■ في الأفلام الدينية والتاريخية، يستوجب الأمر بطبيعة الحال تضمين الآيات القرآنية داخل النسيج الدرامي للضرورة، فهذه حتميات يفرضها السياق الفني، ولغة الحوار والإقناع، حيث تتطلب المواقــــف والمشاهد ذكر بعض السور القرآنية، أو آيات منها للتوضيح والبلاغ، في ضوء ما يحتاجه العمل الفني، خاصة إذا كان الموضوع له صلة قريبة أو بعيدة بالدين الإســــلامي وأحـــكامه وفرائضه ورموزه من الشخصيات الدينية، بمقاماتها ودرجاتها المختلفة، فهو أمر معلوم ومُتفق علية بين السينمائيين ولا غضاضة فيه.
وكذا الأنواع الأخرى من الأفلام، التي تُبنى أحداثها على قصص اجتماعية وواقعية، فإن توظيف الآيات القرآنية فيها يكون عادة له سياق مغاير محكوم بموضع التوظيف ودقته، ومدى الحاجة الضرورية إليه، وهناك أفلام كثيرة شهيرة جاءت المعالجة الدرامية في سياقها الديني مباشرة ووافية للغرض، منها على سبيل المثال فيلم «جعلوني مُجرماً» للنجمين فريد شوقي ويحيى شاهين، فالقصة الإنسانية اعتمدت بشكل أساسي على الحكمة والموعظة الحسنة، في ما يخص مأساة البطل الشاب خريج إصلاحية الأحداث، الذي لم يقترف ذنباً سوى سرقة رغيف خبز ليسد به رمقه، فكانت الجريمة التي عوقب عليها بالسجن لسنوات داخل إصلاحية الأحداث.
في جوهر المعالجة تم الاستخدام الأمثل للخطاب الديني السمح، عن كفالة اليتيم والمحتاج على لسان شيخ الجامع يحيى شاهين، الذي أدى دوراً متميزاً ومقنعاً للغاية، وكذلك جاء فيلم «الشيخ حسن» بطولة الفنان حسين صدقي مؤيداً للتضمين القرآني في الأحداث الدرامية، كنوع من التأثير الديني والتوعوي للقضاء على الأمراض المزمنة كالتعصب، والتبصير بأحكام الشريعة، إزاء القضايا الاجتماعية المهمة، وربما لجأ إلى اللغة ذاتها المخرج حسن الإمام في بعض أفلامه، التي تحض على حُسن المُعاملة والعناية بالفقراء والبؤساء، وأصحاب الحاجات والعاهات، وهو ما وضح في فيلم «اليتيمتين» كنموذج للطرح السينمائي الإنساني المٌستند إلى ما يأمرنا به الله في كتابه الكريم. وفي التنويعات السينمائية الحديثة من إنتاج السينما المصرية تبرز أفلام شديدة الأهمية في هذا الخصوص مثل «التعويذة» للمخرج محمد راضي، بطولة محمود ياسين ويسرا وتحية كاريوكا، إذ تم ترديد آيات الذكر الحكيم في مواضع كثيرة لصرف الجن وتحصين البيت والعائلة من أذى الشياطين وأعمال السحر والشعوذة، وكذلك وردت الحالة نفسها مكررة في فيلم «الجن والإنس» لعادل إمام ويسرا وعزت العلايلي فكانت تلاوة القرآن الكريم ضرورية بحسب السياق الذي جاءت فيه، وفق المطلوب دينياً في حالة عجز الإنسان عن مقاومة الأرواح الشريرة.
يبقى الورود العابر لبعض آيات القرآن الكريم في مشاهد الزواج والطلاق، وفيهما تكون الإشارات سريعة وبليغة ومُقتصدة، من دون إسراف، كما أن معظم مشاهد الوفيات والتشييع والعزاء، استلزمت تلاوة قصيرة لبعض الآيات القرآنية المناسبة لجلال الموت وقدسيته.
وفي معرض آخر للتوظيف القرآني كانت الفرصة أقل نسبياً في فيلم «البيضة والحجر» الذي قامت فكرته أيضاً على الدجل والشعوذة، وطرق الوقاية من المس الشيطاني، فقد اعتمد البطل المشعوذ على مهاراته الشخصية في النصب والاحتيال، وجعل القرآن خلفية فقط لكسب ثقة المترددين عليه، لبيان اجتراء الدجالين على كلام الله، واستخدامهم له زوراً وبهتاناً، في استقرار يقيني على المعنى الدلالي لبراءة القرآن والدين، من حيل وألاعيب الدجالين والمشعوذين والمتاجرين بالآيات والأدعية والمُحصنات الشرعية.
ويأتي الفيلمان المهمان للكاتب محمود أبو زيد، والمخرج علي عبد الخالق كمصدرين أساسيين للمعرفة والتثقيف والتنوير في هذا الخصوص على وجه التحديد، ألا وهما فيلما «العار» و«الكيف»، حيث حرص الكاتب والسيناريست الكبير على أن تنتهي أحداث الفيلمين بآيات القرآن الكريم الدالة على الموضوع والقضية، فقد أشار في نهاية فيلم «العار» بالآية الكريمة، «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها» إلى المضمون الكلي للأحداث، وما يجنيه الإنسان على نفسه جراء انحرافه وخروجه عن طاعة الله وإتباعه للملذات والشهوات، وبالمثل كانت نهاية فيلم «الكيف» وفيلم «جري الوحوش»، والأخير ناقش قضية المال والبنون وزينة الحياة الدنيا، التي لخصها الله عز وجل في العنصرين الرئيسيين بالترتيب القرآني والرباني لمباهج الحياة وحكمة توزيع الرزق على عباده بالعدل والتساوي من غير إجحاف لحق أحد منهم.
يبقى الورود العابر لبعض آيات القرآن الكريم في مشاهد الزواج والطلاق، وفيهما تكون الإشارات سريعة وبليغة ومُقتصدة، من دون إسراف، كما أن معظم مشاهد الوفيات والتشييع والعزاء، استلزمت تلاوة قصيرة لبعض الآيات القرآنية المناسبة لجلال الموت وقدسيته، كما ورد في فيلم «السقا مات» للمخرج صلاح أبو سيف، والمأخوذ عن قصة الكاتب يوسف السباعي، وفيلم «إني لا أكذب ولكني أتجمل» للكاتب الروائي إحسان عبد القدوس، بطولة أحمد زكي وآثار الحكيم، وهو ما يُعتبر توظيفاً موضوعياً ومفيداً للتذكرة بالموت وموعظته وحتميته، كقدر لكل إنسان مهما علا شأنه وارتقى مقامه.
٭ كاتب مصري