المعضلة الجزائرية

حجم الخط
16

الجزائر اليوم في مأزق سياسي. والسبب، الانتخابات الرئاسية: تنظيمها، كما تريدها السلطة، مشكلة. وإلغاؤها، كما يريد الحراك الشعبي، مشكلة. على الجزائريين الآن، خصوصا الذين في أيديهم سلطة القرار، الاختيار بين السيىء والأكثر سوءا. كان يمكن تفادي هذا المأزق بقليل من الحنكة والليونة والتنازل، لكن الجزائر لم تفعل.
إجراء الانتخابات معضلة لأنها، بدايةً، ستجري في أجواء غير صحية يميّزها قمع سياسي وأمني وإعلامي وتكميم الأفواه وترهيب يتعرض له مَن يخالفون سياسة النظام. عشرات النشطاء السلميين والمعارضين في السجون، الصحافيون يعملون في جو من الرقابة والتخويف لم يعرفوه في عهد المخلوع. كما أن الانتخابات مُهدَّدة بالمقاطعة وبمشاركة ضعيفة ستجعلها نسخة من انتخابات العقود الماضية وتنزع عنها حتما المصداقية السياسية والشرعية. وكلاهما ورقتان استثمرت السلطة كثيرا من أجل الوصول إليهما.
وعدم إجراء الانتخابات مشكلة لا تقل سوءا. تأجيل اقتراع 12 كانون الأول (ديسمبر) يعني تأجيل ثالث انتخابات رئاسية في أقل من سنة. وهذا مسيء لسمعة البلاد ويكفي لضرب مصداقية الدولة ومؤسساتها. ويكفي للمساس بمصداقية قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، باعتباره الراعي الشخصي للعملية السياسية ككل، والتي لا عنوان لها إلا الانتخابات الرئاسية مهما كان الثمن. من الصعب أن يقبل قايد صالح ومن معه بتأجيل الاقتراع الرئاسي مرة أخرى.
طبعا، هناك رائحة عناد شخصي وغرور ذاتي تنبعث من أعماق هذا الجو المتأزم.
نحن أمام معسكرين، واحد حبيس مقاربته الأمنية للأشياء، عاجز عن التحرر منها. وآخر ذاق طعم الحرية ويرفض العودة إلى الوراء. أحد المعسكرين يعتبر أن تنظيم انتخابات مبتورة، وبنتائج دون التوقعات، أفضل من عدم تنظيمها. الحجج هنا كثيرة منها أن الانتخابات هي بداية الخروج من عنق الزجاجة، وتأجيلها يفتح أبواب المجهول ويقرّب المؤامرات الداخلية والخارجية.

ليس في الأفق بوادر حلول جاهزة ومقبولة. ولا يتوفر متسع من الوقت يكفي لبلورة حلول مفيدة. الوقت يضيق على الجميع والهوة تتسع بين المعسكرين. لكن بمنطق المقارنة، يبدو النظام الحاكم مأزوما أكثر من الطرف الآخر

في المقابل يرى المعسكر الآخر أن الانتخابات هي المشكلة وتأجيلها، إلى حين التئام ظروف جيدة لها، بداية الحل. التأجيل سيحرم النظام من فرصة تجديد نفسه وآليات عمله، أو يؤخر ذلك إلى حين. ويرى هذا المعسكر أن الانتخابات ستأتي برئيس، على الأغلب من وجوه النظام القديمة، ولن تغيّر شيئا بعد ذلك.
في كل دول العالم ووفقا لنظريات ومدارس السياسة والعمل العام، الانتخابات هي طريق حل لوضع سياسي قائم أو مرشح للتأزم. في الجزائر، في أغلب الحالات، هي مشكلة جديدة أو تعميق لمشكلة موجودة. الحراك الشعبي السلمي الذي بدأ بارقة أمل لأجيال من الجزائريين، سيق في اتجاه حوّله إلى مشكلة وخطر بمجرد أن رفض الاستسلام لمخططات السلطة القائمة.
ليس في الأفق بوادر حلول جاهزة ومقبولة. ولا يتوفر متسع من الوقت يكفي لبلورة حلول مفيدة. الوقت يضيق على الجميع والهوة تتسع بين المعسكرين. لكن بمنطق المقارنة، يبدو النظام الحاكم مأزوما أكثر من الطرف الآخر، لأنه المسؤول والمخوَّل إيجاد حلول سياسية مقبولة ترضي أغلب الأطراف، إن لم يكن كلها. لكن المفارقة أن هذا النظام المأزوم هو الذي في يديه مفاتيح الحل.
الكرة، إذًا، في ملعب أصحاب القرار والفريق أحمد قائد صالح على وجه الخصوص. صاحب القرار مُطالَب بالتحرك فوراً وتحمل مسؤولية الاختيار بين السيئ والأسوأ. وبما أن السيئ والأسوأ يتطلبان، كلٌّ على حدة، ثمنا، يمكن الجنوح إلى الخيار السيئ: تأجيل الانتخابات فترة وجيزة. ذلك أن الاقتراع بالطريقة التي يجري الإعداد له وفي الظروف الحالية، معروف النتائج سلفا، ومؤكد أنه سيفضي إلى تغيير شكلي يعيد إنتاج واقعا لا يختلف عن واقع بوتفليقة ويفوِّت على الجزائر فرصة قد لا تتكرر خلال الخمسين سنة المقبلة.
في المقابل، مسألة المصداقية التي قد تتضرر من التأجيل الثالث قابلة للترميم، وخصوصا إذا تأجلت الانتخابات ثم جرى التحضير لها جديا وبتفانٍ ونجحت سياسيا وتنظيميا. هذا النجاح سيكون هو العلاج لموضوع المصداقية، والردّ على المتباكين عليها. هناك تجارب عدّة لحالات مماثلة، آخرها بريطانيا التي أرجأت خروجها من الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات لأنها قدّرت أن مصلحتها العليا في التروي، ففرضت التروي على الرغم الأزمة الحادة التي رافقته: أن تتمهل ثلاثة أشهر أفضل لها من أن تقفز نحو المجهول، فاختارت التمهل ضاربة عرض الحائط بما دون المصلحة القومية.

كاتب صحافي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جلال مسعودي:

    عسكر الجزائر مصلحتهم و سلطتهم اهم من مصلحة الوطن خير دليل انهم باعو ثروات البلاد لشراء سكوت العالم وهاهم يظهرون خيانتهم على العلن بإغلاقهم قناة المغاربية بتواطئها مع فرنسا .. ان شعب الجزائر في معركة ضد طغمة العسكرية المأيدة من الامرات و
    الدول الغربية و خاصة فرنسا

  2. يقول علي:

    ليست هناك معضلة في الجزائر. هناك جريمة يرتكبها نظام العسكر الإرهابي،واجهة حزب فرنسا. الجريمة هي اغتصاب الحكم وفرض الرأي على الجماهير التي تعلن رفضها للنظام على مدى عشرات الأسابيع، بينما يصر على البقاء وإجراء انتخابات يتحكم فيها ويوجه الفائز لخدمته.
    إن كان صادقا حقا فعليه أن يرحل،ويترك لجنة مؤقته تتفق على مستقبل البلاد .

  3. يقول كروان:

    يبدو ان السيء هو التأجيل من اجل التا زيم الحل في الدفع بمرشح من قلب الحراك والكلمة للشعب عن طريق الصندوق غير ذلك مجرد تأزيم للوضع

    1. يقول ابونواس:

      الصندوق يتحكم فيه النظام..النتيجة معروفة مسبقا…

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    لماذا لا تكون هذه الإنتخابات الرئاسية مؤقتة لمدة سنة واحدة لحين إستقرار الأوضاع؟ والأهم من ذلك رقابة دولية للإنتخابات لضمان نزاهتها!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول أيوب:

    لاالــــه الا اللـــــــــه.ومحد رسول الله…وبوتفليقـــــــــــة عدو الله……..بوتفليقة وراء كل مصائب الشعب الجزائري..منذ 1999..

    1. يقول ع.مداحDjazair:

      مصاٸب الشعب الجزاٸري وراءها العسکر و منذ 1958 قبل الإستقلال ب 3سنوات و 4 اشهر بالضبط و الی یومنا هذا

  6. يقول احمد:

    المشکل هو ان اصحاب القرار لیس لهم هدف سوی ابقاء النظام کما هو .لقد فعلوا کل شیٸ :تکمیم الفواه,الزج بالناشطین فی السجون٫غلق العاصمة.ماذا بقي? بقي استعمال العنف الجسدي او منع صلاة الجمعة.حینها سیعود الناس الی منازلهم وتترک الساحة للعصابة تعیث فيها فسادا الی حین.

  7. يقول MAJID LAKHAL:

    خير الكلام ما قل ودل :يجب المطالبة بتطهير وتنظيف الجزائر من التنظيمات الارهابية وعلى راسها تنظيم البوليساريو الذي اصاب الجزائر بالفشل والشلل التام (وبعدها لكل مقال مقام )

    1. يقول ولد المالك الصحراوي:

      ويجب تحرير الأراضي المغربية من الإحتلال الإرهابي الإسباني لسبتة ومليلة، إحتلال يبقى عيب وعار على دولة ذات سيادة وعلم وشعب والله أعلم.

  8. يقول amine serdini:

    مدنية لا عسكرية.
    يسقط حكم العسكر.
    قايد صالح إلى التقاعد عساك تنجو من السجن لأنك أحد رؤوس العصابة.
    الجزائر حرة، ديمقراطية، علمانية تسع الجميع.

  9. يقول الدكتور لبوز دردوري:

    المعظلة الحقيقية هو ان حراك دام ثمانية اشهر لا يستطيع ان يقدم مرشح يثق به الشعب, ولا يستطيع ان يصنع قيادة تحوز رضى الشعب, انما هناك المتردية والنطيحة وما اكل السبع

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      الحراك هو حراك و لا يقدم مرشحا .. لانه حراك فيه كل الحساسيات السياسية ..
      .
      و اما عن ممثلين له .. فالعسكر بالمرصاد لكل من اشتم فيه راحة أنه قد يمثل الحراك ..
      .
      يعني العسكر يقتل الراجل .. و يبكي في جنازتو .. يمنع تمثيل الحراك .. و يسأل بكل برائة لماذا ليس لكم ممثلين؟

  10. يقول عربي:

    المشكلة فالشعب الذي لا يعرف أنه يحفر قبره بيديه بترك الأمور و الإصرار على التأجيل دون أن يرشح أو يبادر بالحلول، الدولة ليست جمعية خيرية حتى يأجل تسسيرها و تركها للمجهول و المعارضة و الأخوة فالجزائر يجب أن يعرفوا أن يتحملو مسؤوليتهم الوطنية و لا يتبعو خطوات السفهاء من الرافضيين لكل شيئ و لا يقدمون حلا و ينتظرون ولم يتقلدوا المسؤولية يوما.

    1. يقول عمر-الجزائر:

      الشعب هو من أدخل العصابة السجن بثورته في 22 فبراير ، واستمراره في التظاهر 35 جمعة وثلاثاء متتالية…الشعب هو من أسقط العهدة الخامسة وانتخابات 18 أفريل وانتخابات 4 جويلية…جنرالات الفساد والأجرام والخيانة، بخبثهم داسوا على الشرعية الشعبية ، وخرجوا عن الدستور وداسو على القوانين ، ويريدون تنظيم إنتخابات مزورة على مقاسهم لن تحل المعضلة الجزائرية ،وهي بمثابة تكرار لسيناريو إنتخابات 1999 و2004 و2009 و2014 التي أوصلتنا لهذا المأزق .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية