الرباط ـ “القدس العربي”:
تشهد المراكز التجارية الكبرى في المغرب، حاليا، مبادرات إنسانية تطوعية يقوم بها المواطنون ونشطاء الجمعيات الأهلية، تتمثل في جمع مساعدات متنوعة لإرسالها عبر السيارات والشاحنات نحو المناطق المتضررة من الزلزال نواحي مراكش والحوز وتارودانت، وتشمل تلك المساعدات أغطية ومواد غذائية وغيرها.
كما توجهت أعداد كبيرة من المغاربة، منذ ثلاثة أيام، إلى مختلف مراكز تحاقُن الدم، وشكل الراغبون في التبرع لفائدة جرحى الزلزال طوابير طويلة لم تشهدها البلاد سابقا، حيث طلب أطباء وممرضو المراكز من المتبرعين العودة في الأيام الموالية بعد الوصول للطاقة الاستيعابية القصوى لتلك المراكز.
وتتواصل على مدار الساعة عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي نداءات من أجل المساهمة بالأموال في الصندوق الذي خصص للمساعدة في إغاثة المنكوبين وتوفير السكن لهم وإصلاح الطرق والمسالك الجبلية الوعرة التي تضررت بفعل قوة الزلزال.
وقال محسن بنزاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي، متحدثا إلى “القدس العربي”، إن قيم التضامن التي أبان عنها المغاربة ليست شيئا غريبا عنهم، واستحضر أمثلة جسّدوا فيها عمليا تلك القيم، بما فيها أزمات عاشتها البلاد.
وسجّل مراقبون أن المغاربة قدّموا دروسًا رائعة في التضامن والصلابة والقوة في تجاوز المحن، عبَّروا عنها منذ الدقائق الأولى التي تَلَت الزلزال حين نزول الجميع إلى الشوارع، الجمعة 8 أيلول/سبتمبر ليلا، مُساهمين في تهدئة رَوعِ بعضهم البعض وبثّ الطمأنينة في نفوس أطفالهم ومحاولة إنقاذ مَن علِق منهم تحت ركام البنايات وتضميد جراح المصابين منهم.
وما أن بزغ فجر يوم السبت وانكشفت حجم أضرار “زلزال الحوز” نسبة إلى منطقة “الحوز” في جبال الأطلس الكبير نواحي مدينة مراكش، وتبينت قساوة الرّزء في القرى النائية، حتى انطلق المغاربة في رحلة التضامن وتوجهوا إلى مختلف مراكز تحاقن الدم في مجموع مدن وأقاليم البلاد.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid028fp6G5sAEM4icC5upAvcoVXYsPk3626jrEMeBSfx2kaefmc4N4s35hSAW1XDphubl&id=100005328135309
ومنذ اليوم الذي تلا الزلزال المُميت والذي وصل إلى 7 درجات على سلم ريختر، عاشت الطرقات المتوجهة إلى المناطق المنكوبة على وقع حركية كبيرة، وبادرت مجموعة من المواطنين المغاربة وجمعيات المجتمع المدني إلى تحميل المُؤن والمواد الغذائية والأغطية والأفرشة والتوجه صوب القرى المنكوبة في قلب جبال الأطلس الكبير، غير عابئين بوُعورة التضاريس وصعوبة المسالك المقطوعة بسبب الانهيارات الصخرية.
وأطلق نشطاء جمعيات أهلية ومؤسسات خيرية وتطوعية ومواطنون متطوعون نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات العينية، وكان يكفي أن تتوجه جمعيات إلى أمام المراكز التجارية الكبرى لتمتلئ شاحنات عن آخرها بكافة أنواع المواد الغذائية والأغطية والأفرشة، متبرع بها من طرف المواطنين والمواطنات، في ظرف لا يتجاوز ساعتين إلى 3 ساعات، قبل أن تشد الرحال صوب القرى المنكوبة.
https://www.facebook.com/mohamedgharib.makhoukhi/posts/pfbid023kZCNiVqL6oeJGUhhsD1L91Z5RaNCfaftKGkHXStyE3vmgzmis4gcLvt4bAU5Zr7l
بدورهن، لم تتأخر نساء مغربيات في عرض قطع من الحليّ الذهبية على مواقع التواصل الاجتماعي، راغبات في بيعه والتبرع بثمنه لاقتناء المُؤن والماء والخبز وباقي الحاجيات والمساعدة بما تيسر في عملية الإغاثة والمساعدة.
ومن بين صور تضامن الشعب المغربي، أن عمدت مجموعة من النساء القرويات إلى عجن وخَبز كميات كبيرة من الخبز وتوزيعها؛ حيث يحكي أحد المتطوعين بقرية منكوبة، أن النساء على بساطتهن وفقرهن، اتفقن على تجهيز كميات من الخبز وتوجهن نحوه طالبين منه مد المحتاجين بقطع الخبز. يقول بالكثير من التأثر: “كان لا يزال الخبز ساخنا وطريا، قَضَين جزءا من الليل يعجنَّ ويخبِزنَ، وما إن بزغ الفجر حتى جِئنَني به”.
https://www.facebook.com/Imeziren/videos/527034572946127
وبالإضافة إلى أكثر من 2500 كادر صحي موزعين ما بين أطباء وممرضين، عبَّأتهُم الدولة المغربية لإسعاف النّاجين والمصابين، مجموعة من الطبيبات والأطباء المتطوعين علاوة على الممرضات والممرضين، شدوا الرحال بمُعدّاتهم ومصحوبين بكميات من الأدوية، نحو القرى التي تشهد عددا كبيرا من المصابين والجرحى من أجل تقديم الإسعافات الأولية وتضميد الجراح ومراقبة النساء الحوامل والأطفال.
المغاربة المُقيمون في ديار المهجر كانوا في الموعد، وفق المعهود فيهم، وبادروا إلى جمع التبرعات والمساعدات خاصة منها الأجهزة الطبية والأدوية، من أجل إرسالها إلى ضحايا الزلزال المدمر، طالبين من السلطات الجمركية في البلاد تخفيف وتيسير الإجراءات للسماح بدخول سهل وسريع.
ووجَّه عدد من المهاجرين المغاربة بمدن متفرقة في اسبانيا وإيطاليا وفرنسا نداءات لجمع المساعدات من أغطية وخيام وأدوية قصد توجيهها إلى بلدهم الأم في الأيام القليلة القادمة.
هذه الهبَّة الشعبية من كل حدب وصوب داخل البلاد وخارجها، لمساعدة المنكوبين جعلت الدكتور محسن بنزاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي، يؤكد أن “القيم التضامنية التي أبان عنها المغاربة خلال “زلزال الحوز” ليست شيئا غريبا عنهم”، وأكد “عند المحن يظهر المعدن الأصلي للأفراد وكذلك الشعوب، والمغرب ليس بلدا وليد التاريخ الحديث بل يعود إلى قرون من الحضور بما فيها من أزمات عايشتها البلاد وتعاملت معها، والذاكرة المغربية ليست ذاكرة قصيرة بل متجذرة في التاريخ”.
ويرى الأخصائي المغربي ضمن حديث لـ”القدس العربي”، أن الظروف التي مر بها المغاربة طيلة قرون جعلتهم يستوعبون أن لا حضور أو بقاء لهم فوق هذه الأرض إلا بتضامنهم، وبالتالي انعكست هذه الحقيقة حتى في السلوك اليومي للإنسان المغربي يفتح بيته أمام ضيوف جاره حين يعيش أفراحا أو جنازات ويشاركه كل شيء”.
وأورد المتحدث أن هذه الروح بقيت مُستمرة منذ القديم، ذلك أن الوطن دين وحب وتشبث بالحياة وإحساس بآلام الآخر، فحين يطلع المغاربة على صور وقصص إخوانهم ممن لم ترحمهم الظروف ويعيشون في أعالي الجبال، لتأتي ظاهرة طبيعية وتزيد من آلامهم، لا أعتقد أن إنسانا سليم السريرة لن تتحرك عواطفه وقيمه.
وختم بنزاكور حديثه لـ “القدس العربي” قائلا: “نتذكر قصة الطفل ريان وكيف كان المغرب والمغاربة يدا واحدة، وكذلك زلزال الحسيمة عام 2004 ولحمة المغاربة، هناك روح مواطنة قوية جدا لدى المغاربة ودائما يعبرون عنها في أحداث يومية أو حين تحل مثل هذه الأحداث والكوارث المؤلمة”.
https://www.facebook.com/mustapha.taj.75/posts/pfbid02d76wwDNiRiwhtAsLT7FEBjY6bhjAafsaq1gsnZ9AGf36suB6EN3BjCaANjq5qZv3l