم التالي لمؤتمر أصدقاء سورية الذي عُقِد في مراكش. ورغم الدعم الذي حظي به الائتلاف إلا أن بوادر الخلافات والانشقاقات والصراع داخله ظهرت منذ البداية بتقديم معاذ الخطيب استقالته بعد وقت قصير. ثم عصفت الخلافات بشكل أعمق بين المجلس الوطني الكردي ورئيس الائتلاف نصر الحريري على خلفية دعوته تركيا لضرب قوات “قسد” الكردية، ثم بين الائتلاف والحكومة المؤقتة، وانسحب مجموعة من الأعضاء البارزين بعد خلافات تتعلق بالمفاوضات مع النظام وتشكيل هيئة تفاوض، والقبول باجتماعات سوتشي التي نظمتها روسيا والتي لا تعير أي اهتمام للائتلاف وتقف إلى جانب النظام، وفشل الائتلاف في الحصول على ثقة الشارع السوري الذي اعتبره أنه معطل للحراك الثوري، ووجهت اتهامات ثراء غير مشروع لرئيس الائتلاف نصر الحريري. ثم دخلت الخلافات بشكل أوسع مع الفصائل المسلحة الممثلة في الائتلاف على خلفية اختيار الممثلين، ودعم فصائل دون أخرى.
ويتصاعد التوتر خاصة بعد إخفاقات اللجنة الدستورية التي تعود من اجتماعات صياغة الدستور مع وفد النظام وتحت رعاية الأمم المتحدة في كل مرة بخفي حنين بعد جولات سبع عجاف.
رابطة الصحافيين السوريين
تشكلت رابطة الصحافيين السوريين في 20 شباط/فبراير 2012 من مجموعة من الصحافيين السوريين المنضمين إلى الثورة السورية كمؤسسة ثورية تجمع كل الصحافيين السوريين المنشقين عن النظام في الداخل والصحافيين المعارضين في الخارج، وتنص في نظامها الأساسي على بناء إعلام سوري حر يؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير يأخذ مكانه في كسلطة رابعة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وعقدت الرابطة مؤتمرها الأول في 22/12/2014 في غازي عنتاب في تركيا وكانت تضم حوالي 250 عضوا، وكانت الرابطة في سنواتها الأولى تعتبر من أنجح مؤسسات المعارضة السورية وحظيت باحترام ودعم هيئات مانحة، وتم تسجيلها في فرنسا، ولها مكتب دائم في تركيا.
وقامت بنشاطات عديدة في صالح الصحافيين السوريين، ونسجت علاقات دولية على أكثر من صعيد، وككل مؤسسات المعارضة السورية لم تستمر الرابطة في مسارها التي رسمه لها مؤسسوها بعد أن تم استقطاب حوالي خمسمائة عضو من قبل هيئات إدارية لاحقة وصف أن معظم من انتسبوا للرابطة لا تنطبق عليهم شروط العضوية، بعد أن دخلت فيها المحسوبيات، والحسابات الانتخابية، والاستئثار بالميزات التي كانت توفرها الرابطة من رواتب ودعم وقيمة اعتبارية، ودخل أعضاء الهيئة الإدارية الواحدة في خلافات شديدة عصفت بالرابطة، واضطرت الهيئة المانحة لتعيين لجنة دولية للكشف عن مواطن الخلل وأسباب الخلاف، وخلص التقرير إلى أن الهيئة الإدارية الأخيرة يقع عليها المسؤولية في وصول الرابطة إلى ما وصلت إليه، خاصة وأن خلافا حادا وقع بين المسؤول المالي ورئيس الرابطة والسكرتير التنفيذي بسبب خلافات مالية واتهامات متبادلة باختلاسات وإخفاء بيانات وتقرير مالي عن المسؤول المالي الذي اضطر مؤخرا لتوضيح موقفه وأسباب تدهور الرابطة وتوقف الهيئات المانحة عن دعمها على صفحات الفيسبوك.
منظمات حقوق الإنسان
تبقى منظمات حقوق الانسان السورية التي تشكلت بعد الثورة الوحيدة التي تعمل دون إشكاليات تذكر ويعود إليها الفضل في الكشف عن كل انتهاكات النظام المريعة بالشعب السوري، وعلى رأشها الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تحظى بمصداقية كبيرة ودعم دولي والتي يترأسها فضل عبد الغني، كما لعب المرصد السوري لحقوق الإنسان دورا كبيرا في تزويد وسائل الإعلام الدولية بكل ما يجري على الساحة السورية على المستوى الميداني، والذي يترأسه أسامة سليمان.
منظمات مختلفة
تشكلت العديد من منظمات المجتمع المدني التي تعنى بشكل خاص باللاجئين السوريين في أكثر من مكان، وبالمرأة السورية، ومؤسسات تعني بالأطفال والتعليم، والمعونات.
وقد ساهمت كثيرا في التخفيف من معاناة السوريين، ولعبت دورا هاما في نقل هذه المعاناة إلى الجهات الدولية المختصة. لكنها تبقى غير كافية مقابل حجم المأساة السورية والعدد الكبير من اللاجئين والنازحين.
بعد إحدى عشرة سنة من الثورة يتطلع الشعب السوري إلى كل مؤسسة معارضة تخدم مصلحة سورية بصدق وتفان وتعتبرها دعما للثورة السورية طالما أنها احترمت المبادئ التي قامت عليها الثورة السورية وتساعد في بناء الدولة المؤسساتية عماد الدولة المدنية التي يصبو إليها السوريون للتخلص من نظام جاثم فوق صدورهم منذ زهاء نصف قرن ونيف، وتزداد المطالبة بإلحاح بعد محاولات أنظمة عربية ودولية إعادة تعويم النظام متناسين كل آلام الشعب السوري ودمار سوريا.
كاتب سوري
.