ترتكز الأعمال الإبداعية للفنانة التشكيلية هناء ميكو على المواد التعبيرية المستقاة من مقومات العمل الفني، المدجج بالشخوصات والفيكيراتيفات الانطباعية، ذات الأبعاد الرمزية والعلامات اللونية، وهي في هذه الاستعمالات تحيل إلى معان وقيم فنية، تحكمها مجموعة من العوالم التعبيرية. وتسلك في ذلك أسلوبا انطباعيا سلسا يرتبط بالواقع، الشيء الذي يفضي إلى مجموعة من التفاعلات الفنية، التي تدحض البناءات الفراغية في أعمالها، وذلك بكثرة التوظيفات الشخوصية والفيكيراتيفية، وما يلفها من الأشكال، وما يكتنفها من خاصيات التعدد الرمزي والإيحائي، إذ تمتح مقوماتها من الأسس الفنية للتشخيص في شموليته، حيث تتبدى أعماله وصفا انطباعيا يعبر عن واقع متعدد المضامين. فالمبدعة تصنع مجالا تعبيريا متنوعا، تصيغه في ألوان وأشكال متعددة، حسب تصوراتها ورؤاها الفنية، لتنسج من ذلك المادة الفنية التعبيرية، ثم تشكل منها مواد شخوصية مرتبطة بمضامين حمالة لعدد من الدلالات.
ولصنع ذلك، فإنها تعمد إلى روابط علائقية تكثف فيها الفضاء، تتمظهر بين كتل من العلامات المضمرة داخل اللون، ثم تقوم بإنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، ثم تطبعه ببعض المساحات المحجبة، وبذلك تفصح عن التراكمات الرمزية، والدلالات الفنية، التي تنبثق من اللون والشكل، التي تؤصل لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات العمل الفني. إن خاصية التشخيص الإيحائي في عمقه التشكيلي يُحدث حركات فنية قادرة على منح المجال الشخوصي الانطباعي، تعبيرا يفضي إلى تعددية القراءة. فالمبدعة هناء تبلور العملية الإبداعية، وفق خاصيات جمالية ومسالك فنية معاصرة في التعبير، وإنها كذلك ترسخ المجال لبناء دلالي يتطور في عمق المادة التشكيلية، بصيغ فنية تتجاوب بشكل تلقائي مع نظام الفضاء التعبيري بأنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تُطاوع الحس الانفعالي، وتستجيب بسهولة إلى تصورات المبدعة التي تتوفر على قدرة تحكمية في الفضاء وفي المادة التشكيلية.
إن صناعة الجمال في أعمال الفنانة هناء ميكو، تبتدئ من البناء الفضائي، وتنتهي إلى صورة شخوصية تعبيرية تشكل نسيجا من العلاقات التحاورية داخل الفضاء، والتي تفصح عن جملة من التداخلات الرمزية والعلاماتية، التي تروم أفقا تعبيريا محضا، وتقدم المادة التشكيلية في نسيج فني ينطق بالعديد من المعاني، ما يجعل المبدعة تبث شعورها من خلال أعمالها بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وأشكال تعبيرية تتوقف على مناح متعددة القراءات. إن نظام الفضاء التعبيري لديها يتشكل في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تخضعه لكل تصوراتها التي يحملها اللون والشكل والتعبير وأسلوب التوظيف، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة، التي تلعب فيها التقنيات العالية دورا مركزيا، إذ يقود إلى عوالم جديدة توجه المسلك التعبيري، ويؤشر إلى أن المبدعة هناء تتوق إلى أسلوب مغاير يجعلها في صفوة الفن التشكيلي المعاصر.
كاتب مغربي