الرباط ـ «القدس العربي»: تحت عنوان “عزيز أخنوش: الغائب”، نشرت أسبوعية “تيل كيل” المغربية الناطقة بالفرنسية، في عددها الجديد، ملفاً تحليلياً عن كيفية تعامل رئيس الحكومة مع التحديات المتزايدة التي يواجهها المغرب على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، بدءًا من ارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة، وصولاً إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية والفيضانات.
وأشارت إلى أن هذه الأزمات تؤثر بشدة على الحياة اليومية للمغاربة. ومع ذلك، يبدو أن أخنوش يواجه هذه الأوضاع بالصمت والغياب، دون تقديم حلول ملموسة. ورغم المطالب المتزايدة، فإن الإجراءات الحكومية الفعّالة تظل غائبة.
وأعطت الأسبوعية “مثالاً صارخاً” على تفاقم الأزمات في المغرب، هو ما حدث في 15 أيلول/سبتمبر في محاذاة مدينة سبتة المحتلة، عندما شهدت مدينة الفنيدق المجاورة لها موجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية، إذ حاول المئات من المغاربة والعرب والأفارقة العبور نحو المدينة المحتلة.
ولاحظت أنه رغم كون محاولات الهجرة غير الشرعية ليست جديدة، فإن ما ميز الموجة الجديدة هو تركيبتها السكانية، حيث تضمنت شبابًا في سن العمل، وحتى أطفالاً في سن الدراسة. بعض هؤلاء الأطفال كانوا لا يتجاوزون 9 سنوات، ما يثير التساؤلات حول الظروف التي دفعتهم إلى القيام برحلات خطيرة كهذه. إن هذه الموجة من المهاجرين تعكس بوضوح الأزمة الاجتماعية العميقة التي يعيشها المغرب، وفق أسبوعية “تيل كيل”.
وتشير الشهادات التي أدلى بها هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين إلى معاناتهم من البطالة والفقر، إذ يسعون إلى تحسين ظروف حياتهم وتأمين مستقبل أفضل لعائلاتهم. إنهم ينحدرون من المناطق الريفية والمدن الصغيرة التي غالباً ما توصف بـ”المغرب غير النافع”، حيث تفتقر هذه المناطق إلى الفرص الاقتصادية والتنموية المتاحة في المحاور الاقتصادية الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة المغربية تواصل تجاهل هذه المناطق المهمشة، ما يزيد من معاناة سكانها ويدفعهم نحو الهجرة كحل أخير.
وتابعت الأسبوعية نفسها: “أثناء وقوع هذه الأحداث المأساوية في شمال البلاد، كان عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، يشارك في فعالية حزبية في مدينة أغادير بصفته رئيساً لحزب “التجمع الوطني للأحرار”. وعوض التعامل مع أزمة الهجرة غير الشرعية التي تفاقمت في سبتة، فضل أخنوش إلقاء خطاب سياسي يهاجم فيه خصومه السياسيين. ورغم أن خطابه كان مخصصاً للشباب، فإنه لم يتطرق إلى المشاكل التي تواجههم، وخاصة فئة الشباب الذين يعانون من البطالة والتهميش، وهم من يمثلون النسبة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين الذين حاولوا عبور الحدود في 15 أيلول/سبتمبر، فقد اختار أخنوش تجنب مواجهة التحديات الحقيقية التي يواجهها الشباب المغربي، واكتفى بترديد شعارات دون تقديم حلول ملموسة”.
وتطرقت الأسبوعية المغربية إلى إحدى الفئات الأكثر تضرراً من الوضع الحالي في المغرب، وهي الفئة التي تضم الشباب الذين لا يعملون ولا يدرسون ولا يتلقون أي تدريب. وفقاً لتقارير “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، فإن هذه الفئة تشكل حوالي 1.5 مليون شخص في المغرب، ما يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد المغربي. هذه الفئة، تقول “تيل كيل”، لا يجب أن تُعتبر عبئاً فقط، بل يمكن أن تكون فرصة كبيرة للنمو الاقتصادي إذا أدمجت بشكل صحيح في سوق العمل. ورغم التحذيرات المتكررة من الهيئات المختلفة بشأن تداعيات تجاهل هذه الفئة، فإن الحكومة لم تتخذ بعد خطوات جادة للتعامل مع هذه الأزمة.
وعلى الرغم من تعهد أخنوش في شباط/ فبراير الماضي بأن قضية البطالة ستكون أولوية حكومته في النصف الثاني من ولايته، فإن النتائج على أرض الواقع كانت مخيبة للآمال. تم خلق 191 ألف وظيفة فقط بين عامي 2022 و2023، في حين أن الهدف المعلن هو خلق 500 ألف وظيفة بحلول عام 2026. هذه الأرقام تعكس الفجوة الكبيرة بين الوعود الحكومية والواقع الاقتصادي في البلاد. الأسوأ من ذلك، أن الحكومة لجأت إلى الاستعانة بشركات استشارية مثل “ماكينزي” لتحليل الوضع دون أن تقدم حلولاً ملموسة.
إلى جانب مشكلة البطالة، يظل الاقتصاد غير المنظَّم من أكبر التحديات التي تواجه المغرب. هذا القطاع يوفر فرص عمل غير رسمية لمئات الآلاف من الأشخاص، ولكنه يعاني من ظروف عمل سيئة، وأجور منخفضة، وانعدام الحماية الاجتماعية. ورغم أن الحكومة قامت بمحاولات لتنظيم هذا القطاع، فإن النتائج كانت محدودة، ولا تزال الغالبية العظمى من العمّال تعتمد على هذا النوع من العمل لتأمين معيشتها.
وأكدت الأسبوعية المغربية أن تفاقم هذه الأزمات يعكس ضعفًا واضحًا في الأداء الحكومي وغياب رؤية واضحة للتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. على الرغم من الأزمات المتتالية، يظل عزيز أخنوش بعيداً عن تقديم الحلول الفعّالة، مكتفياً بخطابات سياسية بعيدة عن واقع الشارع المغربي. ويبدو أن الغياب الحكومي عن معالجة هذه الأزمات يزيد من تفاقم مشاعر الإحباط لدى المواطنين، ويهدد بتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وتساءلت “تيل كيل”: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل ستتمكن الحكومة من اتخاذ إجراءات حقيقية لإنقاذ الاقتصاد المغربي وإعادة الثقة للمواطنين؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن حتى الآن، لا يبدو أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، بحسب استنتاج الأسبوعية نفسها.