المعارضة تتهم أردوغان بالسعي لتغيير بند “علمانية الدولة” في الدستور.. هل يمكن ذلك؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
3

إسطنبول- “القدس العربي”: صعدت المعارضة التركية في الأيام الأخيرة من اتهاماتها لحزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان بالسعي إلى تعزيز الطابع الديني للدولة قبل أن تتهمه بالسعي إلى تغيير بند “علمانية الدولة” في الدستور التركي، وهو اتهام وصف بـ”الخطير” لاسيما وأنه يأتي بالتزامن مع ذكرى إعدام الجيش رئيس الوزراء التركي السابق عدنان مندريس عام 1960 بتهمة الخروج عن مبادئ علمانية الدولة.

ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في 2003، تتهم المعارضة العلمانية أردوغان بالسعي إلى “تعزيز الطابع الديني للدولة”، حيث أعاد الرئيس الاعتبار إلى المدارس الدينية “إمام خطيب” التي ازدهرت ليصل عدد طلابها إلى أكثر من مليون، وازدهر بناء المساجد، وسلسلة طويلة من الخطوات كان أبرزها في السنوات الأخيرة إعادة فتح مسجد آيا صوفيا للعبادة، والانسحاب من اتفاقية إسطنبول للمرأة بحجة مساسها بتماسك الأسرة وترويجها للمثلية الجنسية، وذلك رغم الانتقادات الداخلية والدولية الواسعة لهذه القرارات.

وقبل أيام، تفجر الجدل بقوة مجدداً حول دور رئيس ورئاسة الشؤون الدينية، وذلك بعدما جرى تخريج دفعات من الجيش والشرطة وافتتاح العام القضائي الجديد بالقران والدعاء بمشاركة أردوغان ورئيس الشؤون الدينية علي إرباش، وهو ما ولد انتقادات حادة من المعارضة العلمانية التي اعتبرت أن نفوذ وتدخل رئيس الشؤون الدينية في كافة مناحي الدولة قد وصل إلى درجة غير مسبوقة “تهدد علمانية الدولة” وبشكل يخالف “الدستور العلماني” لتركيا.

لكن الجدل اخذ منحى مختلفاً بعد اتهامات أطلقتها شخصيات سياسية وإعلامية علمانية لأردوغان بالسعي إلى تغيير بند “علمانية الدولية” في الدستور التركي، حيث يقوم حزب العدالة والتنمية بإعداد مسودة لدستور جديد قبل أن يجري مناقشتها مع حليفه حزب الحركة القومية لبدء العمل على عرضها على البرلمان وباقي الأحزاب مع إمكانية عرضه على الاستفتاء الشعبي العام في حال نجحت مساعي الحزبين.

وتصاعدت الاتهامات عقب تصريحات لرئيس الشؤون الدينية اعتبرت بمثابة مساس بعلمانية الدستور والدولة وتلميح لمزيد من الخطوات في هذا الاتجاه وذلك بعدما قال إن دور رئاسة الشؤون الدينية بموجب بند توضيح الدين للمجتمع في الدستور التركي يتمحور حول “نشر مبادئ الإسلام ورسالة القرآن الكريم وسنة الرسول بأفضل طريقة وإيصالها للمواطنين”. وسبق ذلك ما كتبه رسول طوسون النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية في مقال له طالب فيه بضرورة حذف بند علمانية الدولة من الدستور التركي أو إعادة تعريفه من جديد.

وتعقيباً على الجدل المتصاعد، أكد عمر جليك الناطق باسم حزب العدالة والتنمية أن حزبه لا يريد على الإطلاق تغيير يتعلق بإلغاء بند علمانية الدولة في الدستور، مشدداً على أن الحزب يؤمن ببقاء العلمانية في الدستور كما هي، في حين شن دولت بهتشيلي زعيم حزب الحركة القومية هجوماً عنيفاً على المطالبين بإلغاء بند العلمانية، معتبراً أن المطالبين بإلغاء بند العلمانية من الدستور “مرضى وخاسرون”.

أحمد هاكان، الكاتب المقرب من العدالة والتنمية اعتبر في مقال له بصحيفة حرييت التركية أن إثارة الجدل حول موضوع العلمانية بهذه الطريقة هو أمر ليس جديدا وظهر بقوة في التسعينيات، معتبراً ان الهدف منه كان على الدوام حشر حزب الرفاه الإسلامي في الزاوية وتهديده، ملمحاً إلى أن الاتهامات الحالية لحزب العدالة والتنمية تأتي لنفس الهدف. كما شن هجوماً على النائب السابق بالحزب الذي دعا لإلغاء العلمانية من الدستور بالقول “إذا كان يريد الشهرة أو العودة لشاشات التلفاز كان يمكنه القول إن لقاح كورونا يحول الإنسان إلى قرد” بدل إطلاق هذه التصريحات.

وعلى الرغم من أن أردوغان اتخذ خطوات علنية معروفة لتعزيز الطابع الديني للدولة وتوسيع نفوذ رئاسة الشؤون الدينية إلا أن تعديل المواد الأولى في الدستور يحتاج إلى تمرير دستور جديد وبالتالي أغلبية برلمانية أكبر لا يمتلكها أردوغان أو تحالفه حالياً وهو ما يجعله بحاجة إلى استفتاء شعبي عام في مغامرة غير محسوبة وغير مضمونة النتائج وقد تثير الكثير من القلاقل السياسية وحتى العسكرية بالبلاد وهو ما لا يتوقع أن يلجأ له أردوغان الذي يسعى الفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة دون قلاقل قد تنقلب نتائجها عكسياً على الحزب.

على الرغم من أن أردوغان اتخذ خطوات علنية معروفة لتعزيز الطابع الديني للدولة وتوسيع نفوذ رئاسة الشؤون الدينية إلا أن تعديل المواد الأولى في الدستور يحتاج إلى تمرير دستور جديد وبالتالي أغلبية برلمانية أكبر لا يمتلكها أردوغان أو تحالفه حالياً

ولم يسبق أن تحدث أردوغان عن نيته المساس ببند علمانية الدولة في الدستور التركي، إلا أنه أعلن مؤخراً أن البلاد بحاجة إلى دستور جديد يتوجب العمل عليه قبيل مئوية الجمهورية التركية عام 2023، مؤكداً أن حزبه سوف يبدأ العمل مع كافة الأحزاب الراغبة بالمشاركة في الإعداد لدستور جديد يتناسب مع العصر الحالي ويتخلص من الدستور الذي اعتبره أنه ما زال يحمل “روح الانقلابيين”.

وشهد الدستور التركي تغيرات مهمة، انطلاقاً من دستور 1921 الذي تأسست بموجبه الجمهورية التركية الحديثة، وتغييره لاحقاً عقب انتهاء حرب الاستقلال عام 1924، وكتابة دستور جديد عقب انقلاب 1960، وصولاً إلى إشراف العسكر الذين نفذوا انقلاباً عام 1980 على كتابة دستور جديد عام 1982 وهو الدستور القائم حتى اليوم رغم إجراء العديد من التعديلات الجوهرية عليه، إلا أن أردوغان اعتبر أن التعديلات لم تعد قادرة على إنهاء جوهر الدستور الذي أعده الانقلابين وأن البلاد باتت بحاجة ماسة لدستور جديد.

وعند الحديث عن أي تعديلات على الدستور التركي، كان يؤكد كبار المسؤولين على مبدأ أن المقترحات لا تشمل أي تعديل على المواد الأربع الأولى الأساسية في الدستور وهي المواد التي تشمل المبادئ العامة من حيث شكل الدولة وسمات الجمهورية واللغة والعلم والنشيد الوطني وغيرها من مبادئ الدولة الأساسية.

وبعد تأكيد المادة الأولى على أن “دولة تركيا هي دولة جمهورية”، تنص المادة الثانية على أن “الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون؛ في حدود مفاهيم السلم والعلم والتضامن الوطني والعدالة، مع احترام حقوق الإنسان، والولاء لقومية أتاتورك، وتقوم على المبادئ الأساسية الواردة في الديباجة”، والثالثة تحدد العلم والنشيد الوطني وأساسيات أخرى.

لكن المادة الرابعة والأهم تنص على أنه “لا يجوز تعديل أحكام المادة 1 من الدستور التي تحدد شكل الدولة كجمهورية، وأحكام المادة 2 بشأن سمات الجمهورية، وأحكام المادة 3، ولا يجوز التقدم بمقترح لذلك”، وهو ما يجعل إمكانية تعديل بند العلمانية في الدستور -قانونياً- غير ممكن بتعديل دستوري وإنما من خلال كتابة دستور جديد كامل للبلاد وهو ما لم يحصل منذ تأسيس الجمهورية وحتى إن أتيح ذلك قانونياً مع إمكانية الحصول على أغلبية شعبية كافية فإن تحديات الجيش والأحزاب العلمانية والكتلة الكمالية في البلاد تفتح الباب أمام كافة السيناريوهات الصعبة في حال كانت هناك نية حقيقية أو شروع فعلي في خطوات بهذا الاتجاه، وهو سيناريو يحمل في طياته احتمالات خطيرة لا يتوقع أن يقدم عليها العدالة والتنمية وأردوغان في هذه المرحلة الحساسة جداً للحزب والدولة بشكل عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صديق الحقيقة:

    سيفعلها أردوغان لأن ذلك سيضع على تركيا بصمته التاريخية المعادلة لبصمة أتاتورك العلمانية ، طوال القرن الحادي والعشرين.

  2. يقول ميساء:

    احتمال كبير جدا جدا أن يغير أردوغان الدستور في 2023

  3. يقول سحب البساط المهتريء:

    التغيير بحكمة وحنكة وتأني وعلى خطوات حثيثة يؤتؤ ثمارا ويعيد الأمور الى نصابها والمياه الى قنواتها.

إشترك في قائمتنا البريدية