الرباط ـ «القدس العربي»: بعد أن أثار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، غضب وحنق المغاربة بسبب ظهوره في برنامج حواري فرنسي، حاملاً خريطة العالم العربي تظهر الصحراء الغربية مفصولة عن المغرب، عاد ليقدم اعتذاراً للعاهل والشعب المغربيين، وقال: “للأسف، وقع خطأ في الخريطة التي عُرضت في المقابلة”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها نتنياهو على إثارة غضب المغاربة، إذ سبق أن لوحظ الأمر ذاته، تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث ظهرت خريطة تتضمن حدوداً فاصلة بين المغرب والصحراء على جدار مكتب المسؤول الإسرائيلي.
وقدم بنيامين نتنياهو اعتذاراً مقتضباً عن الخريطة المغربية المبتورة، نُشر على صفحته الرسمية بمنصة (إكس)، جاء فيه: “الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء، اعترفت بسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها وتم تصحيح جميع الخرائط الرسمية الموجودة في مكتب سيادته، بما فيها الخريطة التي عرضت عن طريق الخطأ في المقابلة، وفقاً لذلك”.
في السياق نفسه، قدم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعيبة، توضيحاً للعاهل محمد السادس والشعب المغربي، وقال في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “بسبب خطأ غير مقصود، تمت إثارة ضجة إعلامية كبيرة بخصوص خارطة استعملها بنيامين نتنياهو تظهر فيها خارطة المغرب مبتورة عن صحرائها”.
وتابع: “المغرب في صحرائه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها”. واعتذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عما اعتبره “الخطأ التقني”، وقال: “لن نتراجع عن اعترافنا التاريخي بمغربية الصحراء”.
ابتزاز أم خطأ غير مقصود
“هذان الاعتذاران، يجُبَّان ما قبلهما”، حسب الحسين كنون رئيس “المرصد المغاربي للدراسات السياسية الدولية” متحدثاً لـ “القدس العربي”، لافتاً إلى أن “الخطوة لم تكن مقصودة وأنها لو كانت كذلك لما اعتذر عنها نتنياهو وكعيبة في حينها”. وفي تقدير المحلل السياسي المختص في الشأن الدولي، فإن “أي دبلوماسية في العالم حين تعتذر عن أي خطأ ارتُكب، لا يُحتسب الموقف/ الخطأ الأول، مع العلم أن المغرب أكبر من إسرائيل ولا تتوقف قضية مغربية الصحراء على اعتراف إسرائيل، لأن الصحراء مغربية بقوة القانون والواقع والتاريخ”.
وأبرز المتحدث أن المغرب حين استأنف علاقته مع إسرائيل كانت غايته فُضلى وما زالت، بحكم أن للمغرب جالية يهودية بإسرائيل تربطهم علاقة الدم والبيعة بأمير المؤمنين محمد السادس، وأن المغرب، في شخص الملك، يرأس “لجنة القدس”، وبهذه الصفة يلعب المغرب دوراً هاماً في السلام وحل القضية الفلسطينية ولا يمكن ذلك إلا عن طريق الحوار المباشر مع إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج والجامعة العربية”.
وختم كنون كلامه مؤكداً أن “المغرب دولة عريقة لا تهمُّها هذه المناورات من إسرائيل أو من غيرها، ذلك أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها”.
ما حصل أثار جدلاً واسعاً بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة، منتقدين بشدة ما صدر عن نتنياهو، وأعادوا إلى الواجهة خطوة التطبيع مع إسرائيل مطالبين بضرورة التراجع عن هذا القرار.
رشيد لبكر، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بالجديدة، كتب على صفحته بـ “فيسبوك”: “واهم وأحمق من توهم أن فعلة نتنياهو “خطأ غير مقصود”، لا سيما وأنها تتكرر للمرة الثانية.. رسالة واضحة والجواب ينبغي أن يكون أوضح: “الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه”، شاء من شاء وأبى من أبى، ولن نخضع للابتزاز وعاشت فلسطين حرة أبية”.
وأدانت “مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك”، “الفعلة الشنيعة التي اقترفها رئيس الوزراء الإسرائيلي والتي تمس بجوهر العلاقات بين المملكة المغربية وإسرائيل”، وفق بلاغ اطلعت عليه “القدس العربي”، واعتبر أن “هذا التصرف الأرعن الذي يصدر عن الوزير الأول الإسرائيلي مس خطير في ثابت من الثوابت المقدسة للشعب المغربي وهو سيادته على أراضيه”.
وجدد المكتب التنفيذي للمؤسسة “إدانته للجرائم التي تقترفها القوات الإسرائيلية بأوامر من حكومة نتنياهو في حق الشعب الفلسطيني كافة وسكان غزة خاصة”.
ووصف عبد الواحد درويش، رئيس “مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك”، ما وقع بكونه “استفزازاً جديداً من نتنياهو ضد المغرب”، وتابع على صفحته على “فيسبوك”: “للمرة الثالثة يقترف نتنياهو هذه الفعلة الشنيعة التي لن يكفي اعتذار وزارة خارجية إسرائيل لمسح هذه الإهانة، ونحن على قناعة راسخة أن فعلته هذه المرة لن تمر بسلام”.
وكتبت الأستاذة الجامعية لطيفة البوحسيني، تدوينة على صفحتها تقول: “وظفتم الوتر الحساس للوطنية لتمرير التطبيع، ها هو المجرم القتال يضرب عرض الحائط بما اتفق عليه ويسعى للمزيد من الابتزاز”. وتابعت: “بعد وقبل وأثناء كل هذه الجرائم المرتكبة من طرف عصابات الصهاينة، لا يمكن الاستمرار في أية علاقة معهم. وبه وجب التذكير”.
وكانت تل أبيب اعترفت بمغربية الصحراء في تموز/ يوليو الماضي، في رسالة وجهها رئيس وزراء دولة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى العاهل محمد السادس، رفع من خلالها قرار دولة إسرائيل “الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء”.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن موقف بلاده هذا سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة، مشدداً على أنه سيتم “إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضواً فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية بهذا القرار”.
دعوة للتحرك الجماعي
على صعيد آخر، وعلاقة بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، أكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الخميس في الصين، أن القضية الفلسطينية تمر بمنعطف خطير جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، وما خلفه من ضحايا بالآلاف في صفوف المدنيين، مشدداً على أن العاهل محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دعا في غير ما مناسبة إلى التحرك جماعياً للوقف الفوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين. وقال بوريطة، متحدثاً خلال الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني، الذي انطلقت أعماله ببكين، إنه “وانطلاقاً من التزام الملك محمد السادس بالسلام، وبصفته رئيساً للجنة القدس، وبالموازاة مع الدعم الإنساني، فقد دعا في غير ما مناسبة إلى التحرك جماعياً، كل من موقعه، للوقف الفوري والشامل والمستدام لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية لساكنة غزة، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين”.
وأضاف الوزير أن ما يجري في غزة، بالإضافة إلى انعكاساته الإنسانية الكارثية، يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار الإقليميين. وأبرز “أن ما يقع في غزة لا يمكن قبوله أو السكوت عنه. إن عجز المجتمع الدولي له تكلفة باهظة”. فهذا العجز، يقول وزير الخارجية المغربي، “هو الذي سمح للجيش الإسرائيلي بقصف مخيم يكتظ بأكثر من 100 ألف نازح فلسطيني قرب مدينة رفح، مخلفاً سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، في انتهاك واضح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”. وشدد بوريطة على أن “تقاعس المجتمع الدولي هو ما شجع السلطات الإسرائيلية على عدم الامتثال لقرار محكمة العدل الدولية، الذي طالب إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في رفح”. وفي هذا السياق، أكد وزير الشؤون الخارجية أن الصين، بحكم مكانتها الوازنة في المنتظم الدولي، وسياستها المتزنة والداعمة لمختلف القضايا العربية، تعتبر شريكاً موثوقاً قادراً على لعب دور بناء من أجل المساعدة في التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وفق حل الدولتين.
ولم يفوت الوزير الفرصة ليُثمِّن عالياً الخطوة الهامة التي أقدمت عليها بعض الدول الأوروبية مؤخراً بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما اعتبره تحركاً مهماً على طريق حل الدولتين كإطار لا محيد عنه في إقرار سلام دائم وشامل من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.