المغارب… غدا الديمقراطية؟

حجم الخط
14

بهذه الصيغة طرح المؤرخ الفرنسي بيير فرموران السؤال عن مآل الديمقراطية في البلدان المغاربية الثلاثة تونس والجزائر والمغرب، في كتاب صدر سنة 2004 يحمل العنوان ذاته، مع علامة استفهام. كان المؤلف يوحي ضمنيا بأن الديمقراطية لم تكن في صدر الأولويات في تلك الفترة، رغم بعض معالم الانفراج في كل من الجزائر والمغرب. كانت الفكرة السائدة حينها التي كانت ترمز لها تونس آنذاك بشكل جلي، هي السلطوية مع الانفتاح الاقتصادي.
لم تكن هذه الفكرة إلا تبنيا لما كان يسمى بالقيم الآسيوية التي مزجت بين السلطوية مع الانفتاح الاقتصادي، أو وصفة الوزير الأول السنغافوري «لي»، وشفع الكاتب الفرنسي بآراء لفرنسيين نافذين، كانوا يقومون بدور العرّاب لبعض دول المغارب، يزعمون أنه لا يحسن أن تُطبق على مجتمعات معينة قيم غربية، وهم يعنون قيم حقوق الإنسان والديمقراطية. كان الغربيون أنفسهم من صاغ ما سمي بالاستثناء الثقافي، وسوغوا الأمر الواقع.
والنتيجة هي أن السلطوية تحولت إلى استبداد، ولم يواكبها ما واكب التجربة الآسيوية من أخلاقية وزهد، ولم تخلُ التجربة في كل بلدان المغرب، بدرجات متفاوتة، من الأدواء ذاتها، استبداد حكم، وقبضة أمنية، وأوليغارشيات مالية. وكان من نتائج ذلك إضعاف بنية الدولة مع بنيات موازية، من خلال الحزب الحاكم أو المهيمن، أو الأحزاب المهيمنة، للواجهة، وأوليغارشية أو عصابة متحكمة… مع النتيجة ذاتها، ديمقراطية صورية واستفحال الفوارق الاجتماعية.
لم يكن المؤرخ الفرنسي مخطئا، لأن الدول المغاربية أخطأت موعدها مع الديمقراطية حينها، واستعاضت عنها بشكلها، وكان لزاما أن تقول الشعوب كلمتها. صدعت به تونس جهارا قبل ثماني سنوات، وصدح به المغرب همسا، وقالت به الجزائر في حراكها بقوة واستماتة. لم يعد هناك ما يبرر تأجيل خيار الديمقراطية، في روحها وليس في شكلها.. لا أحد يجادل في ذلك اليوم، بل حتى قبل عشرين سنة، كانت فعاليات المجتمع المدني تقول بذلك. أُجهِض ذلك المد لأنه لم يكن قوة وازنة (أو لم يشكل كتلة حرجة كما يقال في الفيزياء)، ولأنه تم استيعاب لبعض عناصره، أو التصدي للبعض مما لم ينسكب في القوالب، المشكل ليس في الفكرة، ولكن في كيفية أجرأتها.
يوحي البعض بأن الديمقراطية، أو النضال من أجلها ينبغي أن يكون كما كان النضال من أجل الاستقلال قبل جيلين، قضية مشتركة بين الدول المغاربية، أو قضية مغاربية. معلوم أن النضال المغاربي، من أجل الاستقلال، في إرهاصاته الأولى كان مغاربيا، وهو الأمر الذي حدا بالسلطة الفرنسية المستعمِرة إلى عزله، من خلال استقلالات مشروطة في ما سمي الاستقلال، في ظل الترابط لكل من تونس والمغرب. والذي يهم هو أن الصراع الذي كانت بؤرته الجزائر أثناء حرب التحرير، كانت قاعدته الخلفية في كل من تونس والمغرب. هل يأخذ الصراع من أجل الديمقراطية المنحى ذاته، أي أن يصبح مشتركا أو مغاربيا؟ للرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي مقولة مأثورة مؤداها أن ليس هناك بلد مغاربي يستطيع أن يصل إلى بر الأمان بمعزل عن الآخرين. وما يحق اقتصاديا يحق في ما يخص النضال من أجل ترسيخ بناء الديمقراطية.

التوتر الذي عرفته العلاقات المغاربية خدم السلطوية، ومنح الأنظمة مبرر وجود، وظل خطاب الوحدة شعارا ليس غير

التكلس بل التوتر الذي عرفته العلاقات المغاربية خدم السلطوية، ومنح الأنظمة مبرر وجود، وظل خطاب الوحدة شعارا ليس غير، بل شعارا يستدر السخرية، أضحى كل نظام، في الحالة المغربية الجزائرية، الحليف الموضوعي للآخر، بغض النظر عن خطاب العداء. ينبغي أن نخلُص لنتيجة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي فشل كل دولة قطرية، بدرجات متفاوتة، في كل من التنمية والديمقراطية، وفي القضايا الثقافية العالقة، فالخيارات الثقافية لم تهيأ لاستيعاب التنوع الثقافي، خاصة في المغرب والجزائر، ولم تهيأ لتعليم نموذجي، ولم تُفض لقيام جامعات لها مكانتها الدولية، ولا في ازدهار للبحث العلمي. لا يمكن أن نضرب صفحا عن الخصوصيات السياسية لتجربة كل بلد، مثلما نعي أن الوعي المغاربي، لا يمكن أن ينهض مسوغا لإعطاء الدروس للآخر، مما قد يُستغل كذريعة لرفع يافطة التدخل في الشؤون الداخلية.. المعادلة، وهي دقيقة، تقوم على التوفيق بين ما يسميه المؤرخ المغربي مصطفى بوعزيز، المكونات الثلاثة للهوية الجهوية ذاتها، وهو البعد الذي أغفلته الدولة القطرية، والمستوى الوطني لأنه واقع موضوعي، من حيث التجربة التاريخية لكل دولة والوعاء الجغرافي وطبيعة الأنظمة، وأخيرا الأفق الإقليمي لأنه ضرورة، فضلا عن السدى السوسيولوجي والثقافي المشترك.
لن تكون هناك تنمية في ظل التشرذم، ولن تكون ديمقراطية في ظل القطيعة. ليس الأمر تخرصات مثقفين حالمين، بل واقعا، وهو الواقع الذي أخرج الملايين في الجزائر وقبلها في تونس، وتعبر عنه الفعاليات المقدامة والمتنورة في المغرب. أذكر بأسى ما كتبه واحد من مجاهدي الثورة الجزائرية وهو البشير بومعزة، رحمه الله، وكان حينها يقبع في سجن الاستعمار، حين أيقظ زبانية السجن، مجاهدا مغربيا في حرب التحرير الجزائرية لتنفيذ حكم الإعدام عليه.. مشى المجاهد المغربي في رواق السجن ثابت الخطى وهو يصيح: عاشت الجزائر حرة، عاش المغرب، عاش الأخوة المغربية الجزائرية. قُتل مرتين. قتله الاستعمار، وقتله من أتى بعد الاستعمار حينما وأدوا حلمه.
لا يحق لنا أن لا نفي بوعده. والتاريخ مثلما يُقال لا يقدم الصحون مرتين، أو مثلما يقول البيت الشعري: إذا هبت رياحك فاغتنمها فلا تدري الفصيل متى يعود
كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Molay:

    لايمكن أن تقوم وحدة مغاربية على أنقاض و آهات شعب مقهور مشرد شعب الصحراء الغربية

    1. يقول ابو زكرياء هولندا:

      صدقت أخي مولاي لكنك نسيت أيضا شعب القبايل وشعب الطوارق وشعب الميزاب كلها شعوب متشردة لن تقوم وحدة مغاربية على أنقاضها ! هل تراني نسيت شعبا آخر لم ادخله في الآئحة ؟

    2. يقول هيثم:

      لم يكن أحد في شمال أفريقيا يتحدث عن شعب في الصحراء الغربية المستعمرة الاسبانية السابقة قبل 1975. استرجاع المغرب للصحراء جعل حكام المرادية يفقدون البوصلة فأصبحنا نسمع عن الشعب الصحراوي و دولة الجمهورية الديموقراطية العربية الصحراوية و الاحتلال المغربي والمعمرين المغاربة و انتهاك حقوق الإنسان واستغلال الثروات في الصحراء من لدن المخزن الملكي الرجعي. من يستمع إلى تراهات وأكاذيب حكام الدولة الجزائرية الذين لفظهم حراك الشعب الجزائري يعتقد أن الصحراء الغربية كانت جنة ونعيما للسكان في العهد الفرنكوي الاستعماري. هؤلاء الذين تعتبرهم شعبا مشردا قسم منه محتجز في معسكرات تندوف لا يسمح له بحرية التنقل إلا بشروط معقدة ليكون ورقة ضغط في يد نظام الجنرالات بينما في المغرب سكان هذا الإقليم يتنقلون بكل حرية ومهم من يسافر إلى الجزائر ليشارك في مبادرات تحريضية ضد المغرب تسمى جامعة صيفية في بومرداس. لا سهل الله تحقيق هذا الاتحاد أو الوحدة إذا كانت الجمهورية الوهمية عضوا .

    3. يقول صوت من مراكش:

      ابو زكرياء هولندا

      احسنت اخي ابو زكريا فقط اذكرك بشعوباخرى سقطت سهوا منك

      شعوب الفضاء الازرق التي دوما في حالة شرود هي يضا تستحق

      وطنا من ورق و ليس من رمال

      تحياتي

  2. يقول خالد الزناتي:

    يحكى أن أحدهم سأل المدرس عن مستوى نباهة إبنه في القسم الدراسي فنادى الأستاذ الطفل وسأله هل بإمكانك استظهار الآية من سورة البقرة التي حفظتها الأسبوع الماضي، فتلى الطفل:”فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك تسعة كاملة”. فقال الأب: لا هو حفظ ولا هو فقه الحساب!
    ذاك مثل أنظمتنا العربية لا هي اتبعت نماذج أنظمة سلطوية في آسيا حرمت شعوبها من جملة من الحقوق والحريات لكنها حققت نموا إقتصاديا لافتا ورخاءا وتطورا مهمين كالتجربة الصينية، ولا هذه الأنظمة العربية إتبعت خطى بلدان نامية كرست ثقافة حقوق الإنسان وارتقت بنظام الحكم إلى نموذج ديموقراطي حق ورسخت مبدأ فصل السلط رغم ضعف نموها الإقتصادي.
    الأنظمة العربية للأسف من المحيط الى الخليج أنظمة فاشلة ومتعفنة ولا يرجى منه خير لا في الأمد القريب ولا على المدى البعيد.

  3. يقول محمد الهواري:

    المنطقة العربية لأسباب جيو سياسية وتكالب القوى العالمية المهيمنة يصعب تحقيق انتقال ديموقراطي سلس في ربوعها، فرغم نجاح بعض التجارب في التخلص من الأنظمة المستبدة والفاسدة التي كانت تحكم (التجربة المصرية والتونسية) إلا إن القوى الخارجية أعدت استراتيجيتها في جنح الظلام واستعانت بعرابين للثورة المضادة من أنظمة الخليج لتنفيذ مخططاتها ونجحت بالفعل في إعادة رموز الأنظمة البائدة لمواقع القرار إما بالقوة عبر تأييد انقلاب العسكر كما في الحالة المصرية أو بالتحايل كما في الحالة التونسية. خلاصة القول أن شعوبنا العربية أمام خصوم في الداخل والخارج يصعب هزمهم مجتمعين بواسطة انتفاضات شعبية بل وجب البحث عن بدائل إضافية لمجابهة مناورات الجبهتين معا.

    1. يقول کامل بغدادی:

      الدیمقراطیە امر مستحیل مع بقاء الدین و المساجد و المفتیین مراهنین عقول الناس الانتخابات کما فی مصر او دول اخری تاتی باخوان المسلمین و الاسلام المتطرف المعادی للعقل الفعال، التحرر الاجتماعی و التنوع الفکری، اللغوی الثقافی و العدالە الاجتماعیە المناهضە للحکم اللحیوی .. هذه هی الدائرە المفرغە للازمە الدیمقراطیە المغاربیە و العربیە و لیس مٶامرات الاستعماریین بالعكس الامل الوحید نحو الحداثە و التنوع و التسامح تاتی من دول الخلیج و مصر و مصیر سودان و جزائر و لیبیا ما زال معلقا هناک امل اذا ابعد الاستبداد الدینی من عملیە التغییر.

  4. يقول علي المصمودي:

    عندما نتتبع مسار بعض التحالفات الإقليمية في العالم نستخلص أن التجمعات التي يتمتع دولها الأعضاء بأنظمة حكم ديموقراطية تحقق أهدافها الإستراتيجية رغم خلافاتها وتاريخها الحافل بالصدامات ويحضرني هنا نموذج الإتحاد الأوروبي، لكن عندما نلقي نظرة على تجمع إقليمي كمجلس التعاون الخليجي فرغم غنى دول الإتحاد وعامل اللغة والمعتقد والهوية والتاريخ المشترك، لكن هذا التجمع الإقليمي لم يصمد وبدأ يتفكك بمجرد تعرضه لازمة إختلاف شخصي بين بعض زعمائه كما حدث مع دول الحصار وقطر مؤخرا، العلة واضحة تتجلى في افتقاد هذه الأنظمة للحصانة اللازمة لنجاح أي مشروع تنموي محلي أو إقليمي وهي بالأساس غياب نظام سياسي ديموقراطي يزكي الكفاءات ويخضع للمحاسبة ويرتكز على المؤسسات المنتخبة.
    الإتحاد المغاربي لن يكتب له الحياة إن لم يسبقه إقرار أنظمة حكم ديموقراطية حقيقية في دول المنطقة، أما الرهان على تحريك آليات هذا الإتحاد لتحقيق انتقال ديموقراطي بعد ذلك فهو وهم وسراب.

  5. يقول Naila:

    استاذ أوريد ،احييك على هذا المقال الموزون بميزان الذهب.
    لايختلف حول ماتفضّلت به مغاربي حر يزن الامور بالعقل والمنطق بعيدا عن التخندق الزائف .

  6. يقول Molay:

    ابو زكريا وهيثم تدافعان عن الباطل بالله عليكم هل هناك دولة على سطح البسيطة تعترف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية بالله عليكم الا ترون أنكم تخلطون رمضان بشعبان بالله عليكم هل ترون مايجري في مملكة بوجلابة من ظلم وقهر وفقر وفاقة والله ثم والله لو رفعت فرنسا التعتيم الإعلامي المفروض على المناطق المحتلة من الصحراء الغربية لشاهد العالم بأسره جرائم السادس ضد العزل من الصحراويين

    1. يقول أبو زكرياء هولندا:

      اخي مولاي العالم اضحى قرية صغيرة ، فقط هاتف صغير بكاميرا ممكن ان تنقل الحدث على الهواء مباشرة لا داع اذن لدغدغة المشاعر بالحديث ان فرنسا تمارس التعتيم ، أما عن الظلم والقهر والفقر فأكيد انك تتحدث عن ما تصنعه مليشيات البوليساريو في حق الصحراويين المحرومون حتى من التنقل بحرية ولعلك وصلتك أخبار آلة القمع التي تمارسها البوليساريو في حق المواطنين … مشكلتكم صديقي أنكم تعتبرون ان القضية هي قضية نظام بينما المسألة الصحراوية قضية شعب مغربي يرفض التقسيم والتجزئة ، نحن صديقي ملكيون في هذه القضية اكثر من الملك … يا ليتكم تستوعبون هذا !

    2. يقول صوت من مراكش:

      يا مولاي اعطيني وثيقة تاريخية و لو بحجم
      .
      تذكرة سينما ذكرت فيها دولة صحراوية لشعب
      .
      صحراوي جنوب المغرب

    3. يقول المغربي-المغرب.:

      الباطل يامن تسمي نفسك مولاي! !!! هو أن تدافع عن مخطط رسمه اليمين الفرنكوي الاسباني. …ونفذه عسكر فرنسا. …وكلاهما غارقان حتى الركب في دماء الأبرياء منذ قصف الريف المغربي بالأسلحة الكيماوية. …ومرورا بالحرب الأهلية الإسبانية. ..ووصولا إلى تصفية قادة التحرير الجزائريين. …والعشرية السوداء التي ازهقت فيها أرواح نصف مليون جزائري. …؛ وبالمناسبة ذكرني. …باسم الدولة التي كانت في الصحراء قبل تحريرها من طرف المغرب…واترك لك اختيار الزمن الذي يعجبك. …من فترة سيدنا آدم. .وإلى حد تاريخه. …!!!.

  7. يقول احمد:

    الاتحاد والتعاون بين الدول المغاربية لاتقوم له قائمة في ظل انعدام الثقة بين حكامهم والإخلال بالعهود التي يوقعونها بينهم ،،،

إشترك في قائمتنا البريدية