■ تشكل الأعمال الإبداعية للتشكيلية نعيمة السبتي مادة تشكيلية خصبة، تملأ فضاء لوحاتها. فهي تركز على كل مقومات العمل الفني المدجج بالشخوصات الواقعية والعلامات المتنوعة، بإيحاء واستعمالات جمالية، دالة على معاني وقيم اجتماعية ثقافية وفنية وإنسانية، تحكمها مجموعة من العوالم الأصيلة. وهي بمنجزها هذا تؤصل لثقافة تعبيرية حضارية، وتسلك في ذلك أسلوبا يمتح من الواقع انطباعات سلسة، الشيء الذي يفضي إلى مجموعة من التفاعلات الفنية التي تدحض البناءات الفراغية في أعمالها، بكثرة التوظيفات الشخوصية، وكثافة الأشكال، حيث تسد بها كل المنافذ، لتجعل التعبير يقف عند الأشكال التعبيرية، لأنها تتغيى بذلك العودة بالمادة التشكيلية إلى الواقع، الذي انبثقت منه أعمالها أساسا، فخاصية التعدد العلاماتي والإيحائي والإشارات في نسيجها التشكيلي تُحدث حركات متتالية، تغير المنحى التعبيري العادي، والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهي تبلور العملية الإبداعية، وفق خاصيات شخوصية تقرأ بها بعض عناصر المادة الواقعية قراءة معاصرة جديدة؛ تختزلها في تعبيرها الانطباعي، ما يجعل القارئ يغوص في عمق الصورة التعبيرية، التي تستحوذ على عينه بصيغها الإشكالية الجمالية المتعددة.
صناعة الجمال في أعمال نعيمة السبتي تبتدئ من الواقع، وتمر بمراحل تعبيرية وصياغات انطباعية، وتنتهي بمنجز تشكيلي معاصر، يصل درجة عالية من التوازن الإبداعي، ومرحلة مهمة من التحرر، خاصة أن التكتل المفرداتي والعناصر الفنية تحظى بوجود علائقي. إنها تقدم المادة التشكيلية في نسيج تعبيري، ينطق بالعديد من المعاني المحسوسة المرتبطة بالواقع. فالفنانة تستند في عملية البناء إلى الشخوصات الواقعية ،كمادة متصلة بالواقع أولا، ثم تثبتها في الفضاء، وفق جماليات تشكيلية انطباعية رائقة، تراعي المقاسات، وتراعي قيم السطح، وتثبت مختلف الأشكال التعبيرية بشكل فصيح، يحيل إلى تعدد القراءات.
إن نظام الفضاء التشكيلي لديها يتشكل من أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تخضعه لكل تصوراتها التي يحملها اللون والشكل والشخوصات وطرائق توظيف ذلك، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة، وفق إردافات لونية تعبيرية، تحكمها التقنيات العالية، ويفصح عنها مسلكها الفني في التعامل مع مختلف الخامات، الشيء الذي يبرز قدرتها التحكمية في الفضاء، وينم عن تمكنها من الإنجاز.
إنها تعتمد أسلوبا يقود إلى عوالم جديدة ويؤشر إلى نوع من الصرامة في عملية ربط المجال الشخوصي، المستمد من الواقع بالمادة التشكيلية المعاصرة. وهذا ناتج عن التفاعل الجدلي بين المكونات التشكيلية التحولية، وعملية التوظيف الإبداعي المتحرك، الذي يعتمد تدفق اللون والكثافة في الفضاء. ومن تم يتضح أن القاعدة التشكيلية لديها هي فن شخوصي تعبيري يعتمد الكثافة والعلامات اللونية المختلفة، لتشكل نسيجا فنيا رائقا، حين تتداخل الأشياء المنفصلة، سواء عبر اللون أو العلامات. وبذلك تظل المقاربة مغمورة بكل سياقات المادة التشكيلية المشكلة للفضاء، تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والمادة الواقعية، وهي تخفي في عمقها مضامين ودلالات قوية، مرتبطة بالاستدراجات اللونية، التي تعضدها الخطابات المخفية وراء حجب الكثافة، لتظل رهينة التأويلات المختلفة والقراءات المتعددة، الناتجة عن تعدد الدلالات.
إن أعمال السبتي تتبدى فيها الجرأة، وهي تقارب ماهية العمل الشخوصي الممزوج بالعلامات اللونية والأشكال المختلفة بالمادة الفنية، الشيء الذي يجعلها دائما ترتقي بأسلوبها التشكيلي إلى صفوة الفن الراقي المعاصر، الذي يفضي إلى صناعة لونية وشخوصات ومادة تشكيلية قادرة على اختراق فضاء اللوحة، بنوع من التوازن، وبنوع من القيم التي تفصح عن القدرة الخارقة لكبح حركة الفرشاة، لإنتاج البعد الجمالي بتقنيات عالية، ما يفسح المجال لإتاحة أفق واسع للتأويل، وهذا وارد في أعمال المبدعة ببسط نوع من التفاعل الإيجابي مع أعمالها، واعتماد مسالك جديدة بعيدة عن طَرْقِ المعنى على حساب الشكل، بل إن صفات التكامل بين الطرفين قائم بجماليات فائقة.
٭ كاتب مغربي