تشتغل الفنانة سهام كرواض بمفردات لغتها الخطية على نحو كلي من الجمال، إذ تقدم أشكالا من الخط المغربي على الألواح الخشبية غاية في الروعة، تجعل أعمالها تتبدى في نطاق جمالي مقرون بتنوع المسالك الفنية، ومنمق بعدد من الوسائل الوسائطية الأخرى، لتشكل مساحة شاسعة من الإبداع، مرتكِزة على فضاء فني له طقوسه التعبيرية وخاصياته التجديدية. ولا شك أن السمات الجمالية التي يتمتع بها الخط المغربي، أدمجتها المبدعة في جمال اللوح، لتبلغ بها الذروة الفنية، بما تقدمه من أشكال وصيغ بنائية حديثة تُعصرن بها هذا الأسلوب لتتّجه نحو عوالم فنية جديدة تُوجّه الطريقة التعبيرية للخط على اللوح، لتؤكد مركزيته في التراث الحضاري المغربي، باعتباره مجالا إبداعيا حيويا متجددا.
وتتبدى هذه التجربة الغنية في المجال رائدة، قياسا بمكانة المبدعة وتجربتها الغنية، وقياسا بما طبعت به المجال الفني من جماليات وأشكال متنوعة. وهي تفصح عن عدد من التراكيب الخطية المقترنة بجمال اللوح وصناعته الفنية، المدججة بالجماليات المتنوعة، إذ تشكلها المبدعة وفق خاصيات تقنية معاصرة، ما يؤشر إلى تطويع الحروف للأشكال، وتطويع اللوح بنقاء ملمسه لتشكيل حيز فني مهم في المكان؛ في نطاق تناسقي بين الأشكال والخط، والمادة الفنية المعاصرة، لتشكل جميعها إيقاعات سمفونية مبهجة، تلامس السمع كما النفس، وهي تبدأ من عملية البناء الفضائي وتفضي إلى مسلك إبداعي بديع، تحكمه القوة التعبيرية، وتستحوذ عليه الصفات الجمالية بتعددية شكلية متناسقة. وكل ذلك يتأتى بالتقنيات العالية التي توظفها المبدعة، وتفصح عنها بشكل جلي الاستعمالات الخطية واللونية والتنوع في الشكل وطرائق الوضع، وصياغة الأشكال بمقدرة أدائية تنتُج عنها المعاني المختلفة. كما أن الربط بين المفردات الخطية، ومجموعة من العناصر الشكلية، والاستخدامات اللّوحية؛ يشكل نقلة إبداعية في مجال الخط، وفي دقة الإنجاز الفني.
وبذلك؛ فإن تدبير المجال الجمالي في ما يخص التناسق بين الخط واللوح والشكل واللون يتميز بنوع من التجاور والتمازج والتماسك، وبنوع من التوازن الإبداعي، في مسلك جمالي تؤطره تجربة المبدعة التي تتخطى المستهلَك لتحدث مسلكا فنيا معاصرا متفاعلا مع الأنساق الجمالية المتنوعة. وهو منجز خطي جمالي يقوم على رؤى فلسفية، ويقوم على أساس من التوظيفات الخاصة؛ تلامس المادة الخشبية بإيحائية ودلالات متنوعة. وهي بذلك تدعم القوة التعبيرية على نحو من الجدة والحزم والصرامة الإبداعية، التي تنطلق من جمال الخط المغربي، وتنتهي إلى مسلك جمالي قوامه اللوح بفنياته المختلفة وجمالياته المتعددة. لتقدم انطباعا بأنها تشتغل، وفق رؤى فنية متنوعة مفعمة بالحرية في الإنجاز، ووفق هندسة جمالية تجمع فيها بين ما يقوم على الهندسة الخطية، وما يقوم على الشكل والجمال الذي يمتح مقوماته من اللوح الخشبي. إنه مسار يمتد في الخط واللوح ليروم عملية تشكُّل البناء الفني، قياسا بأهمية الحرف في تحديد المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة. وقياسا بما يحمله اللوح من معان تراثية وحضارية وفنية وجمالية. فسحرية المجالين تتجسد في عملية التناسق المحكم والضبط الدقيق للأشكال داخل الفضاء، وفي حرية تشكيل المكان، باحترام لمختلف عمليات التوظيف الجمالي من توزيع المساحة، وبسط الشحنات التراثية والخطوط وتصبيب الألوان الخلفية وعملية التنظيم الفارقي. ويتبدى أن هذا التأطير يأتي في سياق التجربة الفنية الغنية للمبدعة، وأيضا في نطاق البعد الرؤيوي لمسار الخط وفق الشكل الفني الجديد، إذ أضحى مُرتكزا للإبداع المستمر. إن ذلك يفصح عن درجات من الوعي الفني لدى المبدعة سهام كرواض للعمل بهذه المقاربة. فالخط المغربي بتنوع مجاله حاضر في البناء الفني، وحاضر بحمولته الجمالية في البناء العام للأعمال الإبداعية المعاصرة. وهذا ينم عن الاجتهادات المتواصلة التي تجعل هذه الأعمال تنبني على مستحدثات تقنية معاصرة لتضحى مثقلة بالإيحاءات والدلالات. خاصة مع اهتمامها بقيم السطح وبالبعد الجمالي وبخصائص الملمس التشكيلي، ما يجعل من الحرف والشكل بؤرة جمالية مشتركة في المعنى، ومن اللوح الخشبي وما يحيط به من أشكال حاضنا جماليا يسيطر جزء منه على كامل تكوينات المادة الفنية، حيث يصبح مركَزا للجمال، وفق أنساق متناغمة مع كل تلك العناصر، في المزاوجة بين ضروب متعددة من الأشكال ومن المفردات الفنية. اشتغلت كرواض على رشاقة الحرف وعلى حركيته، وعلى جمال الخامة الخشبية لتنتج من ذلك جماليات وقيم تعبيرية صرفة، تتراءى في نطاق جمالي حمّال لأوجه من التطور والتجديد.
كاتب مغربي