تتميز الفنانة التشكيلية نجية عماري بتعبيراتها التأملية التي تسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز بصري على نحو من الانطباع، موظفة مختلف التقنيات، حيث إن التعبير وفق هذا المسلك يتيح للقارئ التأمل بعمق في أعمالها لفهم عالمها الإبداعي. وتتبدى انطباعاتها التشكيلية حتمية مصيرية في أعمالها الإبداعية، إذ تلامس سر الحداثة في الأسلوب بفهم تشكيلي، حين تتواصل مع مادتها الفنية بوجدانية مطلقة، فتتفاعل في تشكيلاتها مع مختلف المناحي الاجتماعية والثقافية، لتبلغ نتيجة ناضجة تتعلق بقيمة الفضاء، فتوجه مسار التعبير على مستوى التشكيل، لنسج خيوط التكامل في التأليف بين مختلف العناصر الانطباعية والألوان والأشكال، والفراغات والفضاءات التي تخترقها الشخوصات بحمولاتها المختلفة. وتحقق ذلك بألوان ترادفية نتيجة العفوية والتلقائية التي ترسم بها، وبذلك يظهر أسلوب المبدعة جليا من خلال بسط مسلك التحوير وإخضاعه لتصوراتها ولسلطة التأمل. كما أن بعض الأشكال الانطباعية أخذت بُعدها الجمالي على نحو من الإبداع، إذ إن الشخوصات في رؤية المبدعة تتخذ مسارا تأمليا تنبني عليه الرؤى الفنية، وهو ما يعني أن المبدعة تشتغل بألوان تلقائية وأشكال انطباعية تماشيا مع انسيابيتها في التعبير ومع درجات الملمس التشكيلي. ولكي يتفاعل القارئ مع بعض الأشكال التي يلفها السر؛ فإن المبدعة تدعم القوة التعبيرية بالشخوصات الانطباعية، بقدر ما تحمله من معاني ودلالات. وهو ما يعطي انطباعا بأن توزيع المادة التشكيلية وفق مجال شكلي وشخوصي انطباعي تلفه بعض الانزياحات والتحريفات التي تدعم أسلوبها التشكيلي، وتقوي مختلف العناصر الفنية التي تدور في فلك الانطباع.
وبذلك ترتكز التجربة التشكيلية للمبدعة على مقومات تعبيرية، بوظائف بنائية ودلالية، فهي تعتمد الاشتغال في هذا المنحى على مساحات متوسطة وكبيرة، وبكتل وركامات لونية مختلفة، دون العناية بقيم السطح.. وهذا نمط تأثيري يجعل أعمالها بؤرة تخضع لسلطة التأمل؛ إذ لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الانطباع بالمعايير الفنية، بيد أنها تتجه أحيانا نحو أشكال يلفها التحريف والانسيابية في الصنعة اللونية والشكلية، لتضفي عليها أشكالا مغايرة وتحولها إلى أعمال إبداعية ذات انفعالات باطنية تعبر عن معاني وأحاسيس داخلية وعن رؤى ذهنية منبثقة من الواقع، حيث تقاربه بالنسيج الإبداعي في شكله الانطباعي، ليظهر محملا بالإيحاءات.
إن المبدعة تصنع أشكالا فنية متنوعة، تصيغها في ألوان مختلفة، وتردفها برسومات لتنسج منها المادة التعبيرية، ثم تعمد إلى روابط علائقية تكثف بها الفضاء لتتجلى بين الشخوصات والعلامات والألوان، وتعمد من خلال عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها بتدرجات لونية تسد كل منافذ الفضاء، تنسجها وفق بنائها بقدر ما تحمله تقنياتها من متغيرات، تجعل من المجال اللوني المترابط مع جوهر الشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة. فهي تبلور العملية الإبداعية، وفق خاصيات انطباعية وتأملية تتماشى مع نسق الأشكال التي توظفها بموتيفات شكلية دالة على مضامين ومعانٍ محددة، تعيد صياغتها بوهج لوني وبتحريف جزئي، ما يمنح أعمالها حيزا من الخيال، وهي خاصيات تشكيلية في تجربتها التي ترسي من خلالها هذا الأسلوب على هذا النحو الذي يحيل إلى التعبير العميق عما هو مخزون في دواخلها، في حين تكشف أعمالها عن عُدّة من المعاني والدلالات.
كاتب مغربي