تم الاتفاق على مبادرة مباركة في الاسبوع الماضي بين السلطة الاردنية والصليب الاحمر لازالة الألغام، فسيتلقى 45 شابا سوريا من لاجئي الحرب تدريبا وارشادا في إزالة الألغام والقذائف والقنابل غير المنفجرة وسائر المواد المتفجرة. وسيعمل هؤلاء اللاجئون بعد ذلك مرشدين لنحو من 20 ألف لاجئ آخرين سيتطوعون للحصول على إعداد ويعملون في هذا النشاط الخطير في المدن والقرى التي هربوا منها عندما سيعودون الى بيوتهم في سورية.
بيد أن هذه المبادرة تبدو سابقة لأوانها شيئا ما لأنه لا أحد في الاردن أو في سورية يستطيع أن يقول متى سيعود اللاجئون الى وطنهم لتطبيق إعدادهم. إن مواطني الاردن قلقون الآن من تهديدات الهجوم على سورية، رغم الاتفاق بين سورية وروسيا على الرقابة على المواد القتالية الكيميائية والقضاء عليها. وعلى حسب تقارير إخبارية في وسائل الاعلام الاردنية، هرب مواطنون اردنيون كثيرون يسكنون في مدن الحدود الشمالية الى مدن في شرق الدولة وجنوبها، خشية أن ترد سورية بقصف الارض الاردنية، بل أن تستعمل سلاحا كيميائيا في المناطق الحدودية. ‘لماذا لا تساعدنا الحكومة فتوزع على المواطنين أقنعة واقية كما تفعل حكومة اسرائيل؟’، قال مواطن اردني في غضب في حديث الى صحافي.
يعلن الملك عبد الله ووزراء في حكومته على رؤوس الأشهاد أن الاردن لن تكون قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية موجهة على سورية، لكن الوجود العسكري الامريكي في المملكة ونصب بطاريات صواريخ باتريوت يجعل المواطنين يشكون في جدية هذه التصريحات. إن عسكريين امريكيين يُعدون منذ أشهر طويلة مقاتلين من الجيش السوري الحر، وقبل بضعة أسابيع تم في عمان لقاء بين رؤساء أركان جيوش الدول المجاورة للاردن، وتجتاز قوافل سلاح بنفقة سعودية الحدود الى سورية عن طريق الاردن أو تأتي مباشرة الى الاردن من كرواتيا في طائرات سلاح الجو الاردني. وعلى حسب تقرير في صحيفة ‘وول ستريت جورنال’، تشتغل الاستخبارات الاردنية والسعودية باعداد قوات سورية هدفها إسقاط نظام الاسد. فاذا تم اجراء عسكري موجه على سورية فيتوقع أن تكون الاردن واحدة من نقاط الاستعداد المهمة له.
كان الملك عبد الله أول زعيم عربي دعا بشار الاسد الى التنحي عن كرسيه (وهذا تصريح حاول أن يُخفف وقعه بعد ذلك). لكن رغم التعاون الوثيق الذي يُجريه مع السعودية التي تحث على عملية عسكرية، واستعداده للتعاون مع الادارة الامريكية، يبدو أن خشيته الكبرى هي من سيطرة منظمات اسلامية على سورية بعد سقوط الاسد. إن خوفه لا يختلف في الحقيقة عن خوف اسرائيل أو تركيا، لكن الاردن بالقياس إليهما محدودة القدرة من الجهتين العسكرية والسياسية على الرد على تطور خطير كهذا. وفي داخل الاردن يواجه الملك مجموعات اسلامية أكبرها الاخوان المسلمون الاردنيون الذين قد يُقلدون نشاط نظرائهم في مصر. وعلى نحو عام سادت علاقات تعاون بين الاخوان في الاردن والسلطة، ولم يحظر القانون عمل حركتهم كما حدث في مصر. وحينما تولى الاخوان المسلمون الحكم في مصر وافق الملك بضغط من الاخوان المسلمين الاردنيين ووساطة حاكم قطر على تحسين علاقاته الباردة بحماس، بل إنه التقى مع خالد مشعل لأول مرة.
وفي الوقت نفسه ينشأ تحت أنف الملك تهديد آخر لا يمكن الى الآن تقدير قوته. فقد هرب أكثر من نصف مليون لاجئ سوري الى المملكة منذ نشب التمرد في سورية. ويسكن نحو من 170 ألفا في مخيم اللاجئين الزعتري ووزع الباقون في المدن والقرى الاردنية. ولا يستطيع أحد أن يقول بيقين كم منهم يؤيد الحركات الاسلامية وكم منهم نشطاء من الاخوان المسلمين في سورية.
إن عدد اللاجئين السوريين الذي يبلغ الآن نحوا من 9 في المئة من عدد سكان المملكة كله، قد يزيد ويبلغ نحوا من 20 في المئة كلما استمرت الحرب. فاذا سيطرت القوات الاسلامية في سورية على أجزاء كبيرة من البلاد، أو أصبحت جزءً من السلطة التالية، فقد يصبح لاجئون كثيرون في الاردن ‘فرعاً’ لهم لتطبيق طموحهم الايديولوجي، وأن يحاولوا مع الاخوان المسلمين في الاردن إسقاط حكم الملك. لا أحد في الاردن يتحدث علنا عن هذا الخطر، لكن مصادر اردنية تقول إن الاستخبارات الاردنية تتابع المزاج العام والنشاط الديني داخل مخيمات اللاجئين بغرض التعرف على مراكز معارضة في المستقبل.
إن الاردن مسجون بسبب ذلك في معضلة استراتيجية تُعرضه لخيارين سيئين: اذا سقط الاسد فقد تجد المملكة نفسها ازاء نظام سوري جديد قد يُعرض استقرارها للخطر؛ واذا بقي الاسد فقد تعلق مع نصف مليون لاجئ يخشون العودة الى وطنهم، ومن هنا ايضا يأتي خطاب الاردن الرسمي الغامض الذي يعارض علنا عملية عسكرية على الاسد، ويُهيئ في الوقت نفسه للسعودية والولايات المتحدة والمتمردين قاعدة مساعدة.
والى هذه الحيرة السياسية حمّلت الحرب الاردن عبئا ماليا عظيما لأنها تحتاج الى عشرات ملايين الدولارات كل شهر لتُهيئ حاجات اللاجئين، ولا تفي المساعدة التي تأتيها من الامم المتحدة أو من الدول العربية والغربية بمقدار النفقات. ويكمن هنا تهديد سياسي آخر للملك، لأن مواطنين كثيرين أصبحوا يسألون لماذا يجب عليهم أن يدفعوا الى اللاجئين، في حين لا يملكون هم أنفسهم اماكن عمل.
تسفي برئيل
هآرتس 17/9/2013